عندما تزور أية دولة أوربية, تجد مفارقة كبيرة بين شعوب الشرق الأوسط وشعوب الدول الأوربية. ثمة فارق كبير في التكوين السيكولوجي والثقافي وطبيعة الاهتمامات أيضا.
الشاب الغربي تحديدا ليس معنيا بقضايا تأزيمية. هو ليس متوترا, وتجده طوال الأسبوع مشغولا بعمله, منكبا عليه, وفي نهاية الأسبوع يقضي وقته للتنفيس والمرح, ساهرا مع أصدقائه, أو متجولا في الأسواق للمشتريات, أو جالسا علي شاطئ بحر.
الشاب العربي مشدود بحبل سري, مربوط من رقبته بقضايا الشرق الأوسط. محكوم بتفكير أحزابنا وأجندتها.
لا يمر عليه يوم من دون الحديث عن ##المؤامرة## و##فلسطين## و##الحكومة## و##عذاب القبر## و##العرب## و##الاستكبار## و##الغزو الثقافي## إلخ. حتي القضايا المهمة كالقضية الفلسطينية يسمع عنها مئات النظريات, ويجد المفارقات الغريبة, فيصبح هو الآخر داخلا من ضمن التعقيد.
علي الرغم من أهمية بعض الموضوعات, إلا أن الإفراط في الأمر يقود إلي القضاء عليه.
أحيانا أشعر بالشفقة علي واقعنا العربي, وكأننا فعلا مخطوفون لملفات وقضايا ليلا نهارا, حتي لا نشتغل بالتنمية والمتناوبات الإيجابية الأخري للحياة. إننا مجانين قضايا وتأزمات.
هل نجد أو نسمع خطيبا أو مثقفا يابانيا, (إن كان ثمة خطيب), يتحدث عن مأساة هيروشيما ونجازاكي علي طريقتنا العربية, صراخ وفزع وهوس ثم لا شيء؟ حتي اليهودي استطاع أن يستثمر الهولوكوست بأسلوب ذكي.. وكقضية عادلة سقطت بسبب غياب العقل الواقعي؟
هذه ليست دعوة للتملص من قضايا عربية مهمة, بقدر ما هي دعوة لمعالجة القضايا بأسلوب إيجابي فعال.
الياباني غير كل حياته, وانتصر علي عدوه, عندما انطلق بفرض نفسه علميا وصناعيا, وبتطوير بلاده بدلا من النظرة السوداوية.
عندما تزور الغرب, لا تتفاجأ بالأمراض العربية, وهي تحمل مع حقائب المغتربين والجاليات المغتربة.. العنصرية, الطائفية إلخ…
هناك مساجد باسم الجالية, فتجد هذا يقول أنا ذاهب للمسجد التونسي, وذاك للمسجد المغربي, وآخر للمسجد التركي, لكنك لا تسمع ذلك وأنت ذاهب لأية كنيسة أو معبد بوذي أو هندوسي, فهي غير مختومة بأية جنسية.
في ألمانيا يوجد أكثر من 2000 مسجد, وعلي الرغم من ذلك تجد حالة المسلمين جد ضعيفة.
الشاب الغربي, يمتلك الاستقلالية في الرأي, يطرح رأيه الثقافي والسياسي, ولا يخاف, لا من قسوة مدير سجن, ولا من بعبع تراث ولا بفتوي فلان أو نظرية علتان.
الجامعات الغربية تعلم الطالب الجامعي الاستقلال في الرأي والفكرة, بخلاف كثير من الجامعات العربية, حيث الطالب محكوم بقسوة إدارية بيروقراطية, وبمناهج علمية تقوم علي التلقين. جامعاتنا, مدارسنا الثقافية والدينية أغلبها تحول الي مناهج ومدارس عسكرية.. حتي التربية المنزلية أصبحت عسكرية, لا وجود للرأي الآخر ولا للمناقشة.
مشوش هو الشاب العربي, بسبب البرجماتية السياسية والسباق السياسي, فالكل يتنافس علي اختطافه, والفوز بعقله, لذلك تجده غير قادر علي تلمس مستقبله العلمي أو السياسي أو حتي الثقافي.
تصب في عقله عشرات النظريات من سياسية ودينية وفلسفية وكل واحدة منها تحمل مداخلها ومفاوزها.. إنه أمام موقف كارثي في عملية محاولات الوصول إلي الصواب, أو التقاط النظرية السحرية المخلصة.
مسكين فعلا هو الشاب العربي.. وكان الله في عونه.
*نقلا عن صحيفة ##أوان## الكويتية