الأعداد الغفيرة ممن أعلنوا رغبتهم في الترشح لمنصب رئيس الجمهورية ليست طبيعية, وهناك من يري أن في هذه العملية قصد وعمد, فهم يعلمون بداهة أنهم لن يستطيعوا أن يلبوا الشروط الموضوعة, فليس في إمكانهم الحصول علي تذكية ثلاثين عضوا منتخبا في مجلسي الشعب والشوري, وليس في مقدورهم بالتأكيد أن يحصلوا علي توكيلات من ثلاثين ألف مواطن, وبالتالي فإن الذين يتكالبون علي الترشيح, وحديثهم لوسائل الإعلام أمام مقر اللجنة العليا للانتخابات ليس إلا تهريج سياسي منظم, لا يحدث في أي دولة لها احترامها. ولم نره في أي ديموقراطية حديثة, بما في ذلك أوربا الشرقية في لحظات تحولها إلي الديموقراطية.
المسألة ليست في كثرة طالبي الترشيح فقط, ومن بينهم سائق تاكسي ومتعهد دفن موتي وربة منزل وفران, ولكن في فساد النظرة إن كثرة الناس بالمئات الذين يسحبون أوراق الترشيح يدل علي أن المنصب مفتوح أمام كل من يريد المنافسة, ولم يعد مغلقا أو حكرا علي أحد, في حين تدل الشواهد السياسية, والحوارات علي السطح بين القوي السياسية أن هناك اتجاها للدفع فيما يعرف بالمرشح التوافقي, أي أن ما يجري أمام اللجنة العليا للانتخابات شئ, وما يحدث علي أرض الواقع شيء آخر.
إن ما يحدث, وكان يجب تنظيمه منذ البداية بفرض رسوم أي كانت علي سحب أوراق الترشح, يؤدي عمليا إلي الانتقاص من هيبة هذا الموقع السياسي الأول في الدولة المصرية, ويجعل الحوار حوله تافها, خاليا من المضمون الجاد. فإذا كان هؤلاء من طالبي الترشيح يريدون خوض انتخابات رئاسة الجمهورية, فلماذا لم يخوضوا الانتخابات البرلمانية, ولا أعتقد أنهم سوف يخوضون الانتخابات المحلية. وإذا كان الجانب الأكبر من المناسبة الانتخابية مخصصا لتقديم الأوراق المطلوبة والترشح, والجانب الأصغر مخصصا للدعاية الانتخابية, فإن مثل هذه المشاهد العبثية اليومية سوف تستمر لفترة, وتعطي دلالات سلبية عن منصب رفيع, وتعبيرا مباشرا عن ابتذال التعددية, وغياب أي مضمون جاد للديموقراطية.