* البابا شنودة الثالث بطريركاً استثنائياً أعاد للكنيسة تقاليدها العلمية والروحية، وتجسدت فيه الديموقراطية الكنسية واحترام اللوائح وحق الشعب في اختيار راعيه
* أسرار نفي الباباوات كيرلس الخامس وشنودة الثالث، واعتزال البابا مكاريوس، واختطاف البابا يوساب
(يؤانس، مكاريوس، يوساب، كيرلس السادس، شنودة الثالث).
* البابا شنودة الثالث بطريركاً استثنائياً أعاد للكنيسة تقاليدها العلمية والروحية، وتجسدت فيه الديموقراطية الكنسية واحترام اللوائح وحق الشعب في اختيار راعيه
* أسرار نفي الباباوات كيرلس الخامس وشنودة الثالث، واعتزال البابا مكاريوس، واختطاف البابا يوساب
رقد في الرب على رجاء القيامة فارس وقديس ومعلم وزعيم وإنسان، قداسة البابا شنودة الثالث بابا وبطريرك الكرازة المرقسية. كان الراحل العظيم مثل الحجر الكريم كلما أنعكس عليه ضوء أشاع لونا مختلفاً، فهو البطريرك المائة وسبعة عشر على كرسي مارمرقس، لكنه البطريرك العروبي الثاني بعد البابا بنيامين الذي استقبل عمرو بن العاص، ومن ثم كان ضابط احتياط حارب من أجل فلسطين كفارس، وقضى ما تبقى من عمر منذ 1948 فصاعدا مدافعاً عن عروبة القدس، حتى بلغ الأمر به بحرمان أي قبطي من زيارة القدس إلا بعد تحريرها، وقاده ذلك للصدام مع السادات وأدي به للنفي في دير الأنبا بيشوي، حتى أطلق عليه المناضل الراحل ياسر عرفات: البابا شنودة بابا العرب، وهكذا كان قداسة البابا أيضاً هو البابا الثاني الذي تعرض للنفي لمواقفه من الاحتلال حيث كان البابا كيرلس الخامس قد نفي من قبل الاحتلال البريطاني إلى دير البراموس بوادي النطرون قرابة العام في 1892. ويعد البابا شنودة العالم واللاهوتي هو البابا السادس الذي وصل ما انقطع من تراث لسدة البطريركية، والذي كان في عصر العلم إبان مدرسة الإسكندرية وكان هناك التزاماً عرفياً بأن يكون البطريرك من علماء مدرسة الإسكندرية القديمة، ومن مهد الضمير وحتى حرق المكتبة جلس على كرسي مارمرقس خمسة بطاركة من أساتذة وعلماء المدرسة، وها نحن أمام العالم السادس الذي أكد على التقليد القبطي القديم حينما كان الأعلم هو الأقدس، والأقدس هو الأعلم، وأعاد لنا البابا شنودة الثالث عبق الزمن القديم المتجدد حينما تمت روحنة العلم وعلمنة الروحانية، فقيه في اللغة العربية، أعطى للبلاغة روح، وأعاد لنا رواق أبناء العسال الأزهريون الأقباط، فيلسوفاً صالح بين الفلسفة واللاهوت لذا لم يكن غريباً أن يعيد الاعتبار للعلامة أورجينوس، ويفك أسره من الحرمان التاريخي والكنسي، آه يا أبتاه، وإن كان عزيز في عيني الرب رحيل أحباؤه، فكيف بنا الحال نحن الضعفاء، وأنت تترجل يودعك الملايين لتتخذ من دير الأنبا بيشوي رحلتك الثانية نحو عرش النعمة، نرجو منك وكما وحدت الكنيسة تحت جناحيك منذ 31 أكتوبر 1971 وحتى رحيلك 17 مارس 2012 أن تتشفع لنا شعباً وكنيسة من أجل الوحدة أمام عرش النعمة بصلواتك.
