استعرضنا في الأسبوع الماضي الأسرار العلمية والاكتشافات المبهرة في عالم جراحة المخ, وفي هذا الأسبوع نستكمل حديثنا مع د.رضوان نوبي أستاذ ورئيس قسم المخ والأعصاب بكلية الطب جامعة أسيوط عن متي وكيف يتم التدخل الجراحي في المخ… قال:
للحديث عن متي يتم التدخل الجراحي فلابد من معرفة أن الجمجمة عبارة عن صندوق مغلق بداخله المخ والمخيخ وجذع المخ والجيوب المخية المائية وشرايين وأوردة المخ, بجانب الغدة النخامية في قاع الجمجمة والتجويف بداخل الجمجمة صغير, ولا يتحمل أن يكون بداخله شئ آخر, ففي حالة ظهور أي شئ آخر داخل المخ مثل ورم أو تمدد شرياني أو كيس مائي أو زيادة في كمية السائل النخاعي بجيوب المخ داخل الجمجمة والمخ فإن ذلك يؤدي إلي ارتفاع الضغط داخل الجمجمة, وبالتالي يؤدي إلي تهيج في خلايا المخ أو الضغط علي مركز من المراكز المتواجدة في المخ أو الضغط علي العصب البصري أو أي من باقي الأعصاب المخية الاثني عشر, ونتيجة لذلك يبدأ ظهور الأعراض.
من المعروف أن أعراض ارتفاع الضغط داخل الجمجمة والمخ هي الصداع المزمن مع القئ وزغللة العينين أو ضعف الإبصار, فالصداع ينتج لأن ارتفاع الضغط داخل المخ يؤدي إلي ضغط علي الأغشية المغلفة للمخ أي الأم الجافية والأم الحنون… وذلك مثلما يؤدي النفخ في البالون إلي ارتفاع الضغط بداخله كلما كبر حجمه… لكن في حالة المخ فإنه محدود بالصندوق المغلق وهو الجمجمة, فكلما ارتفع الضغط داخل المخ ضاقت عليه الحياة داخل الجمجمة, فتبدأ الأعصاب المغذية للأغشية المغلفة للمخ في نقل هذه المعاناة في صورة ألم وصداع, أما بالنسبة للقئ فإن ارتفاع ضغط المخ يؤدي إلي ضغط علي مركز القئ أو تهيجه وكذلك ضعف الإبصار أو زغللة العينين أو ازدواج الرؤية, فينتج بسبب الضغط علي العصب البصري (العصب المخي الثاني… والعصب المخي السادس).
هذه هي أعراض عامة لارتفاع الضغط داخل المخ, ولكن هناك أعراض خاصة لكل إصابة بالمخ, وذلك حسب مكانها وحجمها, فمثلا لو كان هناك ورم أو خراج أو نزيف في الفص الأمامي من المخ, فإن ذلك يؤدي إلي ضعف بالذاكرة واضطرابات في التصرفات الشخصية أو فقدان حاسة الشم, وذلك إضافة إلي أعراض ارتفاع ضغط الدم لو كان الورم كبيرا…. أما لو وجد الورم أو الإصابة بمركز الحركة بالفص الأيمن فذلك يؤدي إلي ضعف بالذراع والساق اليسري, بينما لو وجد الورم أو النزيف بالفص الأيسر بمركز الحركة والكلام, فإنه يؤدي إلي ضعف بالذراع والساق اليمني وعدم القدرة علي النطق, وهناك مثال آخر عندما تكون المشكلة بالمخيخ, فإن ذلك يؤدي إلي فقدان اتزان الجسم وفقدان سيمفونية التوافق بين عضلات الذراعين والساقين وجذع الجسم, ويصبح الإنسان مهتزا في خطواته ومتطوحا يمينا أو يسارا وفقا لمكان الإصابة بالمخيخ, أما لو كانت الإصابة بجوار المخيخ فإنها تضغط علي عصب السمع والعصب المخي السابع والثامن وجذع المخ, متسببة في ضعف السمع وطنين بالأذن, وفي مرحلة متأخرة ينتج عنها فقدان الاتزان بالجسم وأيضا ضعف عضلات نصف الوجه المقابل للإصابة, فيصبح المريض غير قادر علي غلق عينيه ويعاني من التواء بالفم وسيلان اللعاب من فمه وعندما يكون الورم كبيرا ضاغطا علي جذع المخ فإنه يؤدي إلي تدهور بدرجة الوعي.
