كان الحب قديما, يرتبط ارتباطا عضويا بالبطولة والفروسية. ذلك أنه كان بحد ذاته مجازفة كبري ومخاطرة حقيقية تتطلب شجاعة فائقة, خصوصا عندما يتعلق الأمر بقضايا الاتصال المعقدة مع الحبيبة… وحتي يحظي العاشق بلقاء خاص مع حبيبته, كان عليه أن يتخطي أشكال وألوان المشاق والصعوبات والمخاطر الجسيمة, ابتداء من أفراد أسرتها وأبناء العمومة والأهل, وليس انتهاء بكلاب الحي والوشاة!.
وكذلك كانت الحبيبة شجاعة جدا, تجابه المخاطر, وهي تغادر الحي, وتتجاوز الصعوبات, أملا بلقاء قد يكشفه ضوء القمر, فتدفع حياتها ثمنا لمشاعر حقيقية قادتها للتحدي الصعب المرعب.
علي هذا النحو كان الحب عند أسلافنا, فكيف هو الآن في زمن ثورة الاتصال, وقد فقد نكهته, عندما تحول من مجازفة شجاعة وبطولة إلي ضغطة زر أو إيميل ووسيلة للتسلية, فتحول العاشق من فارس مغامر وشاعر إلي عاطل عن العمل أو محتال, يملك وسيلة اتصال سريعة, آمنة, تدخله إلي غرفة نوم أي فتاة, دون أن يجابه أشقاءها أو أبناء عمومتها, ودون وشاة ولا خوف من ضوء القمر أو كلاب الحي.
لقد أفقدت ثورة الاتصال الحب بريقه وخطورته وجردته من جوهره المتمثل بالقدرة علي التضحية والإيثار فأصبح سهلا مطروقا, يستطيع أي يافع أو مراهق أن يمارسه عبر جهازه المحمول, وبواسطة مسدج جاهزة, مكتوبة ومعدة سلفا, يستطيع أن يبعث بها في غضون ثوان, إلي أي عدد شاء من الفتيات, مهما قل أو كثر.
والأخطر أن زمن الإنترنت قد أفقد الحب رومانسيته, وبالتالي حرم الأدب العربي منه كحافز رئيسي لتجييش المشاعر وإشعالها: شعرا ونثرا, وعبر سائر أشكال الفن النبيل, فقلما صرنا نسمع قصيدة غزل, وأخشي أننا غدا سنفتقد هذا اللون كله, لصالح عبارات ورسوم معدة ومنتشرة, يحصل عليها أي شخص, ويدخل من خلالها إلي غرائز أية فتاة.