العلاقات الشخصية الحميمة تفرز مجاملات, وذلك أمر محمود في إطار العلاقات الإنسانية, لكن عندما تربط العلاقات الشخصية بين مسئول وأحد ذوي الشأن والنفوذ وتكون المجاملات علي حساب الغلابة وضد المصلحة العامة فإن ذلك يكون أمرا مكروها.
أمامي مستندات شكوي يتظلم فيها أهالي عزبتي بشير وعبدالتواب حمزاوي التابعتين لمركز طامية – محافظة الفيوم – من السيد المهندس رئيس مجلس إدارة شركة مياه الشرب والصرف الصحي بالفيوم.. فعلي مدي ما يزيد علي عشر سنوات ظل أهالي العزبتين يعانون من ضعف مياه الشرب شتاء وانقطاعها تماما صيفا, وكان ذلك نتيجة توصيل مياه الشرب لهم عبر خط مواسير بطول نحو خمسة كيلو مترات, علاوة علي أنه يأتي إليهم من منسوب منخفض عن العزبتين – الأمر الذي كان يتطلب عمل محطة رفع وذلك لم يحدث – كما أن ذلك الخط كان يغذي في طريقه إليهم قرية دوار جبلة ذات التعداد السكاني الكثيف الذي يمتص النصيب الغالب من ضغط المياه في الخط ولا يترك لهم سوي النذر اليسير.
منذ نحو العامين تقدم الأهالي المعذبون بطلب إلي السيد محافظ الفيوم للموافقة علي توصيل خط مواسير بديل إلي العزبتين بطول يقل كثيرا عن الخط الذي يعانون منه – كيلو مترين بدلا من خمسة كيلو مترات – علاوة علي أنه يأتي إليهم من منسوب مرتفع فلا يفقد خلاله ضغط المياه, ولا تستنفد مياهه في الطريق علي كثافات سكانية أخري, وكان أن حصلوا علي جميع الموافقات اللازمة نتيجة عدالة وموضوعية طلبهم, وتم بالفعل توصيل خط المواسير الجديد في منتصف عام 2006 بواسطة شركة الفيوم لمياه الشرب والصرف الصحي, وعاد أهالي العزبتين ينعمون بوفرة المياه وثبات تدفقها.
إلا أنه كان هناك من لم يعجبه ما حدث وهو أحد السادة المستشارين الذي يمتلك قطعة أرض تطل علي الطريق الترابي الذي تم توصيل خط المواسير الجديد عبره, فقام سيادته برفع دعوي مستعجلة يتضرر فيها من أن خط المواسير تم تنفيذه بالاعتداء علي ملكيته, حيث إن الطريق الترابي ضمن أرضه, لكن ذلك الادعاء تم تفنيده من أكثر من جهة علي النحو التالي:
** قامت الوحدة المحلية لمركز طامية بالفيوم بتشكيل لجنة لمعاينة الطريق محل النزاع حيث أفادت في تقريرها الصادر بتاريخ 2007/7/2 بأنه طريق ترابي بعرض حوالي أربعة أمتار وبطول كيلو مترين تمر عليه حركة الجرارات الزراعية والسيارات وأنه مستخدم بواسطة أهالي المنطقة من أكثر من نصف قرن.
** أقرت مديرية الطرق والنقل بمحافظة الفيوم في خطابها المؤرخ بـ 2007/11/18 بأن الطريق محل النزاع مثبت علي الخرائط المساحية منذ عام 1901 وبه خدمات مرافق عامة من خطوط كهرباء ومياه ومصرف للأراضي الزراعية وأنه يعتبر من طرق المنافع العامة التي لا يجوز إلغاؤها علاوة علي أنه مفتوح للمرور.
** بناء عليه وبعد فحص تلك الأوراق انتهت نيابة طامية بالفيوم إلي حفظ المحضر المحرر من السيد المستشار – إداري رقم 3858 لسنة 2007 – بعد ما تبين لها عدم أحقيته في تضرره من خط المواسير وفي ادعائه بأن الخط يمر في طريق خاص داخل ملكيته.
** خلص تقرير هيئة مفوضي الدولة في الدعوي المرفوعة من السيد المستشار والمودع محكمة القضاء الإداري – دائرة بني سويف والفيوم – في ديسمبر 2007 إلي أن:” … الطرق والشوارع والترع والقناطر والجسور وغيرها المخصصة للمنفعة العامة أي المخصصة لاستعمال الجمهور تعتبر أملاكا عامة وتكون مخصصة للمنفعة العامة… ولما كان الطريق المتنازع عليه مخصصا بالفعل للاستعمال ويمر به الناس ودوابهم ووسائل النقل دون تحديد أو تخصيص منذ ما يزيد علي خمسين عاما, ولما كانت هذه المدة وتلك المظاهر كافية لتخصيصه للنفع العام, فإن قيام الجهة الإدارية بتوصيل خط المياه به هو قرار سليم بمنأي عن الإلغاء متفق وأحكام القانون وفقا للسلطة المخولة لها وعليه تكون دعوي المدعي غير قائمة علي سند من القانون, جديرة بالرفض….”
إلي هنا وتعتبر المسألة منتهية ويسدل الستار علي نزاع عادي قد ينشأ بين خصمين وتتولي السلطات المسئولة الفصل فيه… لكن مشكلتنا نحن تبدأ من هنا, إذ لم يقتنع السيد المستشار بما انتهي إليه الأمر وسعي لدي رئيس مجلس إدارة شركة مياه الشرب والصرف الصحي بالفيوم لتغيير الأمر الواقع وتحويل مسار خط المياه الذي أنهي عذاب أهل العزبتين. والغريب هو أن رئيس الشركة الذي سبق وأن أقر بأن الخط موضوع النزاع تم تنفيذه باتباع أفضل مسار من الناحية الفنية, يرضخ لمسعي سيادة المستشار ويشرع في إجراء دراسة لتوصيل المياه إلي العزبتين عبر المسار القديم الذي عانوا منه طويلا والذي تعترضه مشاكل كثيرة تهدد انتظام وصول المياه إليهم!!
الأمر يستعصي علي الفهم ويستدعي تحقيق الأجهزة المسئولة, لأنه بعد الآراء الفنية والقانونية التي أوردتها المستندات يبدو أنه خرج عن الإطار الموضوعي للخصومة ليتحول إلي صراع عضلات بين من يفرض نفوذه وسطوته ومن يجب عليه أن يرضخ!!… فلست أدري, ما الضرر من دفن خط مواسير في باطن طريق ترابي مثله مثل باقي خطوط المرافق التي يضمها ذات الطريق ثم إعادة الحركة والانتفاع إلي الطريق كما كانت منذ نصف قرن دون أدني تغيير في انتفاع الناس به أو انتفاع سيادة المستشار منه؟… وهل هناك في باطن الأوراق شئ لا نعلمه يدفع رئيس شركة المياه للعدول عما قام بتنفيذه إرضاء لسيادة المستشار؟.