“مصر التى فى خاطرى ..مستقبل التفاعل والتنوع” كان هذا عنوان اللقاء الذى عقد بمدينة شرم الشيخ الذى نظمه منتدى حوار الثقافات بالهيئة الإنجيلية القبطية بمشاركة نخبة من السياسيين والحزبيين ورجال الدين الإسلامى والمسيحى وفنانين وصحفيين، بهدف رؤية مستقبلية لمصر للخروج بمجتمع يسوده التنوع والتفاعل تحت آلية الحوار وقبول الآخر ونبذ العنف الذى سيطر على المجتمع فى السنوات الأخيرة ولاسيما الأحداث الطائفية.
أكد مثقفون وسياسيون وحزبيون على ضرورة تطوير الإعلام والتعليم والخطاب الدينى من أجل أن يساهم فى نشر قيم التسامح والحوار، ويعمق الانتماء إلى الوطن، خاصة بعد أن ساهمت بعض الفضائيات فى الآونة الأخيرة فى خلق توترات ذات طبيعة دينية وحذروا من انتشار هيمنة التيار الإسلامى المتشدد على المناخ العام عقب ثورة 1952 مطالبين بضرورة إصدار قانون يجرم التمييز بكافة أشكاله وسرعة إصدار القانون الموحد لدور العبادة وشن المشاركون هجوم على توغل الدين فى الأمور العامة التى ترتبط بالدولة المدنية ومن تأثيراته منع وصول المرأة كقاضية لمجلس الدولة، وهو ما أثار استياء أنصار الدولة المدنية من المشاركين، ومنهم على الدين هلال أمين لجنة الإعلام بالحزب الوطنى والدكتور عبد المنعم سعيد رئيس مجلس إدارة الأهرام .
شهد اللقاء جدال واسع بين أنصار الدولة المدنية ورجال الدين حول المادة الثانية من الدستور وتطبيق الحدود ولاسيما ما دار بين الكاتب والشاعر عبد المعطى حجازى ود. سالم عبد الجليل وكيل وزارة الأوقاف لشئون الدعوة،
قال الدكتور نبيل أبادير مدير عام الهيئة الإنجيلية نحن لا نجتمع من أجل التباهى بالماضى ولا التباكى على حاضرنا بل من أجل الحوار فى التغيير الحاد والعميق فى العلاقات بين أبناء الوطن، والتى راحت سماته تتبد منذ سبعينيات القرن الماضى، وبلغت الآن من ذراها المأساوية، وهو ما دعا له الرئيس مبارك فى خطابه فى عيد العلم الماضى مطالبا المثقفين وحكماء الأمة بالتصدى لهذه الظاهرة الغريبة على مجتمعنا من أجل التصدى لها، وأشار أن اللقاء ركز على بناء قواعد وتوجهات لحوار وطنى فعال ومستقبل التعددية وتقليل الفجوة بين الفكر والعقل ومستقبل المجتمع المدنى وثقافة الحوار والعمل الديموقراطى.
أكد القس الدكتور أندرية زكى نائب مدير الهيئة القبطية على أهمية وجود حوار فقهى لاهوتى بين المسلمين والمسيحيين، حتى يعرف المسلمون كيف يفكر شركاؤهم فى الوطن، وهذه المعرفة فى رأيه هى أساس السلام الاجتماعى.
من جانبه اعتبر الدكتور عبد المنعم سعيد رئيس مجلس إدارة جريدة الأهرام، أن جماعة الإخوان المسلمين والبيروقراطية المصرية من أبرز معوقات تقدم مصر للأمام، واعتبر أن تأسيس جماعة الإخوان المسلمين خطوة قضت على أساس الدولة المدنية التى برزت فى ثورة 1919، وأن ما يتردد عن الجماعة بشأن مساواة المسلم والمسيحى مجرد شعارات ورحب بمطالبات المشاركين بإقرار قانون العبادة الموحد وقانون مناهضة التمييز، وأكد أن كل مواقفه معلنة، وهى واحدة داخل الحزب وخارجه، فقد رفض بحسم قانون الطوارئ.
وانتقد الدكتور سعيد الحديث عن رفض تعيين المرأة قاضية، وانتشار النقاب فى ظل وجود المجلس القومى للمرأة، وغير ذلك من الظواهر التى تؤكد على تراجع مكانة المرأة فى المجتمع.
قال الدكتور على الدين هلال أمين الإعلام بالحزب الوطنى الديموقراطى إن قرار مجلس الدولة بشأن رفض تعيين المرأة قاضية، يُعبر عن موقف ومناخ ثقافى أكثر من مجرد قرار لأغلبية المجلس، مهما كانت المبررات التى تقول إن المرأة رقيقة ولا تتحمل مشقة السفر، وربط هلال بين هذا القرار لمجلس الدولة وبين موقف مجلس الدولة بشأن نقض قرار المحكمة الإدارية الخاص بحظر النقاب، وهو ما يعزز ربط ما حدث بوجود موقف دينى وسياسى وفكرى رافض للمرأة!.
وأوضح د.هلال أن هناك دراسة تشير إلى أن 75 % من الأزواج يميلون إلى ضرب زوجاتهم عند الاختلاف، وهو أيضًا ما يُعَبِّر عن المناخ الثقافى الموجود فى المجتمع تجاه المرأة وان التمييز بين المسلم والمسيحى سيتحول فيما بعد إلى تمييز بين السنى والشيعى، ثم تمييز بين المذاهب التى ينتمى إليها السنى وهى محاولات تمييزية لن تنتهى، ولذا لابد من إدراك الخطر لوقف هذا التمييز المتزايد من قبل متعصبين يستهدفون سلامة المجتمع.
