بعد عشرات السنين قاربت مشكلة أهل النوبة في حصولهم علي مسكن مناسب علي الانتهاء وذلك بعد تهجيرهم وتشريدهم في بدايات الستينيات من القرن الماضي بسبب غرق أراضيهم عند بداية العمل في السد العالي وبالرغم من الظلم الذي تعرض له أهل النوبة ومنعهم من الحصول علي سكن مناسب يتفق مع تاريخهم وتقاليدهم وبالرغم من التباطؤ الحكومي في حل المشكلة إلا أن المشكلة قاربت علي الانتهاء بعد أن تدخل الرئيس مبارك شخصيا ومطالبته بحل المشكلة وبناء المساكن التي يحتاجها أهل النوبة وأنه مهتم بهذا الملف.
يأتي ذلك وسط ظهور آراء مختلفة بشأن حق النوبيين في السكن وضرورة تدويل القضية وطرحها في كافة المحافل حتي يحصل أهالي النوبة علي حقوقهم واختلفت وجهات النظر في هذا الموضوع وهو ما نحاول رصده في هذا التحقيق.
في البداية قال المهندس أحمد المغربي وزير الإسكان والمرافق إن مشروع مساكن النوبة يتضمن إنشاء 5221 مسكنا في 8 قري بتكلفة 600 مليون جنيه والمشرووع يبعد عن أسوان 20 كيلو مترا و3.5 كيلو من بحيرة السد العالي وأن الحكومة صادقة في وعودها بعد أن تم تنفيذ 70% من المرحلة الأولي بمشروع إسكان النوبيين المغتربين التي تتضمن إنشاء 1000 وحدة سكنية والحكومة تشكر أبناء النوبة لتفهمهم وصبرهم علي الحكومة في تنفيذ هذا المشروع فبعد عام 1964 وتهجير النوبيين خاضت الدولة عدة حروب وكانت هناك أولويات أخرت الاهتمام بمطالب أبناء النوبة وأوضح الوزير أن الرئيس مبارك سيشارك أبناء النوبة فرحتهم بافتتاح وتسلم هذه القري في بداية العام المقبل.
إنهاء الظلم
من ناحية أوضح اللواء محمود المغاوري رئيس الجهاز المركزي للتعمير زن الحكومة دعمت النوبيين لشعورهم بأنهم ظلموا في فترات سابقة وقد قامت بتوجيهات من الرئيس مبارك بإنشاء المرحلة الأولي من التوطين حيث سيتم إنشاء ألف وحدة سكنية بواسطة القوات المسلحة ووزارة الإسكان وسيتم الانتهاء منها خلال الربع الأول من العام المقبل وهناك بعض النوبيين وافقوا علي صرف التعويضات بواقع 25 ألف جنيه عن كل حجرة تحتاج لإحلال وتجديد بحد أقصي 100 ألف جنيه عن كل بيت بالإضافة إلي صرف 35 ألف جنيه لكل منزل متصدع بمدينة نصر النوبةالمساكن القديمةومن هنا ستصل التعويضات إلي 150 ألف جنيه.
وقف المشروعات الاستثمارية
وفي هذا الإطار قرر مصطفي السيد محافظ أسوان وقف المشروعات الاستثمارية التي خصصها المحافظ في السابق حول بحيرة ناصر لحين الانتهاء من توطين النوبيين وذلك أثناء وضعه حجر أساس أول قرية لتوطين النوبيين في وادي كركر والقائمة تضم شركات أجنبية ومستثمرين عرب ومصريين.
كما أعلن أن المحافظة حققت برنامج الرئيس مبارك في مجال الإسكان وتم إدراج تنفيذ مشرووع الصرف الصحي في 49 قرية علي مستوي المحافظة بتكلفة 205 مليارات جنيه,وأن الدولة جادة في تحقيق مطالب النوبيين حيث يتم حاليا تمليك الأراضي للذين تم تهجيرهم عند بناء وتعلية خزان أسوان أعوام 1902 و1933 ويستفيد من ذلك 3000 أسرة نوبية.
