تجلت مظاهر النهضة الدينية والثقافية والإصلاحية والاجتماعية بوضوح في الإطار الكنسي منذ أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. وأبرزت هذه الأمور مدي إدراك الشعب المصري بمختلف طوائفه الدينية ومستوياته الطبقية وفئاته الاجتماعية للحالة السلبية التي وصل إليها الأقباط اجتماعيا وسياسيا وثقافيا ورغبة جميع الأفراد لإحداث حركة تطوير وتحديث وإصلاح شاملة في جميع المستويات المجتمع القبطي في مصر في القرن التاسع عشر
* تشكيل أول مجلس ملي:
في عام 1872 قام الأنبا مرقس مطران البحيرة باختيار مجموعة من الأقباط المتميزين المشاركين معه في أمور الخدمة وهم كل من ميخائيل أفندي الحبشي, عزوز أفندي منقريوس البياضي, برسوم بك جرجس روفيلة, جندي بك يوسف القصبجي, يعقوب بك نخلة روفيلة. ليتولوا معه القيام بعمل وإدارة كل ما يتعلق بأحوال الشعب القبطي والكنيسة, وبعد ذلك بعامين تقريبا اقترح الأعضاء علي نيافة الأنبا مرقس تشكيل صيغة رسمية منهم بصفة مجلس إدارة توافق الدولة علي إقامتها علي أن تتولي المطالبة بحقوق الفقراء والمحتاجين من الأقباط, وفي 16 يناير عام 1974 استجاب نيافته لهذا الأمر وتولي بمشاركة الأعضاء تحديد اختصاصات المجلس, وإعداد اللائحة التنفيذية الخاصة به التي تكونت من 21 بندا صدق عليها الجميع, أما الأعضاء فكان عددهم 24 عضوا. منهم 12 عضوا أساسيا هم كل من مقار أفندي عبدالشهيد, نخلة أفندي يوسف مقار, برسوم أفندي جرجس, نخلة أفندي يوسف الباراتي, سعد أفندي ميخائيل, عريان أفندي تادرس, نسيم أفندي عبدالشهيد, الخواجة مليكة جلبي, الخواجة رزق جرجس الراهب, دميان بك جاد, جرجس بك جلبي, الخواجة عوض سعدالله, هذا بالإضافة إلي 12 عضوا آخرين يتخذون صفة الإنابة وهم: جرجس أفندي خليل, حنا أفندي خليل, حنين أفندي حنس, بطرس أفندي غالي, إبراهيم أفندي روفائيل, أسعد أفندي بدوي, باسيلي أفندي تادرس, الخواجة ميخائيل, الخواجة بسادة عبيد, مكرم الله تاوضروس, باخوم جاويش, عياد بك جرجس, وانتخب الأعضاء بطرس أفندي غالي وكيلا للمجلس, ثم جاءت الموافقة الرسمية من جانب المحافظة بتاريخ 2 فبراير عام 1874 ليعد بذلك أول مجلس ملي للكنيسة القبطية في تاريخها الحديث, وذلك بناء علي الخطاب الرسمي الذي تقدم به الأعضاء لإبلاغ الدولة بتشكيل المجلس ومطالبتها بالموافقة علي بدء نشاطه التنفيذي المجلس الملي.. حاضره.. ماضيه.. مستقبله 1984.