من بابا إلى بابا.. وتبقى الكنيسة
أكثر من ثلاثة أجيال لم تتعرف على تراث وتقليد هذه الكنيسة العتيدة في اختيار خدامها ورعاتها من اصغر الرتب الشموسية وحتى الباباوية، فهي الكنيسة الوحيدة التي تطبق القاعدة الإنجيلية “حق الشعب في اختيار راعيه” وهي الوحيدة أيضاً التي ينتخب البابا فيها من مجمع انتخابي يشارك فيه العلمانيين والإكليروس المتزوج والرهبان، كل ذلك كلفها الكثير من الصراعات والتحديات، وليأذن لي القارئ العزيز إن تجاوزت وقلت أن الديمقراطية بالنسبة للكنيسة الأرثوذكسية تعد السر الثامن من أسرارها.
عرفت الكنيسة الصراع ما بين رجال الدين (الأكليروس) والعلمانيين الأقباط حول قيادة جموع الأقباط، منذ نشأة المجلس الملي عام 1872م، وانتخب أعضاؤه في 16/1/1874، واختير بطرس غالي وكيلاً للمجلس. إذ كانت الرئاسة للبطريرك، وأصدر الخديوي أمره باعتماد تشكيله، وبدأ المجلس يباشر مهامه في فبراير 1874، وهو الذي اختار كيرلس الخامس بطريركاً خلفاً لديمتريوس في عام 1875، ورأى كيرلس الخامس أن المجلس يمثل اعتداء على سلطاته فحل المجلس 1875، وسعى بطرس غالي لدى الدولة في هذا الشأن حتى صدر الأمر العالي في 13/3/1883 بتشكيل المجلس الملي مرة أخرى، وأعيد انتخاب بطرس غالي وكيلاً للمجلس في 14/5/1883، ونصت لائحة المجلس الملي على أن يشكل المجلس للنظر في كافة المصالح الداخلية للأقباط (م1). وأن يختص بمصروفات الكنيسة والأديرة والمدارس وجميع حججها ومستنداتها وتنظيم حسابات الإيراد والمنصرف وحفظ الأرصدة (م9) وأن يكون من واجبه إدارة المدارس والمطبعة ومساعدة الفقراء، وحصر الكنائس وقساوستها والأديرة ورهبانها والأمتعة والسجلات الموجودة بهذه الجهات (م10، 14) وذلك فضلاً عن اعتباره- أي المجلس الملي- محكمة للأحوال الشخصية للأقباط تنظر منازعات الزواج والطلاق وغيرها (م 16). (ملحوظة: هذه المادة هي بداية الصراع حول قضايا الأحوال الشخصية بين الإكليروس والعلمانيين في الكنيسة).
ورفض المطارنة ما حدث وأصدروا بياناً يؤكدون فيه أن المجلس مخالفة للأوامر الإلهية والطقوس الرسولية، وأعلن كيرلس الخامس رفضه لللائحة، وعندما أراد المجلس تجديد انتخاب أعضاؤه عام 1891 طلب البطريرك من محافظ القاهرة منع الاجتماع، فقاوم المجلس وعقد الاجتماع، فكتب كيرلس الخامس للحكومة في 20/7/1891 “أن المجلس مخالف للحكومة” فعقد بطرس غالي اجتماعاً وطالب بتدخل الحكومة لرفع يد البطريرك عن المجلس الملي، فهدأ البطريرك ودخل في مفاوضات مع المجلس الملي وتوصل الطرفان إلى اتفاق وسط ينص على:
” أن تبقى أوقاف الأديرة تحت إشراف البطريرك، وأن تحتفظ الأديرة بفائض إيراد أطيانها، وألا يكون للمجلس علاقة بديوان البطريركية، وأن تكون رئاسة المجلس في حالة غياب البطريرك لمن ينيبه من رجال الدين، وأن يكون للبطريرك حق تعيين ثلث المجلس بدون انتخاب”.
