انعطاف مجلس الشعب نحو المحافظة سيشكّل عائقاً أمام بناء مجتمع قائم على المساواة المدنيةوضع خانة الديانة بالهوية الشخصية تقسم المصريين منذ الصغر وتعزل الأقباط داخل الكنيسة وصفت دراسة حديثة
انعطاف مجلس الشعب نحو المحافظة سيشكّل عائقاً أمام بناء مجتمع قائم على المساواة المدنية
وضع خانة الديانة بالهوية الشخصية تقسم المصريين منذ الصغر وتعزل الأقباط داخل الكنيسة
وصفت دراسة حديثة لمؤسسة كارينجى للسلام الدولي وضع الأقباط بعد ثورة 25 يناير بالمعركة الصعبة للحصول على حقوقهم وترسيخ المواطنة. وأشادت الدارسة بوثيقة الأزهر الشريف في يونيو من العام الماضي وقالت إن لاقت دعماً شعبياً ؛ ولاسيما من الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وكذلك ممثّلين عن الكنيسة الكاثوليكية في مصر وعن الطائفة الإنجيلية، الذين أعربوا عن تأييدهم منح جميع المصريين حقوقاً “غير قابلة للتصرف” – بما في ذلك حرية التعبير والتجمّع والمعتقد.
وقال الدراسة التي أعدها جوزف مايتون أن المسيحيين في مصر ليسوا غرباء عن العنف المذهبي، حتى بعد التضامن الواعد الذي ظهر في الموجات الأولى من ثورة 25 يناير ، حيث شهد العام المنصرم عدداً من الهجمات على الكنائس من حي إمبابة في القاهرة إلى مدينة أسوان في الجنوب. كما أن المجلس الأعلى للقوات المسلّحة يساهم في تفاقم الأمور، حتى إنه وصل إلى درجة التحريض على العنف عبر تلفزيون الدولة. والحدث الأبرز على هذا الصعيد هو مقتل 27 متظاهراً أمام ماسبيرو. ومع انطلاق أعمال مجلس الشعب الجديد، لايزال عشرة ملايين مسيحي في مصر متردّدين إلى حد كبير بشأن الطريقة التي يجب أن يتصرّفوا بها في المناخ السياسي الجديد.
وأشارت الدارسة إلى أن بعض المؤشرات الإيجابية قد برزت، خصوصاً بعد أن قام الإخوان المسلمون بدعم المسيحيين وحمايتهم. وفي مقابلة له مع عمرو دراج، رئيس حزب الحرية والعدالة التابع للإخوان المسلمين في محافظة الجيزة، قال إنه في حكومة يقودها حزبه، “سوف يتمتّع جميع المسيحيين الأقباط بالمساواة في الحقوق بموجب القانون، ولن يتعرّضوا للاضطهاد”. وفي عيد الميلاد لدى المسيحيين توجّهت مجموعات برعاية الإخوان المسلمين لـ”حماية” عدد من الكنائس في مختلف أنحاء القاهرة . وقد علّق الناشط في اتحاد شباب ماسبيرو، فريد زكي، قائلاً إن الحاجة إلى الإخوان المسلمين لضمان سلامة الأقباط وأمنهم تُظهِر أن المجتمع لايزال “يريد إبعاد المسيحيين”. ووصف ظهور اتحاد ماسبيرو إلى تعزيز الحقوق السياسية للمسيحيين الذين يعانون من الحصار تاريخياً، وهي من المجموعات الأكثر مجاهرةً بمواقفها المناهضة للعنف المذهبي.
وأضاف التقرير انه الرغم من الإشادة الدولية بالإعلانات الصادرة مؤخراً، إلا أنه ليس أكيداً بعد كيف ستتجسّد الحقوق “غير القابلة للتصرّف” في دستور جديد. ففي حين اعتبر البعض أن الدعوة التي أطلقها الأزهر إلى اعتماد شرعة حقوق و إلى التعاون مع المسيحيين في مصر إلا انه غير معروف كيف يطبق هذا في ظل التمسك بالمادة الثانية والدعوة لتطبيق الشريعة
وتابع هكذا يعبّر مسيحيون عن خوف متزايد، ليس من المضمون الذي قد ينص عليه الدستور الجديد وحسب، بل أيضاً من عدد من البيانات التي صدرت عن حزب النور السلفي المتشدّد الذي حقّق انتصارات هامّة في الانتخابات، والتي تدعو، من جملة أمور أخرى، إلى حظر الكحول والبيكيني، وإلزام جميع النساء بوضع الحجاب. وقد لفت نادر بكار، المتحدث باسم حزب النور، إلى أن الحزب سيعمل على إنشاء سلسلة فنادق تتقيّد بأحكام الشريعة، وحظر السياحة الشاطئية التي “تشجّع الرذيلة”.حتى إن عدداً من المسؤولين في حزب النور أبدوا، في الأحاديث التي أجريتها معهم، معارضتهم لفكرة أن المسيحيين يستطيعون تمثيل المسلمين، أو يجب السماح لهم بتمثيلهم، معتبرين أنه يجب ألا يدخل المسيحيون مجلس الشعب إلا كممثّلين عن الطائفة المسيحية فقط.
