يمكن لسعي الفلسطينيين إقامة دولة بالحصول علي عضوية الأمم المتحدة أن يجلب تسونامي آخر لمنطقة اجتاحتها بالفعل اضطرابات هائلة. لقد فات الأوان لوقف هذه المواجهة, ولكن يجب علي جميع الأطراف أن يفعلوا ما في وسعهم للحد من الأضرار.
ويشكل التحرك الفلسطيني تحولا حادا عن المفاوضات الثنائية التي دامت عقدين من الزمن. فقد تشير هذه المبادرة إلي قيام حالة من اليأس من احتمالات إحياء المفاوضات, ولكن ليس من الواضح كيف يمكن أن تقدم حلا قائما علي دولتين. فالمشاعر شيء, والاستراتيجية شئ آخر. إن السعي لاجبار إسرائيل علي قبول وضع ما من خلال اتخاذ قرار في الأمم المتحدة قد يثير مواجهة رئيسية بين إسرائيل والفلسطينيين ويحدث أضرارا لا رجعة فيها, لكلا الطرفين ولفرص التوصل إلي اتفاق عن طريق التفاوض. وبغض النظر عما سيتم إقراره في الأمم المتحدة, لن تكون هناك أي انتصارات حقيقية لأي من الجانبين.
أولا, إن اتخاذ قرار من قبل الأمم المتحدة يؤيد الموقف الفلسطيني المتشدد بشأن القضايا الجوهرية, مثل الحدود واللاجئين, يمكن أن يغلق الباب أمام إحياء المفاوضات لفترة طويلة. فالفلسطينيون سيجدون صعوبة في التنازل عن مواقف من هذا القبيل حصلت علي تأييد دولي بينما سيجد الإسرائيليون صعوبة في التفاوض وفقا لمعطيات من جانب واحد تحدد مسبقا الاتفاق النهائي.
هناك موضوع آخر وهو ما يحدث في أعقاب اتخاذ القرار. إن الإعلان بقبول العضوية في الأمم المتحدة سوف لا يؤدي إلي إقامة دولة فلسطينية علي الأرض – فالسلطة الفلسطينية لا تسيطر حتي علي غزة. فإنشاء الدولة لا يمكن أن يتحقق إلا عن طريق المفاوضات, كما يعرف الفلسطينيون ذلك جيدا. وبدلا من هذا, سيمنحهم القرار أدوات قانونية وسياسية جديدة لمحاربة إسرائيل.
إن الدولة تجلب حقوقا وقوي متأصلة, ولكن هناك مسئوليات أيضا. وحتي لو حقق الفلسطينيون الوضع القانوني فقط لدولة غير عضوة في الأمم المتحدة, فيمكنهم أن يحصلوا علي مكاسب في هيئات تابعة للأمم المتحدة مثل ##المحكمة الجنائية الدولية##. وقد أشار الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلي نيته استخدام مثل هذه المحافل لمواجهة إسرائيل.
وبمجرد أن يعترف المجتمع الدولي بقيام دولة فلسطينية, يمكن لـ ##المحكمة الجنائية الدولية## أن تقرر بأنها تتمتع بسلطة قضائية علي الطلب الفلسطيني الذي قدم في عام 2009, للتحقيق في ##جرائم حرب## إسرائيلية. وهذا يفتح الباب أمام عدد لا يحصي من محاولات لتوجيه اتهامات ذات دوافع سياسية ضد إسرائيل. إن قيام مواجهات قانونية كهذه سيعمل باستمرار علي صرف الانتباه عن محاولة استئناف عملية السلام وخلق أجواء عدائية تجاه التوصل إلي حل عن طريق التفاوض.
