يسطر لنا التاريخ دائما أحداثه علي سطور تجعلنا نسبح في أعماقه لكيما نكشف عن أسرار هذه الأحداث وجذورها التي تمتد إلي عمق ليس من السهل علي الزمان تحديدها, ولكن الله جعل من البشر أناسا اختصهم أن يسطروا الأحداث في صفحات لها حدود وسطور لها زمان. ولعل من أبرز ما ينبغي أن يلتفت إليه الإنسان في كل أمور الدنيا هو الزمان الذي جاء عند ميلاد السيد المسيح ووقف مكتوف الأيدي لينقسم إلي قسمين هما ما قبل الميلاد وما بعد الميلاد وأحب يا عزيزي في هذه السطور البسيطة أن أسبح معك في الكتاب المقدس والتأريخ لنعرف حقيقة تاريخية وهي تاريخ عيد من أهم الأعياد في العالم وهو عيد ميلاد السيد المسيح.
لقد ذكر لنا الوحي الإلهي في أسفار العهد القديم أي قبل ميلاد السيد المسيح بآلاف السنين نبوات ورموزا عن هذا الميلاد الأعجازي الفائق والذي قسم الزمان إلي عهدين قديم وجديد: منها ما جاء بسفر التكوينوأضع عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها هو يسحق رأسك وأنت تسحقين عقبه(تك3:15) ثم يؤكد لنا السفر نفسه أن المسيا من سبط يهوذا فيقول:لايزول قضيب من يهوذا ومشترع من بين رجليه حتي يأتي شيلون وله خضوع شعوب(تك49:10) وجاء في سفر العدد علي لسان بلعام بن بعور وحي الرجل المفتوح العينين وحي الذي يسمع أقوال الله ويعرف معرفة العلي….أراه ولكن ليس الآن أبصره ولكن ليس قريبا يبرز كوكب من يعقوب ويقوم قضيب من إسرائيل فيحطم طرفي موآب ويهلك كل بني الوغي…(عدد24:15-20) أما إشعياء النبي فقال عن ميلاد السيد المسيح أنهيعطيكم السيد نفسه إية ها العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعوا اسمه عمانوئيل(إش7:14) وقال عن خدمته ولاهوته لأنه يولد لنا ولد ونعطي ابنا وتكون الرئاسة علي كتفه ويدعي اسمه عجيبا مشيرا إلها قديرا أبا أبديا رئيس السلام لنمو رياسته وللسلام لانهاية علي كرسي داود وعلي مملكته ليثبتها ويعضدها بالحق والبر من الآن إلي الأبد(إش9:6-7) كما تنبأ ميخا النبي عن مكان الميلاد فقالأما أنت يا بيت لحم أفراته وأنت صغيرة أن تكوني بين ألوف يهوذا فمنك يخرج لي الذي يكون متسلطا علي إسرائيل ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل(ميخا5:2) وهكذا توالت الأسفار في القديم تسرد لنا نبوات ورموزا ترمز إلي صاحب الميلاد الآتي للخلاص والذي يجب الاحتفال بمولده كملك خلص العالم من يد إيلبس وجنوده وردهم إلي رتبتهم الأولي مرة أخري ولعل من هذه الرموز كان أبونا آدم الأول ونوح البار وملكي صادق ملك ساليم وإسحق ابن الموعد ويوسف الصديق وموسي النبي ويونان النبي كما كانت شجرة الحياة وفلك نوح والسلم الذي رآه يعقوب وخيمة الاجتماع والعليقة والمن الذي نزل من السماء والحية النحاسية ومدن الملجأ وخروف الفصح والذبائح والتقدمات التي كانت تقدم في العهد القديم ,فكل هذا الكم من النبوات والرموز والذبائح ما هي إلا إشارات لمولود العهد الجديد التي كانت البشرية تنتظر مجيئه ليحول حياتها من الحزن إلي الفرح ومن القديم إلي الجديد واستند إليها آباء العهد الجديد في أسفارهم المقدسة كنبوات تحققت ورموز وشخصيات وأشارت إلي هذا الحدث العظيم, فهل لا يستحق أن نحتفل بذكري ميلاده حتي علي الأقل كما يحتفل العالم بميلاد الملوك والرؤساء الأرضيين؟ فهو ملك الملوك ورب الارباب وأحبنا حتي المنتهي كما يقول الكتاب وكان يجول ويصنع خيرا بين البشر وقيل عنهقصبة مرضوضة لا يقصف وفتيلة مدخنة لا يطفئ حتي يخرج الحق إلي النصرة(مت12:20) أكيد يوم ميلاده يوم عيد فهو المجدد لطبيعتنا وحياتنا التي كان قد أفسدها عدوة الخير الحية القديمة التي انساق وراء غوايتها أبونا آدم الأول وأمنا حواء فهو جاء ليرد الحق إلي النصرة.