وشهد اللقاء مشادات بين الدكتور مصطفى كامل السيد والدكتور على الدين هلال عندما هاجم مصطفى كامل الحزب الوطنى وسياساته الفاشله التى أدت إلى مناخ متعصب وقال إن من وافق على التعديلات الدستورية الأخيرة فهو لم يدرك حقيقة الأمور، وطالب بتقديم كل من يقول إن ما حدث فى نجع حمادى جريمة عادية إلى المحاكمة، واتهم السلطة الحاكمة بأنها هى التى تتلاعب بالدين، وطالب بحوار حقيقى لا يتم استبعاد أية قوة سياسية، واتهم الحكومة بأنها وراء تخريب الأحزاب والنقابات والمجتمع المدنى ومتسائلا: إذا كان جمال عبد الناصر والسادات، فشلا فى استئصال الإخوان، فهل ينجح مبارك؟.
في حين أشار هلال أن صعود السلفية والتيار الدينى موجود فى بلاد أخرى ولا يخص مصر وحدها، مؤكدا أنه لا يمكن فصل الدين عن المجتمع، لكن لابد من فصله عن السياسة، مؤكدا أن الصورة فى بلدنا ليست سوداء.
وكان جدال وقع بين الشاعر والكاتب عبد المعطى حجازى من جانب و د. سالم عبد الجليل وكيل شئون الدعوة والشيخ محمود عاشور وكيل وزارة الأوقاف عندما ألقى عبد الجليل كلمته حول هل الدين مع التعددية أم ضدها؟، وهنا قال إن التعددية بمعنى الاختلاف والتنوع الثقافى والعرقى يمثل ظاهرة صحية ويعد أمرا طبيعيا وسنة الله فى الأشياء وضرورة قبول الآخر مهما كان الاختلاف، فالإسلام يقبل الآخر ولا يسمح بممارسة أى شكل من أشكال العنف ضده لاحتوائه. وأضاف فالنبى عليه الصلاة والسلام هو أول من وضع المواطنة فى وثيقة، وجاء فيها أن اليهود والمؤمنين أمة واحدة، ولذلك ليس هناك ما يمنع فى النص القرآنى من أن يكون رئيس الجمهورية مسيحى، وأضاف: ليست لنا مشكلة مع اليهود ولكن مع الصهاينة الذين يحتلون أرضنا.
وفى تعليقه رفض الشاعر أحمد عبد المعطى حجازى أن تكون المرجعية للدين ولكن للمصالح المشتركة بين المصريين، فالدين فى رأيه ليس له سوى مجال واحد، هو العلاقة بين الإنسان والله، يوجد فى الجامع والكنيسة، أما حياتنا فيجب أن تكون مرجعيتها القانون الوضعى وسأل حجازى الشيخ عبد الجليل: هل أنت مع قطع يد السارق، ومع رجم الناس فى الشوارع؟.
رد الدكتور عبد الجليل مستنكرا اختزال الشريعة فى الحدود، ولكنه عاد وقال لو تم تطبيق حد الحرابة على الإرهابيين ما عادوا إلى هذه الجرائم، وأضاف: كل قوانين العالم فيها زجر، وشدد على أن الخطاب الدينى السائد تصنعه أطراف كثيرة منها المؤسسات الدينية وأجهزة الإعلام ومناهج التعليم، وطالب بجعل الدين مادة أساسية وتغيير مناهجه حتى تنصلح الأحوال.
وكان الشيخ محمود عاشور علق فى مداخله بأن موقف الشاعر عبد المعطى حجازى نابع من موقف شخصى عندما قام الشيخ يوسف البدرى برفع قضية عليه وتم الحجز على منزله، وهنا تدخل سريعا حجازى ورد على عاشور بأنه ليس موقف شخصى بل موقف ضد الأفكار المظلمة التى تحوم حول المجتمع.
في حين أكد الكاتب والصحفى حلمى النمنم أن الثقافة الدينية ضد التعددية وضد الآخر، رغم أن القرآن الكريم يعطى للإنسان حق الكفر.
وقالت الإعلامية درية شرف الدين إن هناك دورا للإعلام الرسمى، إعلام الدولة فى تبنى هذه الندوات واللقاءات والإلحاح بعرضها على الجمهور العام بكل محتوياتها ونقاشاتها ثم التعليق عليها وعلى ما تطرحه، وهو واجب وطنى ويجب أن يتم فى شجاعة وجرأة وحكمة أيضاً فى مواجهة تيارات التعصب والتطرف الدينى، فلا يكفى مجرد التغطية الإعلامية السريعة التى تشير فقط إلى وجود نشاط ما، ندوة أو اجتماعاً لتملأ فقط جانباً من مساحة الشاشة على مدار اليوم، فبدون الإعلام المرئى على سبيل الخصوص ستبقى هذه اللقاءات بعيدة عن الشارع المصرى، وعن مواطنيه الأوْلى بالرعاية والعناية، وبالتالى لن تؤتى نتائجها إلا إذا شاعت وانتشرت محتوياتها فى وسطها الطبيعى.
——————————–
م.م