انهلعت قلوب كل المصريين خوفا,واضطربت كل النفوس قلقا,وهي تتابع أحداث استاد بورسعيد…المصريون يغتالون المصريين…الأب يقتل ابنه,والأخ يمزق أخاه,والدماء تسيل علي الأرض الباسلة التي كانت ذات يوم مقبرة للغزاة فصارت مقبرة أيضا للابن والشقيق…وانهار الكل من الألم فحزن الوطن علي أولاده-القاتل والمقتول-عميق غائر…صبيان وشباب عزل كزهرة اللوتس بلاشوك اندس وسطهم غربان سرت كروح شريرة ناقمة منتقمة…المؤسف إن كليهما مصريون…من ماتوا أولادنا,ومن قتلهم إخوتنا…فمن يواسي من,ومن يثأر ممن,ومن يكفكف دموع من…ويبقي السؤال: ماذا أصابك يا مصر؟!.
ما أصاب مصر مساء الأربعاء الأسود لم يكن البداية…البداية كانت في ماسبيرو,ثم في محمد محمود,وعندما وصل الغربان السود إلي بورسعيد كانت الجريمة لاتخطئها عين,ولاتفلح معها أية محاولة لتهدئة الخواطر بعدما وصل الشرخ في نفوس المصريين إلي أقصاه,وأصابهم اليأس,وضاع منهم الأمل,وهرب الحب,واسودت الدنيا في عيونهم,وهم يقرأون المستقبل من أحداث بورسعيد وماقبلها…الغربان السود لن تسكن بورسعيد فليس لها مكان بين طيور النورس…الغربان السود تطير فوق المدن والقري والنجوع أيضا وتغطي كل سماء مصر…من هنا قلتاسودت الدنيا في عيونهم فالغربان تنعق بصدام قادم ومحتمل بين العسكر والثوار وثالثهما الإخوان…من هنا…من هنا ملأ الخوف والهلع والقلق كل القلوب!!
لكن…لكن جاء صوت يدوياطمئنوا…الصوت هو صوت ذهبي الفم البابا شنودة الثالث…ولا أراها مصادفة أبدا أنه في اللحظة التي تحول فيها ملعب استاد بورسعيد إلي ساحة قتال كان البابا شنودة يتحدث في عظة الأربعاء من الكاتدرائية المرقسية بالقاهرة عنفضيلة الاطمئنان…لا أراها مصادفة أبدا ولكنه صوت الرب قادم لكل قلق خائف مضطرب علي لسان خليفة مارمرقس الرسول البطريرك السابع عشر بعد المئة.
ذكرهم البابا بقول السيد المسيحلاتضطرب قلوبكم ولاتجزع وقول داود النبيإن حاربني جيش فلن يخاف قلبي,وإن قام علي قتال ففي ذلك أنا مطمئن…ومضي قداسته يحدثهم-كسيده-بأمثلة…داود النبي الفتي الصغير الذي خرج يرعي الغنم فهاجمه أسد ودب فلم يخف لأن قلبه كان مطمئنا أن الرب معه ولن يتركه,وعندما خرج لملاقاة جليات الجبار قالواليوم يمسك الرب في يدي وأنشد في مزاميرهإن سرت في وادي ظل الموت لاأخاف شيئا لأنك أنت معي…ومن داود انتقل البابا إلي الحديث عن الاطمئنان عند إبراهيم أبي الآباء,ونوح في الفلك,وبولس الرسول في خدمته لأهل كورنثوس,وبطرس في طريقه إلي الشهادة,وموسي النبي في عبور البحر…وغيرهم كثيرين عاشوا في اطمئنان لإيمانهم أن الرب معهم…واختتم البابا حديثه مطمئنا الجميع أن كل مشاكلهم ومتاعبهم وهمومهم لها حل عند اللهتعالوا إلي ياجميع المتعبين وثقيلي الأحمال وأنا أريحكم.
المهم كما قال البابا شنودة أن نصل إلي الرب ليفتح لنا….وإلي أن نسمع صوت الرب سيظل القلق يحتوينا,وسيظل الوطن جريحا ينزف دما…فهل نسرع ونسمع ونعمل لأنهويل لمن هو وحده إن سقط إذ ليس له ثان يقيمه.
فيكتور….