* إنشاء الجمعيات القبطية: مظاهر النهضة والنشاط الاجتماعي تتجلي بوضوح في الكنيسة القبطية في أوائل عام 1881 كنتيجة أساسية لما يحدث علي الساحة الدينية مما جعل الأقباط يتجهون لتأسيس وإنشاء بعض الجمعيات القبطية, وكان هدفها الأساسي التعليم ومساعدة الفقراء والمحتاجين, وتشغيل الشباب, تقديم كافة الخدمات العلاجية والصحية خاصة لغير القادرين, الاهتمام كذلك بالجوانب الثقافية والتعليمية فعملوا علي إنشاء ونشر المكتبات الدينية في العديد من الكنائس القبطية التي بدأ نشاطها أولا في القاهرة ثم بدأ تباعا ينتشر في جميع محافظات الجمهورية وكانت أول جمعية في هذا الإطار هي جمعية التوفيق القبطية وتأسست في عام 1891 وتألفت من مجموعة من أعيان الأقباط وكان رفلة جرجس أول رئيس لها, ثم توالي إنشاء الجمعيات القبطية, ففي عام 1900 تأسست جمعية الإيمان القبطية, جمعية أصدقاء الكتاب المقدس في نفس العام, جمعية ثمرة التوفيق القبطية في عام 1908, جمعية الإخلاص القبطية بالإسكندرية التي أنشئت خلال 1919, جمعية السلام الخيرية في عام 1928, جمعية الشهيد إسطفانوس خلال عام 1928 أيضا, جمعية حاملي الصليب عام 1943, جمعية مارمينا العجايبي بالإسكندرية عام 1945. في نفس الفترة أيضا بدأ نشاط المدرسة الإكليريكية ينطلق مرة أخري علي يد حبيب جرجس رائد هذه الخدمة الدينية المستنيرة حيث قام بجمع مجموعة من الخدام الشباب بمختلف الكنائس وبدأ يناقشهم في أمور الخدمة وكيفية العمل علي اتساعها ومن هؤلاء الشبان نظير جيد البابا شنودة الثالث. الجمعيات القبطية ومدي اتساعها.
* دعم التراث القبطي:
في إطار توجيه أنظار واهتمامات الرأي العام إلي أهمية التراث القبطي العريق قام ميريت غالي حفيد بطرس باشا غالي عام 1934 بتأسيس جمعية الآثار القبطية, وفي يوم 24 أبريل من نفس العام تم عقد أول اجتماع تأسيسي وتمهيدي للجمعية العمومية, ونظم أعضاء الجمعية رحلات عديدة لأهم الأماكن والمواقع الأثرية المندثرة في مصر لتعريف الشباب بالفن القبطي, وبدأ العلماء الأقباط يقومون لأول مرة بعمل حفريات في بعض مناطق الصعيد بصفة دورية لم يكن المنقبون قد بحثوا فيها من قبل, وفي عام 1935 تم صدور مجلة سنوية تابعة للجمعية تهتم بنشر المقالات بلغات كاتبيها فشملت عدة أبحاث باللغات الألمانية والإنجليزية والفرنسية, القبطية والعربية أيضا, جدير بالذكر أن الجمعية في بدء انطلاقها أعلن اسمها جمعية محبي الفن القبطي وكان ذلك عام 1934, إلا أنه خلال عام 1938 وكنتيجة لانتشارها وتدعيمها بالأدلة والبراهين في شتي مجالات الفنون والعلوم التي حولتها من مجرد هواية للفن إلي دراسات وأبحاث علمية وممارسة له علي أرض الواقع من هنا بدأ الاتجاه إلي تغيير اسمها إلي الآثار القبطية. أما هذه المجلة فمازالت تصدر حتي اليوم من جانب بعض المكتبات العالمية الكبري مثل: مكتبة المتحف البريطاني, المكتبة الأهلية بباريس, المكتبة العامة بنيويورك. مع توزيع كتيبات مجانية من الإصدارات الأخري الخاصة بالجمعية مع كل عدد تاريخ البطاركة مجلة الإيمان 1 ديسمبر 1951.
* نشاط مدارس الأحد:
انطلق بقوة نشاط مدارس الأحد في كنيسة العذراء بالفجالة عام 1900 علي يد حبيب جرجس الذي جمع حوله مجموعة من الأطفال وبدأ يعلمهم الدروس والتعاليم الدينية التي كان يكتبها ويعدها بنفسه, وبداية أطلق علي هذه الخدمة الكنسية اسم جامعة المحبة ثم تحول اسمها إلي جامعة أشعة يسوع, وتكونت في هذا الوقت من 500 شخص تقريبا, وتدا؟؟؟؟وتدريجيا بدأ نشاطها يتسع ليشمل أقاليم الجمهورية كلها. حتي أصدر البابا كيرلس الخامس مرسوما بطريركيا في عام 1918 لإنشاء لجنة عامة لمدارس الأحد. مقرها في المدرسة الإكليريكية بمهمشة تكونت اللجنة من 3 كهنة, 12 عضوا أساسيين, مجموعة من الخدام والأراخنة وتولي حبيب جرجس منصب مدير التعليم بها, أما رئاستها فتولاها القمص بطرس عبدالملك. هكذا أبلغت النهضة معظم الأوساط التي يتواجد فيها الأقباط مساهمة في إنشاء وخلق جيل أكثر وعيا وفهما لأصول الدين. حتي إن الآباء الرهبان كانوا أساسا ينتمون لتلك النهضة التي برزت في مطلع القرن العشرين جريدة المصري عدد 10, 15 سنة 1951.