عيد الميلاد في التاريخ
كما كانت في القديم رموز وإشارات إلي السيد المسيح فهكذا أيضا عرف الإنسان القديم بالفطرة كيف يتنبأ عن الاحتفال بميلاد الإله الذي يعبده فالعبادة الوثنية القديمة قبل ميلاد السيد المسيح بقرون طويلة كانت تحتفل بعيدالساتورناليا في روما في الفترة ما بين 17-23 ديسمبر من كل عام تكريما للحرية وللشمس الإله التي كانوا يعبدونها وكأن هذه العبادة كانت تعرف أنه سيتحول في يوم ما إلي عيد لشمس البر الذي قالت عنه النبوةولكم أيها المتقون اسمي تشرق شمس البر والشفاء في أجنحتها فتخرجون وتنشأون(ملاخي4:2) فولد السيد المسيح واحتفلت به كل المخلوقات وامتدادا لهذا الاحتفال جاءت الملائكة من السماء فرحة ومتهللة في يوم الميلاد بترنيمةالمجد لله في الأعالي وعلي الأرض السلام وبالناس المسرة(لو2:14) وذهب الملاك إليرعاة متبدين يحرسون حراسات الليل علي رعيتهم…وقف بهم ومجد الرب أضاء حولهم فخافوا خوفا عظيما فقال لهم الملاك لاتخافوا فها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب أنه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح(لو2:8-11) وكأنه بدأ بالبشارة بهذا العيد الذي أسعد السمائيين وجعلهم أول من احتفلوا به وكرزوا به للرعاة معلنين بداية لعيد ميلاد آدم الآخر الذي جاء ليصحح صورة آدم الأول الذي أخفق في رسالته. وعرفانا وتمجيدا لمولد من جاء لخلاص البشر, مولود بيت لحم, علمنا الآباء الرسل في كتاب الدسقولية وبالتحديد في الباب الثامن عشر تحت عنوان(يجب أن تحفظ وتكمل أيام الأعياد لفرح روحاني) كتبوا لنايا إخوتنا تحفظوا في أيام الأعياد التي هي عيد ميلاد الرب وكملوه في خمسة وعشرين من الشهر التاسع الذي للعبرانيين(كسلو) الذي هو التاسع والعشرون من الشهر الرابع الذي للمصريين ولا تشتغلوا في يوم ميلاد المسيح لأن النعمة أعطيت للبشر في ذات اليومأي التاسع والعشرون من شهر كيهك وهو الرابع من الشهور القبطية(المصرية) القديمة والتي كانت أساسية عند الفلاح المصري وكانت تستخدم حتي وقت قريب في دواوين الحكومة المصرية حتي عهد إسماعيل باشا والي مصر. والمعروف تاريخيا أن المسيحيين الأوائل كانوا يحتلفوا بعيدي الميلاد والغطاس في يوم واحد حتي القرن الرابع الميلادي ولكن بعد مجمع نيقية المسكوني الأولي عام325م بدأ الاحتفال بعيد الميلاد. في التاسع والعشرين من كيهك وعيد الغطاس في اليوم الحادي عشر من شهر طوبة, وهذا كان رجوعا إلي التعاليم الرسولية. وحدثنا عن هذا العيد آباء الكنيسة الأوائل منهم القديس باسيليوس والقديس يوحنا ذهبي الفم, وسطر لنا التاريخ كما جاء في مصباح الظلمة في إيضاح الخدمة للأب الفاضل القس شمس الرئاسة أبي البركات المعروف باسم ابن كبر القرن الرابع عشر في الباب الثالث في ذكر أخبار التجسد كاتباوولد (المسيح) ميلادا زمنيا في بيت لحم أرض أفراتا وهي قرية داود وكان ميلاده في يوم الثلاثاء الخامس والعشرين من شهر كانون الأول وهو التاسع والعشرون من شهر كيهك والرابع من شهور المصريين…وقال القديس أبيفانيوس أسقف قبرص أن الميلاد كان بعد التاسعة من يوم الاثنين الثامن والعشرين من ذلك, ولذلك حفظ العيد في اليومين كليهما وأمر الرسل أن يعمل في التاسع والعشرين لأن الليل سابق النهار وعشية الاثنين مع نهار الثلاثاء يوم واحد كقول الله في التوراة ورسموا أن يكون نصف الليل.
