طرحت علي رأس جدول أعمال حكومة إسرائيل يوم الأحد(8-9-2007)موضوعالإخلاء والتعويض,والقصد,إخلاء المستوطنين اليهود من الأراضي الفلسطينية المحتلة(الضفة الغربية)وتعويضهم.وكان رئيس الحكومة أولمرت قد قال في بداية جلسة الحكومة:من اللائق أن نستعد لإخلاء يهودا والسامرة-أي إخلاء الضفة الغربية.
لم يفاجئني هذا التصريح.إن المتتبع لمجري العملية السياسية في الشرق الأوسط,يري دلائل تشير إلي إمكانية حلول تعيد الهدوء النسبي للشرق الأوسط.
هناك قضايا أكثر خطورة تشغل بال دول العالم قاطبة.إبقاء التوتر في الشرق الأوسط بات مؤشرا دوليا للمزيد من القلاقل والإرهاب.وللمزيد من المتاعب والرعب لدول العالم المختلفة,بما فيها إسرائيل,رغم كل التصريحات العنترية,ويكفي للإشارة علي ذلك تصريح ضابط إسرائيلي حذر من عدم استعداد الجيش لإمكانية مواجهة عسكرية مقبلة.وأنا أعتقد أن ما يجري هو تغيير استراتيجي ليس لصالح إسرائيل,من أهم ظواهر هذا التغيير عدم إمكانية حسم أي حرب جديدة في الشرق الأوسط…وأساسا بين إسرائيل وجاراتها العربيات.ومن المهازل أن هذا التغيير سيسجل عسكريا لحساب حزب الله.
ليس صدفة عقد المؤتمر الرباعي في سورية باشتراك أطراف تلعب أدوارا مهمة في المفاوضات السورية الإسرائيلية.تصريحات الرئيس السوري الأخيرة مثيرة بقدر ما هي مفاجئة,وفيها تضارب معين.هل هو مقصود للتمويه علي ما يجري وراء الكواليس؟المهم بات الأسد يري إمكانية جادة للسلام.قال إن:المفاوضات غير المباشرة فتحت الباب للسلام.وقال أيضا:المفاوضات مع إسرائيل تقرب السلام بين الدولتين.وكان الرئيس السوري قد أعلن أيضا أن:سورية نقلت لإسرائيل مسودة لاتفاق سلام.وقال:إن السلام ممكن خلال نصف سنة.
من جهة أخري سمعنا وزير الدفاع الإسرائيلي يدلي بتصريح ,لقناة الجزيرة..في نفس الاتجاه السياسي,حول المسار الإسرائيلي الفلسطيني,قال:إن شرق القدس قد تكون عاصمة فلسطين.وأوضح أن الحديث عن أحياء عربية وقري عربية تابعة لمدينة القدس.وهذا يذكرني باقتراح الرئيس الأمريكي السابق كلينتون في كامب ديفد بين الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عارفات ورئيس الحكومة الإسرائيلية في وقته إيهود براك(وزير الدفاع اليوم),حين اقترح كلينتون ما هو عربي للفلسطينيين وما هو يهودي لإسرائيل.
ويبدو أن الطلب السوري الأساسي بمشاركة الولايات المتحدة في المفاوضات قد ظهرت ملامح الاستجابة له.إذ نشرت صحيفةالشرق الأوسطاللندنية,أن الولايات المتحدة ستشارك عن طريق مراقب في المفاوضات السورية الإسرائيلية التي تجري بمبادرة فرنسا والرئيس ساركوزي شخصيا.وكانت سورية تصر علي مشاركة الأمريكيين,من رؤيتها أنه لا ضمانة لأي اتفاق لا تشارك فيه الولايات المتحدة,وقد تكون سورية بذلك أنجزت مطلبا سياسيا تصر عليه في سياستها التفاوضية مع إسرائيل,وهو عودة أمريكا التي تعتبر مؤتمنة علي تعهد رئيس الحكومة الإسرائيلي الأسبق يتسحاق رابين,حول الانسحاب الكامل تقريبا من الجولان ما عدا بضع عشرات من الأمتار تبقي سورية بعيدة عن مياه بحيرة طبريا,مما يجعل الحديث عن فرص اتفاق سوري إسرائيلي طرحا له فرص كبيرة.
أن ما يجري,تشير ملامحه إلي فض بؤر النزاع بمجملها في الشرق الأوسط.المهمة ليست سهلة إن عدم إيجاد حل لمشكلة اللاجئين سيبقي الأبواب مشرعة أمام انفجارات جديدة في الشرق الأوسط.والطلب الفلسطيني كان واضحا:إيجاد حل للمشكلةمن الواضح للكثيرين,أن طرح عودة اللاجئين إلي بلداتهم التي هاجروا منها عام1948 لم يعد إلا مدخلا للمفاوضات.
