الحكاية الطبية ترويها هذا الأسبوع د.كلير فهيم الاستشارية النفسية والعصبية قائلة:
جاءت الأم ومعها ابنها سامي البالغ من العمر عشر سنوات لعلاجه من داء الكذب الذي تكرر بصورة مرضية يؤدي أحيانا إلي مشاكل أسرية.وفي النهاية يؤدي إلي تأخره الدراسي,حيث تشكو المدرسات منه دائما مما يعرضه للعقاب المستمر من البيت والمدرسة.
بدراسة الحالة تبين أن هذا الابن هو ثالث إخوته,كسلان في المدرسة,مهمل,يميل بشدة إلي اللعب,يغالبه النعاس بمجرد أن تجلس معه والدته لمساعدته علي الاستذكار وأداء الواجب المدرسي,بل أنه يتمارض كثيرا أثناء المذاكرة في المنزل.
الوالد تاجر لا يحضر إلي المنزل إلا في المساء ويكون الابن نائما في ذلك الوقت.
الوالدة عصبية جدا,أرهقها العمل بالمنزل ورعاية أربعة أبناء,ابنها الأكبر يعاني من التبول اللاإرادي رغم أنه بلغ الرابعة عشر من عمره…وابنتها التي تليه متأخرة دراسيا…أما الابن الأصغر فهو عنيد وغير مطيع!
عندما يسأل سامي عن الواجب المدرسي يدعي أن المدرسة كانت غائبة,ولم نأخذ الواجب,ثم يدعي مرة أخري أن جميع التلاميذ قاموا بأداء الواجب في الفصل,وليس هناك واجب منزلي!…كان يخفي كراساته التي حصل فيها علي درجات سيئة…ويعود من المدرسة متأخرا جدا,ويقدم أعذارا لأسرته ثم يتضح بالبحث أنها غير صحيحة وكاذبة.
كانت الأم لتوترها العصبي وشدة إرهاقها تضرب أبناءها ضربا مبرحآ لأتفه الأسباب حضوصا أثناء مساعدتهم في المذاكرة عندما تكتشف أن أحدهم فصر في أي مادة من المواد الدراسية,الأمر الذي أدي إلي خوف الأبناء منها فيضطرون إلي اللجوء للكذب للهروب من العقاب القاسي الذي تلجأ إليه الأم دائما.
بتحليل الحالة ودراستها تبين أن سامي يعيش في أسرة ينقصها الترابط الأسري,والجو الدافئ الذي يشعر فيه الأبناء بالحب والحنان والرعاية من الوالدين.فالطفل في هذا الحالة يلجأ إلي الكذب كوسيلة دفاعية عن الذات لوقاية النفس من أذي السلطة الجائرة المتمثلة في قسوة الأم وعصبيتها,واستعمالها الضرب العنيف دون تقدير لمشاعر وأحاسيس هذا الابن الذي يعاني داخليا من صراعات نفسية لا تشعر بها ولا تحسها..فكان يعاني من قسوتها من ناحية,ومن قسوة المدرسات من ناحية أخري,ولتخليص نفسه من هذه الصراعات التي يعاني منها لجأ إلي الكذب!
أوضحت للأم أخطاءها في تنشئة ابنها,وطلبت منها مقابلة الوالد,وأوضحت له حاجة أبنائه لوجوده في وسطهم دائما ليشعروا بالأمان والاستقرار وتطمئن نفوسهم وتهدأ انفعالاتهم الداخلية,وليخفف عنف وقسوة الأم عليهم بتعاونه معها والمشاركة في حل مشاكلهم ورعايتهم.
استجاب الوالدان لهذه التوجيهات,وفعلا بدأ الوالد تنظيم حياته بصورة أخري لتوفير الوقت للاندماج مع أبنائه ومشاركة الأم في رعايتهم نفسيا.
توليت بعد ذلك علاج الابن الذي يعاني نفسيا من صراعات داخلية لحرمانه من إشباع حاجاته النفسية التي من أهمها الحاجة إلي الحب والحنان والحماية والتقدير والتشجيع و…و….
وبعد فترة وجيزة من الجلسات النفسية للابن,وتوجيه وإرشاد الوالدين واستخدام بعض الأدوية المهدئة لكل من الابن والوالدين لتجنب الصراعات والتوترات النفسية والعصبية التي يعاني منها أفراد الأسرة توقف الابن عن الكذب تماما واستقرت انفعالاته وهدأت الأم نفسيا,واختفت جميع الأعراض المرضية التي كانت يعاني منها الإخوة الآخرون وتقدم سامي في دراسته وتوقفت شكوي المدرسات.
إن دور الوالدين مهم جدا لتعليم الصدق بتوفير مناخ المحبة والشعور بالأمن وتجنب القسوة في معاملة الأبناء وتدريبهم علي الحب والتسامح,وتوفير القدوة الحسنة في سلوك الوالدين..وتجنب عقاب الطفل الكذوب والبحث عن الأسباب وعلاجها,واحترام شخصية الأبناء وتدريبهم علي الأخذ والعطاء وشغل أوقات الفراغ مع التحكم في عصبيتهم وتفادي انتقادهم بقسوة واحترام ملكيتهم.