الكشف عن وجود قاعدة عسكرية تابعة للـ سي.آي.إيه في جنوب باكستان يفضح اللعبة المزدوجة التي يلعبها آصف علي زرداري الرئيس الباكستاني الذي يحاول إدارة علاقات مع كل من الولايات المتحدة والرأي العام الباكستاني المعادي لأمريكا ففي الوقت الذي وجهت واشنطن انتقادات قوية له واتهمته بالتسليم لطالبان من خلال السماح بتنفيذ أحكام الشريعة الإسلامية في وادي سوات سيتعرض زرداري دون شك لانتقادات شديدة من قبل الرأي العام الباكستاني علي سماحه للأمريكيين باستخدام إحدي القواعد الباكستانية لتمكين الطائرات الأمريكية دون طيار من شن هجمات علي أهداف تقع داخل باكستان نفسها.
الأزمة التي يواجهها زرداري تعكس أزمة الهوية التي تعيشها باكستان ككل منذ حصولها علي الاستقلال من بريطانيا في 1947 وقد اشتدت هذه الأزمة منذ أن شنت أمريكا الحرب علي الإرهاب في 2001 فهل تريد باكستان أن تكون دولة اسلامية أم علمانية؟
ويواجه زرداري الآن إدارة أمريكية جديدة مصممة أكثر من أي إدارة سابقة علي ضرب القاعدة وطالبان في باكستان بصورة أشد مما كانت عليه الحال خلال عهد مشرف كرئيس منتخب ديموقراطيا ويخضع زرداري لضغوط أقوي لإصدار احتجاجات علنية علي الهجمات الأمريكية وخاصة عندما تقع خسائر شديدة في صفوف المدنيين, عدم القيام بذلك سيعني انتحارا سياسيا بالنسبة له في بلد تبلغ نسبة المسلمين فيه 98% والكثيرون منهم يعارضون الحملة الأمريكية.
زادت الولايات المتحدة من الهجمات التي تشنها الطائرات الحربية دون طيار ووصل الأمر إلي حد إرسال قوات خاصة إلي المناطق القبلية في الصيف الماضي بعد أن فقدت علي ما يبدو الثقة في التزام الجيش الباكستاني محاربة الإرهاب بالشكل الذي يرضي أمريكا. وعد الرئيس أوباما أن يجري مراجعة للسياسة الأمريكية في المنطقة ولكنه أوضح بجلاء أن بلاده قد تستمر في شن مثل هذه الهجمات.
بعض المسئولين في باكستان يؤيدون هذه الهجمات ولكن معظم المسئولين ينظرون إليها علي أنها تشكل خرقا للسيادة الباكستانية وهناك بعض الخبراء الأمريكيين الذين يثيرون شكوكا حول فعالية وجدوي مثل هذه الهجمات.
وقعت الحكومة الباكستانية علي اتفاق سلام مع حركة طالبان الباكستانية تم بموجبه السماح بفرض أحكام الشريعة الإسلامية في وادي سوات الواقع في شمال غرب البلاد علي جبهة الحدود مع أفغانستان, ويعد وادي سوات من أجمل المناطق بمناظره الطبيعية علي وجه الأرض وكان قبلة للسياح الأجانب الذين كانوا يؤخذون بجماله غير العادي.
منذ 2007 ومقاتلو طالبان يشنون حملة عسكرية دموية ضد القوات الحكومية في المنطقة. الحكومة الباكستانية أرسلت اكثر من 12 ألف جندي الي سوات ودخلت في معارك طاحنة مع مقاتلي الحركة دون أن تستطيع تحقيق النصر المرجو بالرغم من أن عدد مقاتلي طالبان هناك لم يتجاوز ثلاثة آلاف مقاتل,حملة طالبان لم يكن القصد منها احتلال المنطقة عسكريا إخضاعها لسيطرتها بل أرادت تطبيق الشريعة.
لم تتوقف المواجهة بين الطرفين بل عمدت طالبان لاغتيال المسئولين الحكوميين والقادة المحليين الذين يعارضونها.
وبتوقيع تلك الاتفاقية من قبل السلطات السياسية الباكستانية, تكون باكستان قد قبلت رسميا قيام طالبان بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية. هذا الاتفاق أثار حفيظة المسئولين الأمريكيين الذين سبق أن طالبوا الجيش الباكستاني بطرد مقاتلي طالبان من هناك.
تعمل حركة طالبان ايضا علي طرد القوات الأجنبية من أفغانستان المجاورة وحققت في سبيل ذلك بعض النجاح حيث قدمت دعما قويا وغير محدود لطالبان أفغانستان مما مكن تلك الحركة من الظهور بقوة علي الساحة الأفغانية وإيقاع خسائر فادحة في صفوف القوات الأمريكية والناتو. وتقول واشنطن أن هذا الاتفاق يشكل سابقة خطيرة وسينعكس سلبا علي الأهداف التي تسعي الولايات المتحدة لتحقيقها في المنطقة. التطورات الجارية في افغانستان وباكستان تفرض علينا طرح الأسئلة التالية: ما الذي نسعي لفعله في افغانستان وباكستان؟ هل نحن هناك من أجل تحرير شعوب تلك المنطقة في ما نعتبره تسلطا دينيا؟ أم شن حرب دينية علي سكان المنطقة علي اعتبار أنهم متطرفون أم فرض سيطرتنا الدائمة علي المنطقة وإقامة قواعد للناتو فيها؟ هل نحن هناك من أجل البحث عن أسامة بن لادن وعناصره المسئولين عن هجمات سبتمبر وجلبهم للعدالة؟
هل نحن نريد فعلا إقامة قواعد دائمة في أفغانستان؟ إذا كان الأمر كذلك, فإن الرأي العام الأمريكي يستحق أن نقدم له تفسيرا لذلك.
هل نريد دولة عميلة دائمة هناك كما كان عليه حال إيران قبل الثورة الإسلامية في 1979 وكما كان عليه العراق خلال الحرب العراقية – الإيرانية في الثمانينيات عندما كان صدام حسين رجلنا في الشرق الأوسط.
هل نريد فعلا تحطيم طالبان أم هل نسعي لشن الحروب وتحقيق المقترحات بقوة البندقية علي الطراز الأمريكي؟ إن ما نفعله الآن في باكستان وأفغانستان يثير مشاعر الكراهية ضدنا في صفوف أبناء هذين الشعبين. فإرسال الطائرات الحربية دون طيار لملاحقة قادة القاعدة وطالبان يثير الجميع ضدنا لأن هذه الهجمات الجوية توقع خسائر فادحة في صفوف المدنيين العزل وبالعشرات وهو شيء يقر به المسئولون الأمريكيون والباكستانيون ومع ذلك فإننا لانزال نصر علي فعله.
من يزور المنطقة يدرك علي الفور أن الحرب القائمة بين طالبان والولايات المتحدة منذ 2001 وهو العام الذي شهد الغزو الأمريكي لأفغانستان, قد أثارت مشاعر الكراهية مما دفع بـ ##البشتون## إلي الثورة علي أمريكا وحلفائها أيا كانوا ,والبشتون هم أكبر مجموعة قبلية في آسيا الوسطي حيث يصل عددهم إلي أكثر من 40 مليون نسمة وهناك روابط أسرية وصلة قرابة لا تنفصل بين هذه الجماعات القبلية أينما تواجدت كونهم لا يعترفون بأي فواصل سياسية تحول دون التقائهم.
واشنطن بوست