ورغم أن اتفاق 1891 يسلب من المجلس الملي اختصاصات كبيرة، إلا أن البطريرك رفض تنفيذه، فطلب المجلس من الحكومة نفي البطريرك، فنفي إلى دير البراموس بوادي النطرون، ونفي مساعده ووكيله الأنبا يؤانس إلى دير الأنبا بولا بالصحراء الشرقية، ودام نفيهما قرابة العام، حتى أعادتهما وزارة رياض باشا، وعاد البطريرك في 4 فبراير 1893، والتف حوله الجماهير بما فيهم أغلب خصومه، ولم يعد البطريرك مهزوماً بل أصبح أكثر تشدداً، فقبل العمل بلائحة 1883 بشرط أن تؤلف لجنة “ملية” تعمل بجواره بدلاً من المجلس المنتخب، وبذلك نسف البطريرك جوهر اللائحة. واستمرت الأوضاع على ذلك المنوال ما يقرب من 12 سنة، بل استطاع البطريرك أن يشرع لاتفاق 1891 عبر الخديوي دون النظر من مجلس شورى النواب في صورة القانون 8 لسنة 1908، ثم جرى تعديل أخر لللائحة بالقانون 3 لسنة 1912، أخرج أوقاف الأديرة من دائرة اختصاص المجلس الملي وقصرها على رجال الدين فقط، ولكن المجلس ظل بعيداً يصدر قراراته التي يرفضها البطريرك حتى 1927.
ويفسر أغلب المؤرخين أسباب تشدد البطريرك بعد المنفى بأن ذلك يعود لعداء كيرلس الخامس للإنجليز، وصراع الخديوي عباس حلمي معهم، وارتباط ذلك بسياسة الخديوي عباس حلمي في الاعتماد على المؤسسات الدينية التقليدية كجزء من مصادر نفوذه. ما أشبه اليوم بالبارحة فالعلاقة بين كيرلس الخامس وعباس حلمي هي التي أسست للمنهج الذي سار عليه البطاركة من كيرلس الخامس حتى شنودة الثالث في علاقتهم مع الدولة وضد الاحتلال الأجنبي سواء كان البريطاني أو الصهيوني فيما بعد.
يتغير الموقف قليلاً بعد ثورة 1919، لكن الصراع استمر حتى تقدم النائب الوفدي سوريال جرجس عضو مجلس الشيوخ بمشروع قانون لتعديل لائحة المجلس الملي، ونص اقتراحه على إبقاء التعديلين اللذين أدخلهما كيرلس الخامس في 1908، 1912، والعودة إلى لائحة 1883 وبعد مناقشة استمرت من 30/5/1927 وحتى 26/6/1927 صدر القانون رقم 19 لسنة 1927، إلا أن رجال الدين من الأساقفة عطلوا القانون وانتهى الأمر باجتماع مشترك للمجلس في 19/11/1928، بناء على أمر من محمد محمود باشا رئيس الوزراء في ذلك الوقت، ببقاء البطريرك في تعيينه رؤساء الأديرة أو أن تؤلف “لجنة أوقاف الأديرة” من البطريرك أو نائبه رئيساً وستة أعضاء، أربعة من المجلس الملي، واثنين من المطارنة يختارهم البطريرك سنوياً، واستقال احتجاجاً على ذلك خمسة من أعضاء المجلس الملي المنتخب، إلا أن القرار صدر، وبالرغم من ذلك لم ينفذه رجال الدين، وهكذا اشتد الصراع بين رجال الدين (الإكليروس) والعلمانيين (المدنيين) حول اختصاصات إدارة الكنيسة، فرجال الدين متمسكين دائماً بكل شيء، ولا سلطات لغيرهم، واستمر الصراع حول اللائحة والاختصاصات في ثورة يوليو 1952 وفي عام 1959 انتخب الأنبا كيرلس السادس بطريركاً وحينما اختلف مع المجلس الملي جمد نشاطه بقرار من جمال عبد الناصر، واستمر الحال حتى انتخاب البابا شنودة الثالث الذي توصل إلى حيلة عبقرية حيث (سام) رسم أعضاء المجلس الملي العام شمامسة أي أعطاهم رتبة دينية هي الدنيا في المراتب الإكليروسية وانتهى الأمر إلى هذا.