كانت النواة الأولي التي تفجرت لتأسيس المتحف القبطي علي يد مرقس سميكة في عام 1931 حيث قام بتجميع الآثار القبطية التي بدأ الأثريون والمنقبون يعثرون عليها تباعا بين أطلال الأديرة والكنائس القديمة والبيوت الأثرية القديمة الأخري, وأيضا الكتب والصلبان والملابس الكهنوتية, وقام بحفظ هذه الآثار القيمة في قاعة كبيرة ملحقة بكنيسة العذراء المعلقة بمصر القديمة, لكن الملك فؤاد أصدر مرسوما بقانون رقم 14 يقضي بضم هذا المتحف الأثري لأملاك الدولة العامة, وأمر بسد الباب الموصل بينه وبين الكنيسة المعلقة لفصلهما تماما عن بعض ولم تنجح الكنيسة وقتها في تعديل هذا القرار أو العدول عنه نهائيا.
* تأليف وترجمة الكتب الدينية:
أدت النهضة الإصلاحية والتعليمية والدينية التي قادها بداية أبوالإصلاح البابا كيرلس الرابع البطريرك رقم 110 الذي سبق عصره في وطنيته واهتمامه بنشر العلم والثقافة في مصر بصفة عامة. دون التفرقة أو التمييز بين فئة الأقباط أو المسلمين خاصة بالنسبة للفتيات, وقاد نفس المسيرة من بعده أيضا البابا ديمتريوس الثاني البطريرك رقم 111 الذي سار علي نهج سلفه البابا كيرلس الرابع بعد نياحته فكان محبا لنشر الفكر والفنون والعلوم واعتني بالمدارس الموجودة وسعي لإنشاء مدارس أخري عديدة مجانية حتي أنه تبرع بمبالغ ضخمة للقائمين علي العملية التعليمية من أجل مساعدتهم في الصرف علي المدارس الحالية والعمل علي تطويرها وتحديثها, وقدم أيضا حوالي خمسمائة فدان من الأراضي الزراعية المملوكة له بهدف إنشاء مزيد من المدارس الأخري وذلك تقديرا للدور الكبير والرسالة السامية التي تقدمها هذه المؤسسات التعليمية.
(الكافي في تاريخ مصر القديم والحديث لميخائيل شاروبيم) وقد تخرج في هذه المدارس عدد كبير من الرواد الشباب مما دفعهم إلي الاهتمام بحركة النشر والتأليف والترجمة علي يد مجموعة من الرواد الأوائل كان أشهرهم كل من: حبيب جرجس, القمص يوحنا سلامة, أقلاديوس بك لبيب, يوحنا منقريوس, القمص فيلوثاؤس إبراهيم, القمص ميخائيل مينا البراموسي, القمص مرقس داود, القس منسي يوحنا, القمص منقريوس عوض الله, القمص بولس باسيلي, أيوب فرج, القمص ميخائيل المقاري, القمص عبدالمسيح المسعودي, القمص صموئيل تاوضروس السرياني, القمص عبدالمسيح البراموسي, العلامة يسي عبدالمسيح, إلي جانب مجموعة من كبار المؤلفين والكتاب الآخرين الذين تنوعت كتاباتهم في مجالات مختلفة ما بين الطقس والتاريخ الكنسي والقبطي, الكتابات الدينية وتأليف الترانيم, المعتقدات الكنسية, علم اللاهوت, الدفاع عن العقيدة الأرثوذكسية.
