عندما تناولت منذ بضعة أسابيع التقرير الإخباري الذي بثته قناة الـبي.بي.سي البريطانية عن الأحوال المتردية في الشارع المصري,قلت أننا في حاجة إلي مواجهة شجاعة مع واقعنا المروري تفتح ملف خصخصة المرور برمته,أي الفصل الصريح بين إدارات وكوادر وتأهيل رجال المرور وبين إدارات وكوادر وتأهيل رجال الشرطة…هذا لأن الخلط بين الاثنين أورثنا جهازا مروريا ضعيف التأهيل جدا يرتكب أخطاء في منتهي الخطورة بينما يتمتع بهيبة وحصانة وعدم مساءلة جهاز الشرطة…وليس أدل علي ذلك من قانون المرور الجديد الذي ترك عورات تخطيط الطرق والعلامات الإرشادية بها وتخلف تأهيل رجال المرور وتردي أحوال إدارات المرور فيما يخص تأهيل وإجازة قائدي المركبات,علاوة علي الإجازة الفنية للمركبات نفسها…ترك القانون كل ذلك وركز فقط علي تغليظ العقوبات والإيقاع ببعض المخالفين لعقابهم بالإضافة إلي المثلث والحقيبة….وحتي وسائل الإيقاع بالمخالقين جاءت متخلفة متسلطة في صورة كمائن مرورية منصوبة في عرض الطريق في أي مكان وزمان تعترض سيولة الحركة وتعرقل التدفق بمقولة التفتيش عن المخالفين الذين ينحصرون في هذه الحالة في المخالفات البسيطة مثل عدم استخدام حزام الأمان أو التحدث في المحمول أثناء القيادة وهي الأمور التي سبق أن كتبت أنها ساذجة لأن أي سائق عاقل سوف يتنبه من تكدس السيارات أمامه إلي أن هناك كمينا للتفتيش فيبارد سريعا بربط حزام الأمان والتوقف عن استخدام المحمول لحين المرور من الكمين…بينما سائر مخالفات وجرائم السير التي تستمر ترتكب في كل شارع وفي كل لحظة ماضية,كما هي في انتظار تفعيل ما سمعناه كثيرا من قيادات المرور عن الدوريات الراكبة سواء كانت دراجات بخارية أو سيارات تراقب الحركة وترصد التجاوزات وتمتلك قدرة التعقب والمطاردة والردع للمخالفين….وهذا ما لا نلمسه في الشارع حتي اليوم,ويستمر المخالفون يخرجون ألسنتهم للقانون ولرجال المرور-أقصد رجال الشرطة-كل لحظة.
كما أن التنسيق الغائب بين إدارات المرور والمحليات من العوامل السلبية التي تفرز مشاكل في الشارع المصري,لأن المحليات لها دور واضح في تخطيط الطرق ووضع سائر اللافتات الإرشادية وضبط وتحديث شتي الخطوط البيضاء المرسومة عليها,وتوفير أماكن انتظار السيارات بما يتناسب مع كثافة الحركة والتفتيش اليقظ المستمر عن أحوال الطرق وما قد يعتريها من تآكل يستلزم الصيانة والإصلاح…لكن للأسف التنسيق كما قلت غائب والمجاملات بين الأجهزة الرسمية سائدة بحيث يتستر كل منها علي نقائص وأخطاء الآخر,ويكفي كل طرف أن يدفع بالمسئولية بعيدا عنه بأن يقول إن المطلوب عمله يقع علي عاتق الطرف الآخر…ولا يخفي علي أحد أن ما يسمح بذلك هو انعدام الرقابة والمساءلة,فكلها أجهزة حكومية رسمية مهمتها ادعاء تطبيق القانون بينما هي نفسها لا تخضع للقانون أبدا.
وأذكر في هذا السياق واقعة في منتهي الغرابة عايشتها وعاينتها بنفسي في شارع رئيسي في مدينة 6أكتوبر-وأقول شارع رئيسي لأن سرعة المرور فيه مكفولة وبالتالي فإن العيوب التي تظهر علي استواء الأسفلت إذا تركت تكون كارثية وتتسبب في حوادث قد تكون مهلكة للسيارات ومن فيها…ففي ذلك الشارع فوجئت ذات يوم بمطب خطير لم أستطع تفاديه وإذا به من النوع المهلك الذي يتكون من ارتفاع كبير يخفي وراءه مباشرة انخفاضا عن مستوي الطريق,ومن سبق له الوقوع في مثل ذلك المطب الذي أطلق عليه الشرك لشدة خطورته يعرف كيف يفقد السيطرة علي السيارة التي تكاد تطير في الهواء قبل أن تستقر ثانية علي الأسفلت,ويكون القدر هو الذي يحدد كيف تستقر وفي أي اتجاه وماذا يحدث لها أو لأي سيارة أخري بجوارها أو قادمة خلفها.
شاءت العناية الإلهية أن أنجو من الهلاك وأمر بسلام من ذلك المطب,وتساءلت:ماذا عن الإدارات المحلية في 6أكتوبر؟…هل لديها نظام دوري للتفتيش علي الطرق وصيانتها ورأب التصدعات فيها؟…وماذا عن إدارات المرور؟…هل تبقي آخر من يعلم لأن مثل تلك القنابل الموقوتة لا تخصها أللهم إلا إذا وقع هذا الطريق ضمن خط سير مسئول أو وزير؟…وجاءت الإجابة علي تساؤلاتي تدل علي يقظة الأجهزة المعنية وسرعة رد فعلها,أتعرفون كيف؟…الأسبوع التالي حرصت علي التمهل أثناء قيادتي في ذات الطريق حتي أتنبه لذلك المطب المهلك وأتفاداه,وإذا بي قبل الوصول إليه أجد لافتة كبيرة تم وضعها علي جانب الطريق تقول:احترس مطب خطر جدا..وكدت أفقد السيطرة علي عجلة القيادة مرة أخري,لكن ليس بسبب المطب إنما بسبب هول الدهشة ونوبة الضحك التي أصابتني,فالأجهزة المعنية لم تبادر بإصلاح المطب إنما بذلت من الجهد والوقت والتكاليف لوضع لافتة لم يسبق أن رأيتها في أي بلد في العالم ولا حتي في مصر….إذ يتم تحذير قائدي السيارات من وجود مطب خطر جدا!!!…وبالمناسبة اللافتة لا تزال هناك,لكن المطب تم إصلاحه.
أعرفتم لماذا يتحتم علينا التفكير في خصخصة المرور؟…وللحديث بقية.