· من لائحة المجلس الملي إلى لائحة البطريرك:
استمر صراع النخب القبطية المدنية مع النخب القبطية الدينية (الاكليروس) حول لائحة المجلس الملي جنبا إلى جنب مع الصراع حول لائحة انتخاب البطريرك, و أثيرت هذه اللائحة فى الفترة من وفاة الأنبا كيرلس الخامس 7\8\1927 و حتى وفاة الأنبا يوساب في 13\11\1956 ثلاث مرات أوقات اختيار الأنبا يؤانس, الأنبا مكاريوس, الأنبا يوساب, و دار الصراع بين الاكليروس و دعاة الإصلاح حول الشروط الآتية:
1- شرط الرهبنة أو البتولية الذى كان يصر عليه رجال الدين من الاكليروس فى حين كان دعاة الإصلاح يطالبون بالغاءه, و ألغى فعلا فى معركة انتخاب الأنبا يؤانس, و عاد مرة أخرى في عهد الأنبا مكاريوس, ولازال حتى الآن.
2- تكوين المجمع الانتخابي.
3- ترشيح المطارنة لأنفسهم لمنصب البطريرك( و كان ذلك من شروط المجمع المقدس).
و انتخب الأنبا يؤانس بطريركا بعد أن دارت صراعات كادت أن تؤدى إلى انقسام الكنيسة و على سبيل المثال و احتجاجا على معاداة الانبا يؤانس للمجلس الملى دعا الدكتور سوريال جرجس و هو من أنصار الإصلاح إلى اجتماع كبير بفندق الكونتنتال في 16\12\1927 حضره 120 من النخبة القبطية منهم 8 من أعضاء مجلس الشيوخ,و 24 من أعضاء مجلس النواب و دعا سوريال إلى ضرورة انتخاب بطريركا, و رشح القمص يوحنا سلامة نفسه و تم انتخابه و أرسل القرار إلى وزارة الداخلية فى 18\12\1927 و لكن الرأى العام القبطي خاف من أن يكون للكنيسة بطريركا احدهما أهلى و الأخر رسمي و رد الملك فؤاد سريعا فى نفس اليوم و أصدر أمر ملكيا بتعيين الأنبا يؤانس قائمقام بطريركيا لممدة 6 شهور و استمر يمد له القرار حتى 1سبتمبر 1928, و قام سوريال و قدم استجوابا لمجلس الشيوخ ضد وزير الداخلية, و لكن الأنبا يؤانس جمع المجمع المقدس في 18 يوليو 1928, و اتخذ قرارا من شقين: عدم ممناعة أن يتولى احد المطارنة سدة البطريركية أي(يؤانس), و أن يكون المرشح بتولا لم يسبق له الزواج.
و قدم الإصلاحيون مشروعان للائحة انتخاب البطريرك إلى قسم قلم قضايا الحكومة الذى كان يرئاسه الفقيه القانونى عبد الحميد بدوى و الذى اعد مشروعا للائحة اشترط ان يكون البطريرك فقط مصرى الجنسية, و لكن اعتراضات المجلس الملى سقطت مع سقوط وزارة النحاس باشا, حيث خلفاتها وزارة محمد محمود, و فى 25 يونيو جرى انتخاب يؤانس بطريركا و تمت بين 5 مرشحين منهم القمص يوحنا سلامة(متزوج)(حصل على 9 أصوات),حبيب جرجس ( علمانى-مدير الكلية الاكليركية)(حصل على صوتين), حنا الانطونى(راهب)(حصل على صوتين),الأنبا بطرس مطران اخميم (حصل على صوت واحد) ولم يصدر الأمر الملكي بتنصيب يؤانس بطريركا الا فى 9\12\1928.
· انتخاب الانبا مكاريوس:
توفى الأنبا يؤانس21\6\1942, كان الأنبا مكاريوس مطران أسيوط معروف بميوله الإصلاحية, و كان جملة المرشحين 6 أربعة من المطارنة و اثنين من الرهبان, و فاز الانبا مكاريوس و أيده المجلس الملى و أعطى مكاريوس المجلس الملى كافة الصلاحيات, و أرسل بذلك خطابا إلى الحكومة الوفدية فأصدر مجلس الوزارء الوفدى قرارا ببطلان ما ذهب إليه المجمع المقدس, فما كان من المجمع المقدس إلا أن قاطع البطريرك, و حينما وجد البطريرك نفسه وحيدا بين طرفين متشددين وغير قابلين للحلول الوسط و لم الشمل هجر البطريركية إلى دير الأنبا بولا, ثم عاد بعد سقوط حكومة الوفد, و توسط احمد ماهر باشا رئيس الوزراء الجديد فى 8 أكتوبر 1944, و جمع البطريرك المجمع المقدس و اعاد له صلاحياته على حساب حلفائه فى المجلس الملى إلى حد انه أعطى أوامر للبنوك بعدم صرف أموال الكنيسة ألا بتوقيعه شخصيا و توترت المشكلات حتى وفاته 31اغسطس 1945.
