تحدثنا في العدد الماضي عن محبة الله لنا, وذكرنا في ذلك نقاطا عديدة, ونتابع اليوم حديثنا عن:
يسكن في قلوبنا..يجول يصنع خيرا..يعطي الكل:المستحقين وغير المستحقين!!
من محبة الله لنا:سكناه في قلوبنا:
الله الذي يقوليا ابني أعطني قلبكأم23:26إنه ينظر إلي قلب كل واحد منا,و إلي نفس كل واحد منا,ويقولههنا هو موضع راحتي إلي أبد الأبد.ههنا أسكن لأني اشتهيتهمز132قيل عنه في تجسده إنه:لم يكن له موضع يسند فيه رأسهلو9:58.
أحسن موضع يسند فيه الرب رأسه,هو القلب النقي.
هو القلب الذي يحب الله,ويحب أن يكون الله في أعماقه…من محبة الله لنا,أنه يقف علي باب قلب كل منا,ويقرع لكي يفتح لهرؤ3:20يقول لكل نفس من نفسناافتحي لي ياختي ياحبيبتي ياحمامتي,يا كاملتينش5:2وإ ن تباطأت النفس في أن تفتح له,يظل منتظرا قارعا علي أبواب قلوبنا حتي يمتليء رأسه من الطل,وقصصه من ندي الليلنش5:2.
الله المحب الذي لاتسمعه السموات ولاسماء السموات1مل8:27…يريد أن يسكن فينا..إن أعظم سماء يحب الرب أن يسكنها,هي قلبك.وأعظم هيكل يوجد فيه هو قلبك بل أعظم عرش يجلس عليه هو قلبك,كما قيل في قصيدةهمسة حب.
في سماء أنت حقا إنما كل قلب عاش في الحب سماك عرشك الأقدس قلب قد خلا من هوي الكل فلا يهوي سواك ما بعيد أنت عن روحي التي في سكون الصمت تستوحي نداك
نعم ,نحن هياكل الله, والله يسكن فينا1كو3:16 أنه يقولإن أحبني أحد,يحفظ كلامي,ويحبه أبي.وإليه نأتي,وعنده نصنع منزلايو14:23أي الآب والابن يسكنان فيك,وأنت أيضا مسكن للروح القدس1كو3:16…فتكون مسكنا للثالوث القدوس…حقا ما أعمق محبة الله لنا.وما أسمي القلب المحب لله.
هذا القلب الذي تسكنه محبة الله هو-بدون مبالغة-أسمي من السماء التي فوقه!!
ألم يقل الرب في العظة علي الجبلالسماء والأرض تزولانمت5:18رؤ21:1…نعم هي تزول ولكن قلوبكم التي يسكن فيها الله ستبقي ويبقي الله ساكنا مع الناس,الله وسط شعبهرؤ21:3..هذا الذي قال لناها أنا معكم كل الأيام وإلي انقضاء الدهرمت28:20
نعم,هذا هو عمانوئيل الذي تفسيره الله معنامت1:23.
من نحن يارب,حتي تكون معنا؟!نحن التراب والرماد والمزدري وغير الموجود1كو1:28…وكان الله يقول:أنا معكم كل الأيام,لأني أحبكم وأحب أن أكون في وسطكم.وقد وعدتكم من قبل إنهحيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهممت18:20نعم إن مسرتي في بني البشر.أنا أحب أن أسكن فيكم…أنتم سمائي الخالدة أنتم عرشي الذي أجلس عليه..أنتم ملكوتي:
ألم يقل الكتابملكوت الله داخلكملو17:21
نعم داخل هذه القلوب افتح قلبك ,تجد داخله ملكوت الله,تجد محبة الله…إنه الله الذي يقول يا ابني,أعطني قلبكأم23:26عجيب أن يقول الربأعطني قلبك!