أما في مجال الطباعة فقد قدمت الحملة الفرنسية (1798-1801) إلي مصر أول مطبعة, تلتها تلك التي أسسها البابا كيرلس الرابع, ثم أحضر بعد ذلك (1847-1905) يعقوب نخلة روفيلة مطبعة ثالثة, وفي الفترة من عام (1873-1918) اشتري أقلاديوس بك لبيب مطبعة جديدة من ألمانيا علي حسابه الخاص وفي عام 1895 جاءت مطبعة التوفيق, مطبعة الأسقف إيسيذوروس, مطبعة الأنبا رويس الحديثة (1897-1942), مطبعة مدارس الأحد عام 1978, مطبعة أخري أحضرها الأنبا ثاؤفيلس لدير السريان أما أولي دور النشر التي تأسست في مصر فكانت تلك التي أنشأها يونان نخلة الدويري (1898-1980) في مكتبة المحبة, ثم أسس باسيليوس ميخائيل في شبرا ودار نشر أخري بمكتبة مارجرجس لتتوالي بعد ذلك دور النشر تباعا علي مستوي جميع محافظات الجمهورية.
* الجرائد القبطية:
بلغ عدد الجرائد والمجلات الدينية التي قام الأقباط بإنشائها حتي مطلع القرن العشرين ما يزيد علي 20 مجلة قبطية أرثوذكسية, منها نحو 15 مجلة مسيحية كاثوليكية وبروتستانتية. من أجل التعبير عن آرائهم من خلالها. كان أهم وأشهر المجلات القبطية هذه الفترة مجلة: الحق عام 1893 لمؤسسها يوسف منقريوس, مجلة التوفيق عام 1897 وصدرت عن جمعية التوفيق, الكنسية الأرثوذكسية, عام 1901, المجلة القبطية لمؤسسها جرجس فيلوثاؤس عام 1907, وصدرت في الفترة ما بين 1901-1907 مجلة الصوت الصارخ, للرابطة المسيحية التي أنشأها فرج جرجس عام 1907, وفي عام 1905 أصدرت جمعية الإيمان مجلة الفتي القبطي, ثم في عام 1908 صدرت مجلة الراوي القبطي, وتأسست مجلة الكرمة لحبيب جرجس عام 1914 مجلة الشعب القبطي, مجلة الوطنية عام 1915, ثم أنشأ القمص سرجيوس عام 1927 مجلة المنارة, وفي عام 1930 أنشئت مجلات الراعي الصالح بالإسكندرية, اليقظة, الصخرة, 1931 مجلة الأحد المصور, رسالة المحبة التي أصدرتها جمعية المحبة بجزيرة بدران سنة 1934, مارجرجس عام 1949 لفؤاد باسيلي, ثم أصدرت جمعية أصدقاء الكتاب المقدس مجلة الأصدقاء, مجلة الرجاء (1951), مدارس الأحد عام 1947.
أما بالنسبة للجرائد القبطية المصرية فقد صدرت أول جريدة كان شعارها مصر للمصريين هي الوطن وانطلقت في 17 نوفمبر 1877, وتوالي عليها العديد من رؤساء التحرير كان أولهم ميخائيل عبدالسيد (1877-1897), ثم جندي إبراهيم (1900-1924) ثم أمين برسوم (1924-1930), وتبنت الجريدة منذ بداية الاحتلال قضية رفض ونفي التعصب الديني بكافة أشكاله وأنواعه والدعوة إلي الوحدة الوطنية والتحام واتحاد الأقباط والمسلمين معا. وفي عام 1930 توقفت أعمالها نهائيا علي أثر الخلاف الذي نشب بين العاملين بالجريدة وبين وزارة صدقي باشا الذي أمر بإيقافها وإنهاء نشاطها تماما, بعد ذلك بعدة سنوات وتحديدا في يوم 22 نوفمبر عام 1895 صدر العدد الأول لجريدة مصر اليومية علي يد بطرس باشا غالي لتكون لسان حال الأقباط في مصر بجميع فئاتهم وطوائفهم سواء الطائفة الأرثوذكسية ويمثلهم تادرس شنودة المنقبادي أو الطائفة الإنجيلية ويمثلهم أخنوخ فانوس, الطائفة الكاثوليكية ويمثلهم حليم بك غالي, لكن اعتذر كل من حليم وأخنوخ. وتولي رئاستها شنودة المنقبادي كممثل عن الطائفة الأرثوذكسية. ثم توالي عليها بعد ذلك العديد من كبار رؤساء التحرير كان أشهرهم مسعد صادق, توفيق حنين, سلامة موسي وفي يوم 3 فبراير عام 1966 توقف تماما نشاط الجريدة.