· انتخاب الأنبا يوساب:
جرت عملية انتخاب الأنبا يوساب فى ظل حكومة النقراشى, و فاز على منافسه القمص داود المقارى, و جرى تنصيبه فى 14\5\1946, و كما جرت العادة من أسلافه تعهد لوكيل د\المنياوى للمجلس الملى بعودة اختصاصته طبقا للقانون19لسنة1927, كما تعهد للقمص إبراهيم لوقا وكيل البطريركية بالاستغناء عن خدمات خادم له عرف بالفساد هو ملك جرجس, و صدر الأمر الملكي بتعيين يوساب الثانى بطريركا للأقباط الارثوذكس فى 14 مايو 1946 فى عهد حكومة إسماعيل صدقى الثانية, اما عن ملك جرجس فيصفه الأنبا توماس مطران الغربية و سكرتير المجمع المقدس حينذاك (صحيفة الجمهورية 23\9\1955بانه بطريرك”غير متوج”, فرض اتاوات على الكنائس و الأديرة و تدخل في تعيين المطارنة و الأساقفة, و بلغت ثروته عام 1950 نحو ربع مليون جنيه, مما جعى عامة الأقباط للتذمر, و على سبيل المثال أن النيابة حققت عام 1950 فى حادث اقتحام البطريرك و خادمه ملك جرجس أخريين غرفة ناخبى المجلس الملي في 10 فبراير 1950, و اعتدوا بالضرب على أعضاء اللجنة بالضرب. و فؤجى الراى العام بجماعة تدعى جماعة الأمة القبطية برئاسة المحامى إبراهيم هلال تخطف البطريرك وتودعه دير البنات و تجعله يوقع على وثيقة بالتنازل و اكتشف الأمر و أعيد البطريرك و بعد ذلك بأكثر من علم تسلل شاب إلى مقر البطريركية محاولا اغتيال البطريرك و قبض على الفاعل, و في 5 سبتمير 1955 اجتمع المجمع المقدس و أصدر قرارا بإعفاء الأنبا يوساب من منصبه و إبعاده عن المقر البطريركى بالقاهرة و الاسكندرية, و تشكيل لجنة ثلاثية لإدارة الكنيسة و برر المجمع قراره بأسباب تتعلق بتبديد أموال الكنيسة , واتخذ البطريرك الأشرار مستشارين, و ابعد البطريرك الى الدير المحرق فى 24سبتمبر 1956 و بعد إلغاء الأحكام العرفية حاول بعض رجال الاكليروس أعاد البطريرك للقاهرة إلا أن المجلس الملي رفض و اقنع الحكومة بان عودة يوساب لكرسيه تخالف القرار الرسمى الصادر بوقفه و تخل بالأمن العام , فأغلقت أبواب المقر الباباوى فى وجهه حتى توفى فى 13 نوفمبر 1956.