من أنا يارب حتي أعطيك؟!أنت مصدر كل غني.أنت الذي تشبع كل حي من رضاك.أنت مالك الكل الذي لك الأرض وما عليها,المسكونة وكل الساكنين فيها مز124:1…أنت يارب الكائن الوحيد الذي لايحتاج إلي شيء…ومع ذلك:
سأعطيك يارب قلبي,كما طلبت.ولكن لكي تقدسه وتنظفه وتطهره,وتسكن فيه,فيتبارك بك ويكون لك…
خذه يارب,واسند فيه رأسك…أنت الذي خلقته وأنت الذي أعطيتني إياه,وأوصيتني قائلا:فوق كل تحفظ أحفظ قلبك,لأن منه مخارج الحياةأم4:23ليتك أنت تحفظه, هذا الذي أعطيتني إياه,ليكون لك وحينما أقدمه موضعا لسكناك أقول لك كما قال الشعب في القديم,حينما تبرعوا لبناء بيت للرب:
منك الجميع,ومن يدك اعطيناك1أي29:14
مبارك أنت يارب في محبتك,حينما تقبل من أيدينا شيئا.ومبارك أنت في تواضعك حينما تقوليا ابني أعطنيمثلما قلت للمرأة السامريةأعطيني لأشرب يو4:7…وأنت الذي عندك الماء الحي الذي كل من يشرب منه,لايعطش إلي الأبد…يو4:14.
حقا يارب,ليس لك شبيه بين الآلهه,كما قال داود عبدك من مثلك؟!مز89:8,6.
أنت يارب حنون جدا,وعطوف جدا ومحبتك فوق الوصف,وفوق الشرح,لايستطيع لسان أن يعبر عنها.
من محبة الله,أنه صانع الخيرات لنا.قيل عنه إنه يجول يصنع خيرا..أع10:38.إنه يعطي الخير للكل حتي لأعدائه, وللذين ينكروه وجوده وعطاياه كلها نابعة من حبه ومن كرمه وجوده, مرت فترة كانت فيهاالوثنية تسود العالم,ومع ذلك لم يمنع الله خيره عن العالم…وعندما عرفته هذه الأمم الوثنية كان هو الذي منحهم الإيمان به,كمبادرة من عنده مثلما فعل مع شعب نينوييون3ومثلما فعل مع كثيرين بمعجزاته وآياته…وأيضا بإحساناته الكثيرة هذه التي تغني بها داود النبي فقال:
باركي يا نفسي الرب,ولاتنسي كل حسناتهمز103:2
باركي يا نفسي الرب وكل ما في باطني ليبارك اسمه القدوسالذي يغفر جميع ذنوبك,الذي يشفي كل أمراضك الذي يفدي من الحفرة حياتك الذي يكللك بالرحمة والرأفة الذي يشبع بالخير عمرك فيتجدد مثل النسر شبابكمز103:1-5.
يغفر جميع ذنوبك في المعمودية ويشفي كل أمراضك الروحية في اعترافك وتناولك وفي رعايته الروحية لك ويفدي من الحفرة حياتك لأنه بالفداء ينقذك من الذهاب إلي الجحيم ويكللك بالرحمة والرأفة حينما يمنحك إكليل الحياة وإكليل البر.ويشبع بالخير عمرك في الأبدية السعيدة والنعيم الأبدي فيتجدد مثل النسر شبابك…
ما أكثر حسنات الله إلي الذين يحبونه ويحبهم:
يوحنا الرسول كان يتكيء في حضنه,ويسمع نبضات قلبه ومريم أخت مرثا كانت تجلس عند قدميه وتسمع كلمات الروح من فمه وكل الذين اتصلوا به كانوا ينالون من حنانه بل إنه قال للكنيسة كلها هوذا علي كفي نقشتك1ش49:16وقال لتلاميذه:
أما أنتم فحتي شعور رؤوسكم جميعها محصاةمت10:30.
0وهكذا نري من محبة الله للبشرية,حفظه الدائم لها,وعنايته الدائمة لها.وهكذا يقول المرتل في المزمور لولا أن الرب كان معنا حين قام الناس علينا,لابتلعونا ونحن أحياءنجت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصيادين.الفخ انكسر ونحن نجونا.عوننا من عند الرب الذي صنع السماء والأرضمز124.