أما عن أورام الغدة النخامية فأعراضها كثيرة منها ماهو نتيجة لضغط علي أعصاب العين المجاورة, ومنها ما هو نتيجة للاضطراب في إفراز هرمونات الغدة النخامية… فضغط أورام الغدة النخامية علي أعصاب العين يؤدي إلي زغللة وضعف بالإبصار وفي تزايد مستمر كلما كبر حجم الورم وذلك بسبب ارتشاح أو ضمور بقاع العين… كما يحدث في مجال الإبصار فلا يستطيع المريض أن يري سوي ما أمامه مباشرة, ولا يري علي جانبي مجال الإبصار… كما تؤدي أورام الغدة النخامية إلي انقطاع الدورة الشهرية مع إدرار اللبن من الثديين عند النساء… وفقدان الرغبة الجنسية وعدم مقدرة العضو الذكري علي الانتصاب.
وعند الشكوي من هذه الأعراض أو العلامات يتم إجراء كل الفحوصات اللازمة للمريض مثل الأشعة المقطعية والتصوير بالرنين المغناطيسي والتحاليل المعملية اللازمة للتعرف علي نوع ومكان المشكلة الموجودة بالمخ, ومن المعروف أنه في حالة وجود مشكلة بالمخ مسببة لارتفاع الضغط داخل المخ أو مسببة لتهيج في أي من مراكز المخ فإنه لابد من التدخل الجراحي لحماية المخ, لأنه لا مكان داخل الجمجمة سوي المخ وملحقاته… ومن المهم في إصابات المخ المختلفة فحص المريض مبكرا قبل حدوث المضاعفات واستفحال المرض وقبل أن يدمر أيا من خلال المخ السليمة.
والآن… كيف يتم التدخل الجراحي بالمخ للتخلص من أي شئ غريب داخله لمنع ارتفاع ضغط الدم, أو الضغط علي أي من مراكزه أو تهييج خلاياه؟.
للإجابة علي هذا السؤال… لابد من تبسيطه عن طريق الحديث عن كل مشكلة بمفردها… ولنبدأ بحالة من تراكم السائل النخاعي بالجيوب المخية نتيجة لانسداد بأحد قنوات دورة السائل النخاعي بالمخ, فهذا الانسداد قد يكون نتيجة لتشوه خلقي بالمخ أو نتيجة لأورام أو أكياس مائية أو خراج بالمخ أو تمدد شرياني والتي تؤدي إلي الضغط علي القنوات المائية لتغلقها وتمنع السائل النخاعي من إكمال دورته بالمخ.
في هذه الحالة ما الهدف من التدخل الجراحي؟
الإجابة تختلف في الأطفال عن الكبار, ففي الأطفال يؤدي تراكم السائل النخاعي إلي الضغط علي العينين مع زيادة مستمرة في حجم الرأس وثقل وزنها علي الطفل, وذلك لأن مفاصل الجمجمة مازالت مفتوحة, الجمجمة هنا ليست صندوقا مغلقا, لأن هذه المفاصل يكتمل غلقها في سن الثمانية عشر شهرا… أما الهدف في الكبار فهو منع الصداع والقئ وزغللة العينين وللحفاظ علي الإبصار بمنع حدوث ارتشاح بقاع العين أو ضمور للعصب البصري, وذلك لوجود المخ داخل الصندوق المغلق, وهذه الأعراض ما هي إلا صرخات ونداءات من المخ للإنسان بأن الحياة قد ضاقت به داخل عالم الجمجمة!.
البحوث العلمية الحديثة تمكنت من تصميم أنبوبة بسيطة بها صمام لاستخدامه في تصريف الماء الراكد بالمخ إلي القلب أو إلي التجويف البريتوني بالبطن, وذلك عن طريق فتحة صغيرة بالجمجمة, يتم من خلالها إدخال جزء من الأنبوبة داخل الجيوب المائية بالمخ, وتدكيك باقي الأنبوبة تحت الجلد بالرأس والرقبة والبطن, حيث تم إجراء فتحة صغيرة بالبطن والغشاء البريتوني بالبطن لإدخال باقي الأنبوبة… وهذا الصمام تم تصميمه بطريقة دقيقة جدا, حيث يقوم بصرف الماء الزائد بالمخ حتي يصل الضغط داخل المخ إلي مستوي الضغط الطبيعي ليتوقف الصمام عن العمل, ويبدأ من جديد في حالة ارتفاع ضغط المخ بسبب إعادة تكوين السائل النخاعي.