· انتخاب الأنبا كيرلس السادس :
كان جمال عبد الناصر قد انتخب رئيسا للجمهورية عبر استفتاء شعبى و هو إجراء جديد فى مصر عام 1956, و رغم اعتراض المجلس الملى على لائحة انتخاب البطريرك إلا أن المجلس فوجئ بصدور قرار جمهورى بلائحة جديدة تضمنت كل مطالب رجال الدين و حددت آخر موعد للترشيح 25يناير 1958, و من المدهش ان اللائحة التي لازالت سارية حتى الآن تضمنت إلا يقل سن المرشح عن أربعين عاما. و هذا هو الشرط الذي ابعد كوكبة من الرهبان الشبان منهم انطونيوس السريانى (الانبا شنودة فيما بعد), كما اشترطت اللائحة 15 عاماً حياة ديرية و هو الشرط الذى ابعد به البابا شنودة فيما بعد القمص متى المسكين و لكن عبد الناصر الذى انتخب رئيسا للدولة وهو فى سن 36 عاما رفض اعتراضات المجلس الملى و استبعد المرشحون الجدد و تبقى 5 فقط انتخب منهم البابا كيرلس السادس. واستمر الصراع بين البابا كيرلس السادس و المجلس الملى و إزاء ذلك توجه البابا كيرلس السادس إلى جمال عبد الناصر و عرض عليه الموضوع، فأمر عبد الناصر بصرف تبرع من الدولة الى الكنيسة 10 الاف جنيه مع حل المجلس الملى و تشكيل لجنة برئاسة الانبا كيرلس فى 1967و و استمر المجلس محلولا الى ان اعاده البابا شنودة الثالث بعد تنصيبه بطريركا فى 1971.
· انتخاب البابا شنودة و الصراع المتجدد:
وجه الانبا غريغوريوس اسقف الخدمات و البحث العلمى كتبا بعنوان:”ايضاح و بيان للمبادىء العامة الأساسية فى موضوع انتخاب البطريركية او كتاب مفتوح للمجلس الملى بالاسكندرية بتاريخ 1\3\1971 يقول فيه (انى ارى ان اللائحة الحالية للانتخاب البطريرك لائحة خاطئة من ألفها إلى يائها, خاطئة أصلا و فرعا, و أكد احكم بأننى أجد من العار على كنيستنا معلمة المسكونة ان تكون لها فى النصف الثانى من القرن العشرين لائحة كهذه جانبت الصواب من كل جهة, و تحت مسئوليتى اقرر أن هذه اللائحة ليست انجيلية لأنها تعارض الكتاب المقدس نصا و روحا, و ليست كنسية لانها تعارض القانون الكنسى نصا و روحا)
و تصف ايريس حبيب المصرى فى كتاب تاريخ الكنيسة القرعة الهيكلية ص217: (بأنها مبدأ يهودى لم يستخدم إلا حينما أراد التلاميذ الاثنى عشر اختيار بديل للخائن يهوذا الاسخريوطى).
نعود لكتاب الأنبا غريغوريوس مرة أخرى ان اللائحة الاستثنائية و التى أقرت بأن يكون البطريرك من الرهبان لن تراعى ان مجموعة البطاركة الذين اعتلوا الكرسى البابوى و عددهم 116 (قبل البابا شنودة) كانوا موزعين كالتالي :
أولا: من رؤساء و أساتذة و علماء مدرسة الإسكندرية خمسة بطاركة, و كان هذا هو عصر العلم الذي كان يلزم عرفيا ان يكون البطريرك من العلماء بمدرسة الاسكندرية.
ثانيا: من سكرتيرى و تلاميذ الباباوات السابقين, و عددهم 7 و هى مرحلة انتقالية بين المسيحية العلمية و النسكية
ثالثا: من الكهنة المتبتلين-من المتزوجين ولكنهم ليسوا رهبانا و يعملون وسط الناس –علمانيين) و عددهم 22 بطريرك.
رابعا: من الشمامسة (من غير الرهبان) 4 بطاركة.
خامسا: عصر الرهبان: 73 بطريركا جاء ذلك بعد الحركة العلمية و حرق مدرسة الإسكندرية.
سادسا: من العلمانيين المتزوجين واحد و هو البطريرك انيانوس الثانى.
سابعا: من البطاركة العلمانيين المترملين( الذين توفت زوجاتهم) واحد و هو البابا يوحنا السادس (البابا ال47)
ثامنا:من العلمانيين-غير الرهبان و المتبتلين 4 بطاركة.
تاسعا: من المطارنة و الأساقفة: 5 باباوات
عاشرا: من أساقفة غير المتزوجين-المتبتلين(من من لم يكونوا قبل من الرهبان اثنين من البطاركة الحادي عشر من المتبتلين (لكن من غير المعروف يقينا ما إذا كانوا كهنة أو شمامسة أو علمانيين) 4 بطاركة.