ووصف التقرير أن الأقباط في مصر احجم الكثير منهم حتى الآن عن التحرّك سياسياً بالاستناد إلى هويّتهم الدينية. فخلال الحملات الوجيزة التي سبقت الانتخابات التشريعية في 30 نوفمبر، أعلنت الكنيسة القبطية عدم استعدادها لدعم المرشّحين انطلاقاً من برنامج مسيحي؛ وحظرت الحملات في الكنائس والمباني التابعة لها ومنعت رجال الدين الأقباط من التكلّم عن الشؤون السياسية وبالتالي، لم يترشّح الأقباط انطلاقاً من برنامج ديني.
ومن الملفت للنظر أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية لم تؤيّد قط فصل الدين عن الدولة، في موقف يتعارض في معظم الأحيان مع رغبة أبناء الطائفة وأضاف أنه وانه ومنذ الصغر، يُقسَم المصريون على اساس الدين بوضع هويتهم الدينية بالبطاقة الشخصية . كذلك، يُفرَض على الطلاب أخذ دروس في الدين الذي يتبعونه – الإسلام أو المسيحية – لكن لا يمكنهم دراسة الدين الآخر. هذا الفصل يُعزّز في سن مبكرة الشعور بأن كل مجموعة طائفية مختلفة عن الأخرى، ما يدفع ببعض المسلمين الأكثر تشدّداً وانتقاداً للأقباط إلى وصف الكنيسة القبطية بأنها تعيش في “مصر منفصلة”.
وفى مقابلة جوزف مايتون مع جورج اسحق، وهو ناشط سياسي قال أنه على الكنيسة ألا تتردّد في طرح خيار الهوية المدنية كي يحصل الأقباط على الحريات الأساسية التي يتطلّعون إليها. وقال إن ” البابا شنودة كان جزءاً من النظام السابق، وهذا يعني أنه تعامل مع مبارك وحكومته كسياسي، فقبِل بعض المكاسب للمسيحيين فيما حُجِّمَت مكاسب أخرى ‘حفاظاً على السلام.’ لكن الناس يريدون الآن المزيد”. فعلى سبيل المثال، كان الطلاق من المحرّمات (يحظر القانون على المسيحيين الطلاق في محكمة مدنية)، لكن مؤخراً بدأ المسيحيون، ولا سيما النساء، يتحدّثون علناً عن المسألة، أملاً في أن يؤدّي قانون مدني أكثر تماسكاً وجمعاً للشمل، إلى إلغاء تأثير الكنيسة في حياتهم الخاصة.
وختم التقرير قائلا ” مع تكليف مجلس الشعب الجديد إعداد مسوّدة دستور جديد، قد يكون إعلان الحقوق غير القابلة للتصرّف الخطوة الأكثر إيجابية للمساهمة في الاندماج الكامل للأقباط في مستقبل مصر السياسي والاجتماعي. لكن كي يتحقّق التغيير، يجب أن يبدأ عند مستوى القاعدة، أي لدى الأقباط أنفسهم. فهم لا يستطيعون أن يعزلوا أنفسهم في “مصر المنفصلة”، ولاسيما مع انعطاف مجلس الشعب نحو المحافظية، الأمر الذي سيشكّل عائقاً أساسياً أمام بناء مجتمع قائم على المساواة المدنية. بدلاً من ذلك، على الأقباط أن يدفعوا أولاً قادتهم إلى دعم ممثّلي الطائفة وتأييد هوية مدنية موحّدة، بدلاً من الطائفية القديمة التي كانت في أساس الكثير من المشاكل المذهبية في الماضي. عندئذٍ فقط، قد لا تتكرّر أحداث ماسبيرو.
إ س