مصر تمر بمرحلة انتقالية بعد ثورة 25 يناير…مرحلة تشهد أحداثا غير معهودة وتتطلب سياسات مؤقتة تتناسب مع الظروف الاستثنائية….من يعايش طبيعة هذه المرحلة ويدرك مخاطرها يتفهم تماما أسباب اللجوء إلي القرارات الاستثنائية. أقول ذلك علي أثر موجة الغضب والاحتجاج التي تفجرت عقب الإعلان عن تفعيل حالة الطوارئ وتحديد الحالات التي يتم تطبيق السلطات الاستثنائية للطوارئ عليها…فبالرغم من تفشي الجريمة وأعمال البلطجة وتهديد وترويع المواطنين واستباحة أمنهم وممتلكاتهم وحياتهم عيانا جهارا, وبالرغم من شيوع الاعتداء علي المنشآت وقطع الطرق سواء علي المواطنين أو لتعطيل المواصلات العامة والخاصة وإرباك المرافق الحيوية, وبالرغم من استفحال تجارة السلاح وحمل واستعمال الأسلحة بلا ترخيص…بالرغم من كل ذلك وغيره من مظاهر الانفلات الإجرامي التي توحشت بعد الثورة, يطلع علينا الكثيرون من رجال السياسة والرأي ليرفضوا تفعيل حالة الطوارئ ويمطرونا بالتصريحات بأن مواد القانون المدني فيها الكفاية لحماية الوطن والمواطنين, وكأن الأمر لايتجاوز الظروف العادية المألوفة التي لا تستدعي قرارات استثنائية!!
هذه المزايدات التي تلبس ثوب الدفاع عن الديموقراطية وحقوق الإنسان والتي تصور للمواطنين أن السلطة التي تدير شئون البلاد في هذه المرحلة تتحايل لتتربص بهم للإيقاع بأي صاحب رأي أو معارض يجب أن تتوقف لأن أصحابها يعرفون تمام المعرفة أن الهدف من تفعيل حالة الطوارئ ينحصر في أشكال الإجرام التي نص عليها القرار الصادر في ذلك الخصوص, وأن رصيد الانفلات الذي شهدته مصر في الأشهر الستة الماضية بلغ حدا مخيفا, كما أن ترك الأمور علي ماهي عليه دون رادع ونحن مقبلون علي موسم الانتخابات يهدد بانفجار موجات من الإرهاب والبلطجة والعنف لايعلم أحد مداها ولايمكن التكهن بنتيجتها المدمرة علي مستقبل هذا البلد.
إن جميع من اعترضوا علي تفعيل حالة الطوارئ اكتفوا بالاعتراض دون أن يقدموا بدائل فعالة لكيفية السيطرة علي الإجرام المتفشي…جميعهم عبروا عن رفضهم للجريمة ولقطع الطرق ومهاجمة المنشآت والمرافق العامة ولترويع المواطنين وللسرقة والنهب, لكنهم في الوقت نفسه أصروا علي رفضهم تفعيل حالة الطوارئ!!…إذا الأمر لا يعدو أن يكون تشدقا بالعبارات المزركشة دون تقديم البديل الحقيقي الفعال لما يعترضون عليه…وذلك للأسف يذكرني بمظاهرات الاعتراض علي المبادئ الدستورية وإطلاق شعارات زائفة بأن إرادة الشعب وسيادته في كتابة الدستور لا أحد يصادرها بينما لم يتصد أحد هؤلاء لمناقشة المبادئ الدستورية مناقشة موضوعية ليتبين هل هي تصادر حقوق الشعب أم تصونها.. وكذلك في نفس السياق أذكرالهوجة التي انطلقت اعتراضا علي تحديد مبادئ حاكمة لاختيار الجمعية التأسيسية التي ستتولي كتابة الدستور…هوجة تلبس ثوب الذود عن حقوق الشعب الأصيلة في كتابة الدستور وكأن المبادئ الحاكمة تقصي هذا الشعب من كتابة الدستور وتسند المهمة إلي خبراء أجانب!!!….هوجة لم يمتلك أصحابها شجاعة تفنيد تفاصيل المبادئ الحاكمة لنعرف ماذا يرفضون بالتفصيل إذا كانت تلك المبادئ تضمن التواجد الكامل والتمثيل المتوازن لسائر أطياف هذا الشعب وجميع مؤسساته دون تغييب أو إقصاء أحد…فكيف يكون ذلك مؤامرة لإقصاء الشعب؟!!
إن التيارات التي تتولي تفجير هذه الحملات الزاعفة الزائفة التي تستهدف خداع البسطاء وإيهامهم بأنها حريصة علي مصالحهم ومصالح هذا الوطن للأسف لايهمها سوي الانفراد بالسلطة والقرار لتستطيع تمرير أجنداتها الخاصة, وهي في الحقيقية لا تهتم أبدا بمبادئ دستورية راقية تصون مستقبل هذا البلد, ولا يعنيها تمثيل عادل متوازن لمن يكتب الدستور…إن كل ما يعنيها اختطاف المرحلة التي نحن بصددها لتوجيه دفة الأمور نحو ما يخدم أغراضها الخاصة.
لذلك أعود فأقول إن التحدي الذي يواجه كل مواطن مصري في المرحلة المقبلة هو أن يتبصر الخريطة السياسية وموقعه منها, وألا يقصر في فحص جميع البدائل والخيارات حتي إذا جاءت ساعة الحسم وفتحت صناديق الانتخاب لا يتخاذل عن الخروج لأداء واجبه الوطني…صوت كل مواطن ومواطنة له قيمة كبيرة جدا في صناعة مستقبل مصر…احذروا أن تقعوا فريسة الخوف أو الفزع فهناك من التيارات التي تبغي ذلك وتريد أن تلزمكم بيوتكم حتي لا تخرجوا عندما تجئ ساعة الحسم…وتذكروا جيدا أن السيطرة علي العنف والإجرام والانفلات الذي طالما صاحب العملية الانتخابية وأبعد الكثيرين من البسطاء المخلصين لمصر عنها سيتم كبح جماحه بفضل تفعيل الإجراءات الاستثنائية لحالة الطوارئ…إذا الأمر ليس مؤامرة للإيقاع بالمواطنين أو للتربص بأصحاب الرأي…إنه إجراء مؤقت لتأمين المواطن ولأمن الشارع حتي نعبر المرحلة الانتقالية المقبلة.