و مما سبق ان الاختيار القسرى للبطريرك عبر القرعة الهيكلية المختلف عليها لم تنشا الا ابان المرحلة الناصرية 1959 و حتى اختيار البابا كيرلس السادس و الانبا شنودة الثالث, لأنه من غير المعقول أن يأتى عبد الناصر من غير استفتاء شعبى فى حين يأتي البطاركة بالانتخاب الحر المباشر.
و هكذا جرى انتخاب البابا شنودة الثالث يوم الجمعة 29 أكتوبر 1971 بالقرعة الهيكلية رغم انه حصل على المركز الثاني للانتخاب434 صوتا فى حين حصل المتنيح الأنبا صموئيل على المركز الأول 440 .و المتنيح القمص تيموثاوس المكارى ب 312 صوتا و اجريت القرعة الهيكلية فى31 أكتوبر 1971.
ومن الملاحظ أن لائحة 1957 تقر بأحقية المطارنة في الترشح، ولكن القائمقام الأنبا أسانثيوس مطران بني سويف والذي شغل هذا المنصب منذ وفاة الأنبا يوساب الثاني 13 نوفمبر 1956 وحتى انتخاب الأنبا كيرلس السادس وإجراء القرعة الهيكلية 17 مارس 1959 قرر عدم قبول أوراق المطارنة للترشيح ووافق على ذلك حينذاك المجمع المقدس، كذلك فعل نفس الأمر القائمقام الأنبا أنطونيوس بعد رحيل الأنبا كيرلس السادس في 9 مارس 1971 وحتى الاختيار الإلهي بالقرعة الهيكلية للأنبا شنودة الثالث في 31 أكتوبر 1971.
كما يلاحظ أن أطول فترة شهدت الكنيسة فيها فراغاً بابوياً وهي ثلاث سنوات منذ وفاة يوساب الثاني وحتى تنصيب كيرلس السادس، وأقل فترة وهي سبعة شهور كانت منذ وفاة الأنبا كيرلس السادس وحتى تنصيب البابا شنودة الثالث.
ولا أجد ما أختم به سوى جزء من حوار مع الراحل الأنبا شنودة الثالث نشر للباحث في كتاب “الأقباط بين الحرمان الوطني والكنسي”، يقول قداسة الأنبا شنودة للباحث: “كان المرشحون خمسة، وكان الرئيس السادات قد أخبر المجمع المقدس أنه يفضل السرعة والهدوء، ومن يختارونه سوف يوافق عليه، وأجريت الانتخابات فيما بيننا- وكنت الأول في الترتيب- والثاني هو الأنبا صموائيل والثالث هو القمص تيموثاوس المقاري، وكان الأنبا أنطونيوس هو القائمقام البطريركي، وقد رأى أن تستمر الانتخابات المجمعية حتى يكون هناك مرشح واحد، ولكني اصريت على هذا الأمر برغم أن ترتيبي في تصويت المجمع المقدس كان الأول، وقلت للجميع أن هذا الأسلوب يتناقض مع قوانين الكنيسة التي تقول بأنه من حق الشعب أن يختار راعيه،- ويتساءل الأنبا شنودة-: “فهل نستطيع أن نغفل الشعب؟”.
ويضيف قداسة البابا شنودة: سألني الأنبا أنطونيوس: وهل يرضيك أن تنزل إلى انتخابات ومهاترات وتجريح حتى إذا “نجح” أحدنا بطريركاً وصل إلى الكرسي البابوي مجرحاً؟ فقلت له: “وأيضاً فإن انتخابي في غرفة مغلقة سيكون سبباً للتجريح، وتقرر عرض الأمر على مجموعة من الشعب وهي لجنة إدارة أحوال البطريركية، والتي حلت محل المجلس الملي الذي أغلقت أبوابه 1967، وهيئة الأوقاف القبطية، وانتهى الرأي في هذا الاجتماع المشترك بتطبيق لائحة 1957 كما هي”.
انتهى كلام قداسة البابا شنودة الثالث، والذي يؤكد على شيئين أساسيين وهما احترام قداسته للديموقراطية الكنسية من جهة، ولحق الشعب في انتخاب البطريرك من جهة أخرى.
إ س