وهناك نفس القدر من القلق قائم من الأدخنة السياسية التي قد تؤدي إلي إشعال الوضع علي الأرض. فالسلطة الفلسطينية تقوم بتنظيم مسيرات جماهيرية تدعم محاولة الحصول علي عضوية الأمم المتحدة. وقد تكون هناك نوايا غير عنيفة للمظاهرات, لكن هذه قد تخرج بسهولة عن نطاق السيطرة إذا ما قام المتظاهرون بتحدي قوات الأمن الإسرائيلية. ويمكن التلاعب بهذه الحالة غير المستقرة من قبل المتطرفين في كلا الجانبين الذين يزدهرون من أعمال العنف.
وبسبب قلق عناصر أوروبية فاعلة من هذه الاحتمالات, اقترحت هذه الجهات دعم إقامة دولة فلسطينية اذا جاءت بتعريف مخفف, من شأنه أن يربط بين حقوق الفلسطينيين للحصول علي سيادتهم وبين قيام مفاوضات مستقبلية مع إسرائيل. إلا أن القيادة الفلسطينية رفضت هذه الاقتراحات.
ترفض الولايات المتحدة المحاولة فلسطينية لأنها تعارض تقديم أي اقتراح كهذا في الأمم المتحدة. ويهدد الكونجرس الأمريكي بوقف مساعدته المالية السنوية الحاسمة للسلطة الفلسطينية. وتتعرض الحكومة الإسرائيلية لضغوط للرد علي تحرك الفلسطينيين من جانب واحد. فبعض أعضائها يطالبون بقيام إسرائيل بوقف التحويلات الضريبية التي تجمعها البلاد نيابة عن الفلسطينيين. وقد تتصاعد حدة هذا الوضع بسرعة. وإذا أوقفت إسرائيل والولايات المتحدة تمويلهما للسلطة الفلسطينية, فقد تنهار هذه الأخيرة — وسيكون ذلك كارثيا علي الجميع.
ويزيد ##الربيع العربي## من حدة التحديات, وخصوصا علي إسرائيل. فالشارع العربي المخول حديثا من قبل الجماهير يعج بالمشاعر المعادية لإسرائيل, كما تبين من اقتحام السفارة الإسرائيلية في القاهرة مؤخرا. ومن المرجح أن يؤدي قيام مواجهة بين إسرائيل والفلسطينيين إلي تأجيج الجماهير العربية. إن ذلك قد يحفز أيضا اثنين من الجهات الفاعلة غير العربية, تسعيان إلي الهيمنة الإقليمية وهما تركيا وإيران, إلي اتخاذ المزيد من الإجراءات المعادية لإسرائيل مما سيكسبهما ائتمان سياسي في العالم العربي.
فات الأوان لتحويل خطوة الانضمام إلي الأمم المتحدة إلي منفعة متبادلة, ولكن لم يفت الأوان للتخفيف من مخاطر إغلاق الباب في وجه التوصل إلي حل عن طريق التفاوض, أو إثارة أعمال العنف علي الأرض, أو التسبب في انهيار السلطة الفلسطينية. ينبغي أن يكون مضمون قرار الأمم المتحدة متوازنا, كما يجب علي الأطراف المعنية أن تتمتع بضبط النفس في ردها.
إن الحل القائم علي دولتين هو مصلحة حيوية للإسرائيليين والفلسطينيين. ففي الوقت الذي توضح فيه إسرائيل للقادة الفلسطينيين تبعات التحركات من جانب واحد, ينبغي عليها مواصلة التحويلات المالية للسلطة الفلسطينية وترك الباب مفتوحا لاجراء محادثات.
هذه لحظة حاسمة بالنسبة لإسرائيل. فالعديد من دول الجيران تقوم بتصليب مواقفها, حتي مع اقتراب هذه اللحظة الحرجة. وخلال عقدين من الزمن تقريبا شاركت خلالهما في محادثات السلام, لا أستطيع أن أتذكر فترة لاحقها في وقت واحد الكثير من الشكوك الخطيرة بالنسبة لإسرائيل كهذه الفترة. وإذا لا ترقي إسرائيل إلي مستوي التحدي, فسوف تدفع ثمنا باهظا.
فايننشيال تايمز