ويركز العناية في الله وحده فيقولإن لم يبن الرب البيت,فباطلا يتعب البناؤون.وإن لم يحرس الرب المدينة,فباطلا يسهر الحارس,مز127.
ويطمئن المرتل نفسه من واقع اختباراته مع الله ومحبته فيقول الرب عوني,فلا أخشي ماذا يصنع بي الإنسان الرب لي معين وأنا أري بأعدائيأحاطوا بي احتياطا واكتنفوني وباسم الرب قهرتهمدفعت لأسقط والرب عضدني قوتي وتسبحتي هو الرب وقد صار لي خلاصامز118
ما أكثر ما في المزامير من أناشيد عن معونة الله ورعايته ومحبته.وما أكثر خبرات داود وخبرات القديسين.
اختبر داود معونة الله أمام جليات الجبار لذاك قال له مسبقاأنت تأتي إلي بسيف وبرمح وبترس وأنا آتي إليك باسم رب الجنودوقال له أيضالأن الحرب للرب1صم17:47,45واختبر داود كذلك حفظ الله له في كل مؤامرات شاول الملك ضده.
الثلاثة فتية اختبروا محبة الله وحفظه,حينما ألقوهم في أتون الناردا3واختبر دانيال محبة الله وحفظه حينما ألقوه في جب الأسود.كذلك أيضا محبة الله وحفظه اختبرها بطرس الرسول وهو في السجن1ع12واختبرها يوحنا الرسول وهو منفي في جزيرة بطمس ..واختبرها بولس الرسول في سجن فيلبي1ع16وأيضا حينما قال له الربأنا معك,ولا يقع بك أحد ليؤذيك1ع18:10واختبرها يعقوب أبو الأباء حينما قال له الرب ها أنا معك,وأحفظك حينما تذهب,وأردك إلي هذه الأرضتك28:15.
وقصص محبة الله وعنايته بأولاده,لا تدخل تحت حصر,سواء في الكتاب المقدس أو في تاريخ الكنيسة.
مجرد هذه النقطة وحدها في موضوعنا,لو أننا استفضنا في الحديث عنها,لاحتاجت إلي كتاب خاص.
علي أن محبة الله وعنايته لم تشمل القديسين فقط,إنما كانت تشمل الكل كما ذكرنا.ومعجزات الشفاء وإخراج الشياطين التي أجراها الرب,كانت للأمم أيضا وليست فقط لأبناء إبراهيم.
والله في أعمال محبته وحنانه,لم يضع أمامه علي الدوام مبدأ المستحقين وغير المستحقين…
لو كان الله لايعتني إلا بالقديسين فقط,ولا يحب سواهم,لهلكنا جميعا..
صدقوني لو أن الله أمسك في يده هذا الميزان ميزان, الاستحقاق وأعطي فقط من يستحق لما وجد من يستحق فكلنا خطاةوكلنا كغنم طللنا ملنا كل واحد إلي طريقهاش53:6فلو كان الله يعطي المستحقين فقط,ما أعطي الجميع زاغوا وفسدوا وأعوزهم مجد الله.ليس من يعمل صلاحا ليس ولا واحدمز14وقد علمنا أن نفعل هكذا مثله فقال إن أحببتم الذين يحبونكم فأ ي أجر لكم؟أليس العشارون أيضا يفعلون هكذاأما أنا فأقول لكم:أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم أحسنوا إلي مبغضيكم وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السموات مت5:44-46
وهذا المبدأ الإلهي,علمه الرب حتي للطبيعة…
تأملوا زنابق الحقل الورود والزهور إنها لاتعطي رائحتها الذكية للأبرار فقط وللمستحقين بل للكل…الكل يستنشق عبيرها حتي للأشرار…إنها تعطي من رائحتها لكل أحد حتي للذي يقطفها ويفركها بيده تظل رائحتها حتي بعد أن تلفظ أنفاسها لاصقة بيده, كذلك الشمس تعطي من حرارتها وضوئها لكل أحد والشجرة تعطي من ظلالها لكل أحد والينبوع يعطي من مائه لكل أحد ولاتفريق بين مستحق وغير مستحق…
إن الله قد أحبنا ونحن بعد خطاه وفدانا بدمه ونحن أموات بالخطايا رو5:8أف2:54.