قرار التخصيص..كارثة
من ناحية أخري وصفت منال الطيبي الناشطة النوبية ورئيسة المركز المصري للحق في السكن قرار تخصيص هذه الأراضي للمستثمرين بالكارثة مشيرة إلي أن المحافظ الحالي يريد تهدئة ثورة النوبيين وإبعادهم عن موطنهم الأصلي حول البحيرة وتسكينهم في وادي كركر ليسمح بتنفيذ مخطط الاستثمار وأن اللواء سمير يوسف المحافظ السابق رفض إعادة النوبيين لأراضيهم وخصص الشاطئين الشرقي والغربي لبحيرة ناصر لإقامة مشروعات استثمارية وبعد 45 عاما من نزع أراضي النوبة لبناء السد العالي,وعدنا الرئيس مبارك في 2009 بإعادة توطيننا في الشاطئ المقابل لأراضينا المفقودة تحت بحيرة ناصر إلا أن المحافظ تجاهل ما وعد به من عدم تخصيص أرض للمستثمرين إلا بعد إعادة توطين النوبيين.
التدويل حق مشروع
ورصد تقرير ملتقي المنظمات غير الحكومية والذي عرض في جلسة المراجعة الدورية في فبراير الماضي بمجلس حقوق الإنسان الدولي أن أهالي النوبة مازالوا يدفعون ثمن التهجير الجماعي الذي تعرضوا له علي عدة مراحل خلال القرن العشرين في سبيل تنفيذ مشروعات مادية وترفض الحكومة الاستجابة لمطالب النوبيين بحقوقهم والتي تشمل إعادة تأسيس قراهم حول بحيرة النوبة بعد أن استقر منسوب المياه فيها وتنفيذ خطة وبرنامج زمني لتسهيل عودة المهجرين إلي هذه القري وتوفير فرص العيش والبنية التحتية والتنمية المستدامة في المنطقة وكفالة حق النوبيين في المشاركة في عملية اتخاذ القرار ومتابعة تنفيذه فيما يتعلق بأية مشروعات تخص منطقتهم.
بينما قال حسن محمد حسن أمين الحزب الناصري بأسوان إن جماعة المبادرين النوبيين والنشطاء المتعاونين معها لم يلجأوا لمحاكم دولية لمقاضاة الدولة وإنما تتلخص مبادرتهم في تقديم تقرير حول أوضاع النوبيين في مصر وحقهم في العودة للأمم المتحدة,مثلها مثل أي قضية أخري من قضايا انتهاك الحقوق والحريات التي تعرضها منظمات حقوق الإنسان وقال:القضية النوبية أكبر من مجرد صرف تعويضات للمهجرين.
من جانبه أشار المهندس طارق آغا أمين حزب الوفد بأسوان أن هناك لقاءات كثيرة تتم بين نشطاء في النوبة بغرض توضيح معني التدويل وتصحيح المفاهيم حول التقرير المقدم للأمم المتحدة وعدم تعارضه مع المواثيق والاتفاقات التي التزمت بها مصر أمام المجتمع الدولي وكثيرا ما يحضر مثل هذه اللقاءات ممثلون لأحزاب المعارضة وعدد كبير من أهالي نصر النوبة.
فتح ملف التعويضات
وفي دراسة أعدتها لجنة المتابعة المنبثقة من الهيئات النوبية في الإسكندرية طالبت فيها بتنفيذ حق العودة للنوبيين إلي موطنهم الأصلي حسبما نصت عليها في بيانات حقوق الإنسان الخاصة بالشعوب القديمة والتي تم التصديق عليها دستوريا وإعادة فتح الملف الخاص بالتعويضات النوبية المجحفة ونظرا للظلم الذي وقع علي النوبيين فإنه يجب أن تتم معاملة النوبيين معاملة الأولي بالرعاية سواء في المخصصات المالية أو العينية والاهتمام بالثقافة النوبية والتراث النوبي في وسائل الإعلام المختلفة سواء المرئية منها أو المسموعة أو المقرؤة.
