ذكر لنا سنكسار الكنيسة القبطية أي كتاب (سير الآباء القديسين والشهداء وتذكارات الأعياد والمستعمل في القراءات اليومية في الكنيسة القبطية)وبالتحديد تحت اليوم الخامس عشر من شهر هاتور كتب (في مثل هذا اليوم استشهد القديس مينا الملقب بالأمين المبارك, كان والده أوذكسيوس من أهالي نقيوس وواليا عليها, فحسده أخوه وسعي به عند الملك, فنقله إلي أفريقيا وولاه عليها ففرح به أهلها لأنه كان رحوما خائفا من الله, أما أمه إذ لم يكن لها ولد, وذهبت في أحد الأيام إلي الكنيسة في عيد السيدة البتول والدة الإله الكائنة بإتريب, ونظرت الأولاد في الكنيسة بملابسهم النظيفة مع والديهم فأنها تنهدت وبكت أمام صورة السيدة العذراء متوسلة بها إلي ابنها الحبيب أن يرزقها ولدا, فخرج صوت من الصورة قائلا ##أمين##, ففرحت بما سمعت وتحققت أن الرب قد استجاب لصلاتها, ولما عادت إلي منزلها وأخبرت زوجها بذلك, قال لها ##فلتكن إرادة الله##, وقد رزقهما الله هذا القديس فأسمياه مينا كالصوت الذي سمعته والدته, ولما نشأ علماه الكتابة وهذباه بالآداب المسيحية, ولما بلغ من العمر إحدي عشرة سنة توفي والده بشيخوخة صالحة, ثم والدته بعد ثلاث سنوات, فكرس هذا القديس حياته للصوم والصلاة والسلوك المستقيم, حتي إنه من حب الجميع له ولأبيه, أقاموه مكان أبيه, ومع هذا فإنه لم يتخل عن عبادته, ولما ارتد دقلديانوس وأصدر أوامره بعبادة الأوثان, واستشهد كثيرون علي اسم السيد المسيح, ترك هذا القديس ولايته ومضي إلي البرية حيث أقام هناك أياما كثيرة يتعبد لله من كل قلبه, وذات يوم رأي السماء مفتوحة والشهداء يكللون بأكاليل حسنة, وسمع صوتا يقول ##من تعب علي اسم المسيح ينال هذه الأكاليل##, فعاد إلي المدينة التي كان واليا عليها واعترف باسم المسيح, فلاطفوه أولا لعلمهم بشرف أصله وجنسه, ووعدوه بعطايا ثمينة, ثم توعدوه, وإذ لم ينثن عن رأيه أمر القائد بتعذيبه, ولما عجز عن تحويله عن إيمانه بالمسيح, أرسله إلي أخيه عساه يتمكن من التأثير عليه, ولكنه فشل أيضا, وأخيرا أمر بقطع رأسه بحد السيف وطرح الجسد في النار, وتذرية رماده في الرياح, فلبث الجسد فيها ثلاثة أيام وثلاث ليال لم ينله فساد, فتقدمت أخته وبذلت أموالا كثيرة للجند حتي أخذت الجسد, ووضعته في فرد (جوال) خوص وعزمت علي التوجه إلي الإسكندرية كما أوصاها أخوها, فركبت ومعها جسد أخيها إحدي المراكب إلي الإسكندرية, وقد حدث أثناء سيرهم أن طلعت عليهم وحوش بحرية له رقاب طويلة مثل الجمال لافتراس ركاب المركب, ففزعوا وصرخوا, فصلت أخت القديس إلي الله واستشفعت بأخيها, وبينما كان الركاب في فزع واضطراب خرجت نار من الجسد إلي وجوه تلك الوحوش, فغطست لوقتها في الماء, ولما عادت إلي الظهور ثانية لحقتها النار أيضا, فغطست ولم تعد بعد, ولما وصلت المركب إلي مدينة الإسكندرية, خرج أغلب الشعب مع الأب البطريرك وحملوا الجسد الطاهر بكل إكرام واحترام, وأدخلوه المدينة باحتفال مهيب وأودعوه في الكنيسة بعدما كفنوه بأكفان غالية, ولما انقضي زمان الاضطهاد, ظهر ملاك الرب للقديس المكرم البطريرك أثناسيوس الرسولي, واعلمه بأمر الرب إن يحمل جسد القديس مينا علي جمل ويخرجه من المدينة, ولا يدع أحدا يقوده بل يتبعه من بعيد, حتي يقف في المكان الذي يريده الرب فساروا وراء الجمل حتي وصلوا إلي مكان يسمي بحيرة بياض بجهة مريوط, وحينئذ سمعوا صوتا يقول هذا هو المكان الذي أراد الرب أن يكون فيه جسد حبيبه مينا, فأنزلوه ووضعوه في تابوت وجعلوه في بستان جميل وجرت منه عجائب كثيرة,و حدث بعد ذلك أن ثار أهالي الخمس المدن علي البلاد المجاورة للإسكندرية, فتأهب الأهالي للقاء هؤلاء البربر, واختار الوالي أن يأخذ معه جسد القديس مينا ليكون له منجيا وحصنا منيعا, أخذه خفية وببركة هذا القديس تغلب علي البربر, وعاد ظافرا منصورا, وقد صمم الوالي علي عدم إرجاع جسد القديس إلي مكانه الأصلي وأراد أخذه إلي الإسكندرية, وفيما هم سائرون مروا في طريقهم علي بحيرة بياض مكانه الأصلي, فبرك الجمل الحامل له ولم يبرح مكانه رغم الضرب الكثير, فنقلوه علي جمل ثان فلم يتحرك من مكانه أيضا, فتحقق أن هذا أمر الرب, ثم صنع تابوتا من الخشب الذي لا يسوس ووضع فيه التابوت الفضة ووضعه في مكانه, وتبارك منه وسافر إلي مدينته, ولما أراد الرب إظهار جسده المقدس كان في البرية راعي غنم قد غطس منه يوما ما خروف أجرب في بركة ماء كانت بجانب المكان الذي به جسد القديس, ثم خرج وتمرغ في تراب ذلك المكان فبرئ في الحال, فلما عاين الراعي هذه الأعجوبة بهت وصار يأخذ من تراب ذلك المكان ويسكب علي الماء ويلطخ به كل خروف أجرب, أو به عاهة فيبرأ في الحال, وشاع هذا الأمر في كل الأقاليم حتي سمع به ملك القسطنطينية, وكانت له ابنة وحيدة مصابة بمرض الجذام, فأرسلها أبوها إلي هناك, واستعلمت من الراعي عما تفعل, فأخذت من التراب وبللته بالماء ولطخت جسمها ونامت تلك الليلة في ذلك المكان, فرأت في نومها القديس مينا وهو يقول لها ##قومي باكرا واحفري في هذا المكان فتجدي جسدي##, ولما استيقظت وجدت نفسها قد شفيت, ولما حفرت في المكان وجدت الجسد المقدس فأرسلت إلي والدها وأعلمته بالأمر ففرح كثيرا وشكر الله ومجد اسمه, وأرسل المال والرجال وبني في ذلك الموضع كنيسة, كرست في اليوم الخامس عشر من شهر بؤونة, و لما ملك أركاديوس وانوريوس أمرا أن تبني هناك مدينة وكانت الجماهير تتقاطر إلي تلك الكنيسة يتشفعون بالقديس الطوباوي مينا, وقد شرفه الله بالآيات والعجائب التي كانت تظهر من جسده الطاهر, ومع دخول العرب مصر اعتدي البعض علي المدينة وتهدمت الكنيسة ولم تبق إلا آثارها, ونقلا عن كتاب مارمينا العجائبي الذي صدر عن كنيسة مارمينا بفلمنج الإسكندرية عام 1962م أود عزيزي أن أضع بين يديك تواريخ الحوادث التي مر بها جسد القديس مينا وهي أنه استشهد عام 309م ودفن في مريوط 315م واكتشف موضع الجسد بمريوط عام 320 م ووضع الجسد في كنيسة البابا أثناسيوس الرسولي 364م- 392م ثم أعاد البابا يوساب الأول للكنيسة فوق الجسد 836-849م وبعد تخريب المدينة وهدم الكنيسة اختفي الجسد تحت الأنقاض في مريوط في أواخر القرن الثالث عشر واكتشافه في أوائل القرن الرابع عشر و تم نقل الجسد إلي أشمون الرمان وإلي بنها العسل وإلي مارمينا بفم الخليج ومحاولات سرقة الجسد ثم تم اكتشاف جسد القديس في كنيسة مارمينا بفم الخليج عام 1873م وإرسال جزء منه إلي كنيسة مارمينا بمصر القديمة عام 1959م وفي عام 1962م وبعد اهتمام قداسة البابا كيرلس السادس بتعمير دير مارمينا الحالي بصحراء مريوط تم إرسال جزء من جسد القديس ثم توالي بعد ذلك إرسال باقي الجسد إلا أنه يوجد في بعض الكنائس والأديرة في كثير من البلاد والإيبارشيات أجزاء صغيرة منه للبركة والشفاعة .