كان المسيحيون الأوائل من الشرق إلي الغرب يحتفلون في يوم واحد وهو الخامس والعشرون من ديسمبر الذي كان يوافق التاسع والعشرين من كيهك حتي القرن السادس عشر الميلادي وبالتحديد قبل عام1582م الذي قام فيه البابا غريغوريوس الثالث عشر بابا روما وأدخل إصلاحات في شكل إضافة عشرة أيام علي التقويم المعمول به في زمانه وهو التقويم اليولياني(النجمي) ليكون تقويما جديدا(شمسي) يعمل به في بلاد الغرب عرفه العالم الغربي وبعد ذلك بالتقويم الغريغوري, ومن هنا بدأ الخلاف علي يوم العيد حسب التقويم اليولياني والتقويم الغريغوري. أما عندنا في الشرق وحسب الكنيسة القبطية الأرثوذكسية فلم تكن هناك مشكلة ألبتة فهي تحتفل بعيد الميلاد المجيد حسب تعاليم الآباء الرسل التي وردت في كتاب الدسقولية الباب الثامن عشر وهو في اليوم التاسع والعشرين من الشهر الرابع عند المصريين أي 29 كيهك والمعروف عند علماء الفلك والباحثين في علومه أن المصريين هم أقدم علماء عرفوا التقويم واستعملوه في كل مناحي الحياة الزراعية والدينية والاجتماعية بدقة متناهية ولذلك كانت حكمة الآباء الرسل بتحديد يوم عيد الميلاد عند المصريين وليس سواهم تنبوء منهم بما يحدث في العالم الغربي من اختلاف في مثل هذه الأمور واعترافا بأن الكنيسة القبطية مستقيمة الرأي والإيمان, ولا ننزعج يوما إذا جاء العيد في يوم آخر من السنة الميلادية إنما يهمنا أنه حسب تعاليم الآباء وتحديده حسب السنة القبطية التي يطلق عليه سنة الشهداء وأما إذا جاء يوم الميلاد في الثامن والعشرين من شهر كيهك فيقول لنا صاحب كتاب اللالئ النفيسة في جواز التعييد في 28 بدل29 في السنة الكنيسة هو أن ولادة المسيح كانت ما بين العشائين فمن ضم اليومين إلي بعضهما واعتبرهما يوما واحد يقول أن يوم28 يشبه بالمساء ويوم 29 يشبه بالصباح والذي يقول أن 28 حل محل 29 يقول أننا عيدنا في الميعاد عينه راجع الحق سنة 10:317 فالكنيسة تحتفل عامة في ليلة التاسع والعشرين حسب قرارات مجمع نيقية المنعقد في 325م فشكرا لمن أنعم علينا بفرح ميلاده وجعلنا في مسرة شعبه كما كرز الملاك للرعاة وأعطي إشارة البدء بالاحتفال بعيد ميلاد المسيا المنتظر والذي تنبأ عنه آباء العهد القديم. المصادر: الكتاب المقدس- الدسقولية- مصباح الظلمة في أيضاح الخدمة- اللآلئ النفيسة- تجسد ربنا يسوع المسيح وتاريخ ميلاده لنيافة الأنبا إبرآم أسقف الفيوم ورئيس دير الملاك غبريال بجبل النقلون- التقويم وحساب الإيقطي للشماس الدكتور رشدي واصف المدرس بالكلية الإكليريكية-عيد الميلاد المجيد 25 ديسمبر أم 7يناير للشماس إقلاديوس إبراهيم
EIKomos rofaeel