أشار التقرير إلي أنه وبعد مرور أربعين عاما من تهجير أهالي النوبة لم تف الدولة بما وعدت به من استكمال المرحلة الثانية من مساكن المغتربين إلا بنسبة 25% رغم ازدياد عدد الأسرة النوبية طبقا للجدول السابق والذين لهم الحق في المأوي والسكن الملائم تعويضا عما فقدوه طبقا لمواثيق حقوق الإنسان وهل كتب علي النوبيين أن ينتظروا أربعون عاما أخري لاستكمال تلك المرحلة الباكية المضحكة من خطة الإسكان؟وهل ستكتفي الدولة ببناء 8411 مسكنا طبقا لخطة عام 1960 أم ستراعي نمو عدد أفراد الأسرة المقيمة بالمنطقة التي بلغ عددها ضعف الأسرة النوبية أثناء الهجرة علي أقل تقدير؟وما ذنب النوبيين إذا تقاعست الدولة عن أداء واجباتها نحو رعاية مواطنيها؟ولم يتم بناء تلك المساكن في توقيتها المحدد ونقل التقرير رغبة أهالي النوبة بشأن أن تكون هذه المساكن طبقا للنموذج الذي سبق وأن أتفق عليه عام 1960 بلا تعديل أو تغيير في المواصفات وليست شقق. وإذا ما تعلل البعض بعدم وجود مساحات تكفي لبناء هذا الكم من المساكن يتم توضيح أن مساكن النوبيين تبني الأراضي المستصلحة بالنوبة الأصلية منها قسطل وأدندان وأبو سمبل المعبد ومشروع توشكي وأن تكون المساكن مصحوبة بعدد من الأفدنة المستصلحة تعويضا عن تأخير تسليم الأراضي وموردا للمعيشة وتعميرا للمنطقة.
الترميم.. إهدار للمال العام
علي الجانب الآخر قال مسعد هركي رئيس نادي النوبة العام أن التعويضات التي تصرفها الدولة لترميم مساكن النوبيين بمنطقةنصر النوبةإهدار للمال العام, وأن عمليات الإحلال والتجديد التي يجريها أهالي المنطقة علي منازلهم عديمة الفائدة خاصة أن المنازل مبنية علي تربة انتفاشية تؤدي إلي تصدع المنزل من حين لآخر.
أكد هركي أن وزير الإسكان أحمد المغربي اعترف له في وقت سابق بعدم صلاحية المنطقة للبناء عليها إلا بعد إصلاح التربة الأمر الذي يتكلف مبالغ طائلة من الأفضل استغلالها في منطقة أخري ذات تربة صالحة للبناء معبرا عن انزعاجه الشديد من التصريحات الأخيرة لرئيس اتحاد النوبيين في أوربا التي اتهمت نادي النوبة بالتخلي عن القضية النوبية.
قال هركي إن النادي لم ولم يتخل عن القضية النوبية لأننا الجهة الوحيدة التي تخاطب الحكومة والمجالس القومية المتخصصة ووزارة الإسكان من أجل الحصول علي حقوق النوبيين.
وبالرغم من ذلك لايزال محافظ أسوان مصرا علي استمرار المحافظة في صرف التعويضات الخاصة بالمنازل المنهارة والمتاصدعة والمدرجة في خطة الإحلال والتجديد بمبالغ تتراوح ما بين 50 إلي100 ألف جنيه بواقع 25 ألف جنيه عن كل غرفة موضحا بأنه سيستفيد من هذه التعويضات حوالي 3 آلاف أسرة نوبية من أهالي مركز نصر النوبة.
المشكلة قاربت علي الحل
واعتبر عبد الرازق عبد الحليم رئيس المجلس المحلي الشعبي لمحافظة أسوان أن ما توصل إليه أهل النوبة من اتفاق مع الحكومة يغلق الباب نهائيا أمام أية مزيدات أو ادعادات غير حقيقية خاصة بعد اتفاق كافة الطوائف النوبية علي هذه التوصيات والتي طالبت الحكومة بوضع آلية تنفيذ محددة من خلال برنامج زمني محدد مع وضع تصور كامل للظهير الصحراوي لقري النوبيين غير المقيمين علي ضفاف بحيرة ناصر مما يساهم في التوسعات المستقبلية لخلق مجتمعات عمرانية جديدة متكاملة المرافق والخدمات حيث سيراعي عند تحديد زماكن القري الجديدة رستغلال الظهير الصحراوي لها.
أضاف عبد الرازق أن أبناء النوبة هم جزء لايتجزأ من نسيج المجتمع المصري ويرفضون أية مزيدات من بعض الذين يتاجرون بحقوق النوبيين والتي تحرص الحكومة والمحافظة علي تحويلها إلي واقع فعلي وهناك إجماع علي طرح كافة القضايا والمشاكل الجماهيرية للنوبيين من خلال القنوات الشرعية والتي تتمثل في أعضاء مجلسي الشعب والشوري والمجالس المحلية والمحافظ والمسئولين التنفيذيين ولن يتم السماح لأحد بالمزايدة علينا.