تري من فينا كان مستحقا لدمه الكريم؟!
لذلك فأنا في كل مرة أتناول من السرائر المقدسة أقول في صلاتي ليس يارب من أجل استحقاقي,إنما من أجل احتياجيوعلمت هذه الصلاة لكثيرين…إن الله يعطي غير المستحقين,علي الأقل لثلاثة أسباب:أولا لأن من طبيعته الحب والعطاء وثانيا من أجل احتياجهم وثالثا لعله بالحب يجذبهم إليه فتؤثر فيهم محبته,علي الرغم من عدم استحقاقهم.
الرب يهتم بكل أحد وفي كل وقت…
حتي وهو علي الصليب كان يهتم بغيره ويعطي.. تصوروا وهو متعب جسديا إلي أقصي حد,وقد مزقت السياط جسده والشوك أنزف الدم منه,مع الإرهاق الزائد من الجلد وحمل الصليب ودق المسامير في يديه ورجليه…مع كل ذلك في عمق محبته يفكر في صالبيه ويطلب لهم المغفرة ويقدم عنهم عذرا ويقول في محبة عجيبة فوق الوصف يا أبتاه أغفر لهم لأنهم لايدرون ماذا يفعلونلو23:34إن آلامه التي لاتطاق لم تمنع محبته من التفكير في صالبيه وطلب المغفر لهم,بل من أجل هذه المغفرة قد أسلم ذاته للصلب.وبنفس الحب وهو علي الصليب منح اللص وعدا بأن يكون معه في الفردوس في نفس اليوم..لو23:43وهكذا أراح نفس هذا اللص,قبل أن يلفظ اللص أنفاسه.
وبنفس الحب وبنوع آخر فكر في أمه العذراء القديسة وفي أيوائها والعناية بها,فكلف بذاك تلميذه يوحنا الحبيبمن تلك الساعة,أخذهاالتلميذ إلي خاصتهيو19:27
كان بمحبته لايفكر في ذاته وإنما في راحة غيره فالمحبة لاتطلب مالنفسها 1كو13:5بل تنكر ذاتها. ليس غريبا إذن أن المهاتما غاندي الزعيم الروحي للهند كما ذكر المؤرخ فيشر عنه-لما زار فرنسا ورأي أيقونة المسيح المصلوب بكي كان الناس يرون المسيح من قبل ,محبة تتحرك علي الأرض.وظلت المحبة فيه تتحرك بأكثر شدة علي الصليب حتي عندما كان جسده بلا حركة مسمرا بالمسامير.
بل في الطريق إلي الصليب أيضا كانت محبته أيضا تعمل من أجل الغير المستحقين وغير المستحقين.
فقد تحنن علي ملخس عبد رئيس الكهنة ,لما استل بطرس سيفه وضربه فقطع أذنه أمر بطرس بأن يرد سيفه إلي غمده أما عن العبد فإن الربلمس أذنه وأبرأهالو22:50-51أما عن تلاميذه الذين خافوا في وقت القبض عليه فقال عنهم لمن جاءوا يقبضون عليهأنا هو إن كنتم تطلبونني فدعوا هؤلاء يذهبون 18:8وهكذا سهل لهم الرب الهرب في سلام.
والآن هأنذا أختم المقالة الثانية عن محبة الله لنا ولكن الموضوع لايزال مفتوحا لم يختم بعد.أستأذنكم في مقالة ثالثة أكتبها عنه إلي اللقاء إذن إن أحبت نعمة الرب وعشنا.