الموضوع المركزي سيكون إيجاد حلول إنسانية داخل مناطق الدولة الفلسطينية العتيدة,والموضوع ليس فك مخيمات اللاجئين في الدول العربية ونقلها إلي الدولة الفلسطينية,أنما إيجاد حلول اقتصادية وسكنية وتأهيل وتعويضات وجمع شمل بحدود معينة,وكل حل لا يعطي الأجوبة للواقع الاقتصادية وتطوير المرافق الاقتصادية والشبكات الخدماتية في دولة فلسطينية قادمة,لن يجد أمامه إلا تجدد الصراع واتساعه بمقاييس أكثر اتساعا وعنفا مما عرفناه حتي اليوم…
تبقي إيران وتابعها اللبناني حزب الله.حتي اليوم تصريحات قادة النظام السوري تشير إلي رفض فك الترابط مع حزب الله أو إيران,ولكننا نعلم,أن المطلب السوري الأساسي يتعلق بإعادة الجولان المحتل,والجبهة العسكرية التي يفضلها السوريون في الضغط علي إسرائيل,هي الجبهة اللبنانية عبر الدور العسكري لحزب الله.بعد الجولان ينتهي دور حزب الله.وربما ينتهي الدور الإيراني بمفهومه الاستراتيجي بالنسبة لسورية في واقعها اليوم.
من المهم أن نؤكد أن سورية لا يمكن أن تتخلي عن الدعم الإيراني,ودور حزب الله,مادامت الحلول المطروحة لم تتحول إلي اتفاق واضح يعيد لسورية كامل سيطرتها علي الجولان السوري.ومشاركة تركيا في الوساطة,لها أهمية عظمي للدول الثلاث,إسرائيل وتركيا وسورية,حيث يجري الحديث عن مد خط مياه من الأراضي التركية نحو إسرائيل عبر الأراضي السورية والجولان,وسورية لها مصلحة في مشروع من هذا النوع,يفتح أمامها حل مشكلة المياه في سورية أيضا,حيث يتحكم الأتراك بمصادر المياه التي تدخل الأراضي السورية,وليس سرا القول إن الحروب القادمة في الشرق الأوسط أو غيره,قد تكون المياه هي المسبب الرئيسي لها.
فرنسا,وأوربا عامة,يقلقها استمرار الوضع المتوتر في الشرق الأوسط,فشل المشروع الأمريكي في العراق,يفتح أبوانا عقلانية أكثر,خاصة مع تزايد خطر الإرهاب الدولي الذي تغذي وانتشي بالتورط الأمريكي في العراق.من جهة أخري,أمريكا تفقد دورها بصفتها شرطي العالم,بعد الضربة التي وجهتها روسيا لجورجيا,القاعدة الأمريكية في المفاهيم السياسية والأمنية أيضا,بات من الصعب علي الولايات المتحدة أن تتصرف كدولة شرطة دولية.روسيا تستعيد دورها الدولي.روسيا لها مصالح كونية تضررت بالهجوم الأمريكي علي العراق,وبانفراد أمريكا في السيطرة والقرار,والتهديد لإيران كما يبدو يشكل خطرا علي مصالح روسية استراتيجية.
إن الرؤية أن روسيا تستعيد دور الاتحاد السوفييتي,هو من باب التشبيه فقط,روسيا دولة مختلفة تماما عن النظام السوفييتي ومصالحه الدولية والسياسية,روسيا مصالحها قد تتصادم مع دول مختلفة,تماما كما تتصادم مصالح أمريكا مع العديد من دول العالم.
القلق الذي يساور أوربا من حريق جيد ضخم في الشرق الأوسط,يجعلها تندفع بقوة في محاولة لإيجاد مخرج,آمل لا يكون مجرد تسكين أوجاع,أو إطفاء حرائق منعا لانتشارها الأوسع.لأن الواقع المأزوم لن يمهل المتفائلين طويلا,وسرعان ما سنري,إذا تعثرت المفاوضات السورية الإسرائيلية والفلسطينية الإسرائيلية,نارا قد يكلف اشتعالها ثمنا مؤلما يمتد خارج مساحة الشرق الأوسط,وهذا يعرفه ويعيشه كل المشاركين في الجهود لإخراج الشرق الأوسط من تاريخه الدموي الطويل…
كاتب وإعلامي/فلسطيني