منذ اندلاع ثورة 25 يناير واتساع الحوار الوطني والسياسي داخل كل بيت, بدأ الطفل يشارك ويسأل ويستفسر عن التغيرات والأحداث المتلاحقة التي تشهدها مصر في الفترة الأخيرة. وبذلك دخل أبناؤنا دائرة الوعي الوطني والسياسي, فكيف تسهم الأسرة المصرية في تنمية الوعي السياسي لدي أبنائنا منذ المراحل العمرية المبكرة لهم, فكيف أثرت الأحداث الراهنة علي أبنائنا؟ وهل ما يحدث يساهم في تشكيل وعي سياسي لدي الأجيال الجديدة لم يكن مطروحا من قبل؟
مخزون في وعيهم
حول هذا الموضوع تحدثنا إلي الدكتور قدري حفني أستاذ علم النفس السياسي بجامعة عين شمس فقال إن ما يحدث سيترتب عليه تكوين قيم إيجابية علينا أن نحافظ عليها, وذلك لأبنائنا في مراحلهم العمرية المختلفة خاصة مرحلة الطفولة, فإن ما يحدث الآن يتم اختزانه في وعيهم- وهو أمر طيب ومفرح في حد ذاته.
فاليوم وبعد الأحداث التي شهدناها منذ 25 يناير وحتي الآن أصبحت أكثر اطمئنانا علي مستقبل مصر بعد هذا التاريخ, حيث سيختزن أبناؤنا في وعيهم علي سبيل المثال أنه ليس صحيحا أن الأمن هو الذي يحافظ علي الكنائس ويحميها, كما يرسخ في وعيهم أن الناس العادية هم قوة حقيقية قد تصيب أحيانا وقد تخطئ أيضا, لأنه من من البشر لا يخطئ ولا يصيب, بالإضافة إلي أنه سيتركز في وعيهم أن حاجز الخوف قد انكسر وأنهم كمدنيون يستطيعون أن يقوموا بحماية أنفسهم وممتلكاتهم من السرقات ومن البلطجية, وأن ينظفوا مدينتهم ويحافظوا عليها إذا كانوا يرغبوا في ذلك.
واستطرد د. قدري حفني قائلا إن ما حدث أظهر أمورا كثيرة ثابتة في وعي أبنائنا كنا نتحدث عنها من قبل علي أنها قيم, بل وكان لدينا اعتقاد بأن هذا الوعي وهذه الأفكار ليست موجودة, ولكن الواقع أثبت أن ما كنا نتحدث عنه غير صحيح علي الإطلاق وأن شبابنا قادر علي أن يكون مسئولا ولديه انتماء قوي لوطنه, ومتأكدا أن تلاحمه وتكاتفه هو درع الأمان والحماية لنفسه ووطنه.
وأشار د. قدري حفني إلي دور أولياء الأمور المهم في أن يجعلوا الأحداث الراهنة نموذج أمام أبنائهم ليبرهنوا بها علي كذب بعض المقولات المغلوطة التي ظل كثيرون يتحدثون عنها ويرددونها مثل أن هناك كراهية بين المسلمين والأقباط, خاصة أن هناك نداءات أطلقت من مكبرات الصوت بالمساجد وكانت تنادي يا أبناء الحي, ولم تقل ياأيها المسلمون. كذلك المغالطات التي أثيرت بأن هناك أسلحة في الكنائس وهي أمر غير صحيح إطلاقا.
استثمارات ضرورية
واتفقت معه في الرأي الدكتورة سامية قدري- أستاذة علم الاجتماع السياسي بجامعة عين شمس, وأضافت أن الأحداث الكبيرة في أي مجتمع تؤثر علي كل أفراد الأسرة ومنهم الأطفال, ولأنهم ليس لديهم وعي سابق فإنهم يتساءلون ما الذي يحدث؟ وحينما تتم الإجابة علي تساؤلاتهم بالتأكيد ستشكل وعيهم السياسي حيث سيتعرفون علي بعض المفاهيم الجديدة التي لم يكن لديهم دراية بها مثل ما معني الديموقراطية, ومتي يكون نظام الحكم ديموقراطيا أو غير ديموقراطي…إلخ, كما أن الانتفاضة الشعبية الموجودة حاليا ووجود لجان شعبية في كل شارع تضيف أمرا إيجابيا آخر لوعي الأطفال يجعلهم أكثر إدراكا لدورهم وانتمائهم لهذا الوطن.
بالتأكيد الأحداث الجارية تفيد أبناءنا في التنشئة السياسية لهم وتنمية الإحساس بالانتماء إلي الوطن, بالإضافة إلي ذلك فإن هذه الأحداث التي تشهدها مصر حاليا يجب أن تكون درسا للقائمين علي التعليم والإعلام في بلدنا بمعني أننا علينا محاولة ترسيخ مفهوم الديموقراطية لدي الأجيال الجديدة منذ الصغر, وأن يكون جزءا من تعليمنا, فمهمتنا أننا نستثمر هذه الأحداث لوجود مناهج يمكننا أن نطلق عليها تنشئة سياسية أو ما شابه وتكون جزءا لتشكيل جيل جديد يكون لديه وعي بالديموقراطية وكيف تتحقق في بلده.
كما أكدت د. سامية علي ضرورة استثمار إيجابيات الأحداث الجارية, وألا نركز علي العنف حتي لا نكرس العنف, ونأخذ الأمور الإيجابية فيما يتعلق بالانتماء إلي الوطن وأهمية المشاركة وبعض المفاهيم الخاصة بالديموقراطية…إلخ.