كتبت عدة مرات عن المشاكل التي تعترض ترخيص وبناء مباني الخدمات التابعة للكنائس,سواء كانت تلك المباني ملحقة بالكنائس في ذات موقعها أو مجاورة لها في موقع آخر أو حتي بعيدة عنها في حي آخر أو مدينة أخري…لا يهم مقدار تباعد هذه المباني ولا يهم الاستخدام الذي تبني من أجله,إنما المهم أنها تابعة لكنيسة فتكون في نظر السلطة الرسمية والسلطة الأمنية خاضعة لأحكام بناء الكنائس,وتسري عليها الإجراءات المتعسفة البطيئة التي تتحكم في الكنائس,ومهما حاول المعنيون بأمر مباني الخدمات تلك إثبات الاستخدام المطلوب لها مثل دور المسنين أو بيوت الطلبة المغتربين أو ملاجئ الأيتام أو فصول مجموعات التقوية المدرسية أو المستوصفات الطبية أو قاعات المناسبات,وكلها من الخدمات المطلوب بإلحاح,وتقوم بها المساجد والكنائس علي السواء,تظل نوعية هذه المباني الخدمية إذا كانت تابعة لكنيسة في موضع المعاملة المتعسفة وعرقلة الإجراءات وعليها أن تثبت أنها بريئة من تهمة تتهمها بها السلطات,وهي أنها مبيتة النية للتحول سرا إلي كنيسة!!
وبالرغم من عدم عدالة أي اتهام يفتقر إلي أدلة,وأن المبدأ القانوني يقضي بأن المتهم برئ حتي تثبت إدانته,تستبيح السلطات مضايقة الكنائس في مباني الخدمات التابعة لها,دون أن تسأل نفسها لماذا يوجد الشك في تحول أنشطة غير كنسية إلي أنشطة عبادة أصلا؟…وطبعا الإجابة التي تهرب من مواجهتها السلطات هي أن التشريعات الحاكمة لترخيص وبناء الكنائس لا تزال قاسية ومتعسفة ومتسلطة,بحيث يصل الأمر ببعض طالبي الترخيص أن يصيبهم اليأس من موافقات لا تأتي,ومن المهانة والإذلال الذي يتعرضون له من جانب السلطات المسئولة,فيضربون عرض الحائط بالإجراءات والموافقات ويشرعون في البناء دون ترخيص,ونحن هنا لا نبارك تجاوز القانون لكننا في المقابل لا يمكن أن نغض النظر عن واقع الفرز والتفرقة بين المصريين فيما يخص دور العبادة,وأن علاج تجاوزات البناء دون ترخيص لا يمكن أن يتحقق بمزيد من المنع والتسلط والاتهام,إنما بإعادة النظر في العسر والشح المتصلين ببناء الكنائس,وبإصدار القانون الموحد لبناء دور العبادة لتوحيد التشريعات بين المصريين في هذا الخصوص.
وحتي يتم ذلك ستظل تنفجر المشاكل بين الحين والآخر,ومن أمثلة ذلك ما حدث الشهر الماضي في موقع مبني خدمات بمنطقة كنج مريوط تابع لكنيسة أبي سيفين بأمبروزو بالإسكندرية…المبني بعيد جدا عن الكنيسة ويستخدم دارا لإيواء المسنين والأرامل والأيتام,اشترت الكنيسة الأرض من مالكها الأصلي رسميا وانتقلت إليها الملكية,كما أقامت المبني الذي عليها بموجب ترخيص مباني رقم11569لسنة2007,ورغم علم كافة المسئولين بانتقال الملكية إلي الكنيسة,وبأن المبني المقام علي الأرض يستعمل دارا للمسنين والأرامل والأيتام,إلا أن قرارا صدر عن حي العامرية برقم115بتاريخ2008/2/10 بإزالة, المبني!!!….ولم يعرف القائمون علي الكنيسة مالكة الأرض والمبني سببا لقرار الإزالة فتقدموا بالطعن في القرار أمام محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية بتاريخ2008/3/25,وتم نظر النطق حتي تحددت جلسة الطعن بالحكم بتاريخ2008/11/29, وقضت المحكمة بوقف قرار الإزالة الصادر من حي العامرية.
إلي هنا والأمر طبيعي ويجب أن يسعد القائمون علي الكنيسة والمبني بالحكم الذي رسخ حقهم في الملكية وفي مبني الخدمات,لكن ما لايعرفه القراء أن وقت نطق محكمة القضاء الإداري بالحكم كان بعد تسعة أيام من انقضاض مسئولي حي العامرية علي المبني مستعينين بالقوات والمعدات وإغلاقهم الشوارع المؤدية إليه وتدميره تماما بدعوة تنفيذ قرار الإزالة,وبالرغم من إخطارهم رسميا بأن الأمر منظور أمام القضاء وتحددت جلسة الحكم فيه!!!…سارعت أجهزة حي العامرية بكل إصرار وترصد بهدم المبني ولسان حالها يقول:الهدم أولا لئلا يحكم القضاء بغير ذلك,وقامت بهدم السور المحيط بالأرض وتحطيم البوابتين المثبتتين به,ثم قامت باقتحام المبني وتحطيم الأبواب والشبابيك ودرابزينات البلكونات والحوائط,وبعد ذلك وإمعانا في الإتلاف قامت بتحطيم الأثاث بمطعم المبني ومرافقه!!!
وقف المسئولون عن المبني يرقبون كل ذلك ويعجزون عن منعه ويتساءلون عن معايير المساواة والعدالة والمواطنة التي تطل عليهم من الدستور ويتشدق بها الجميع,وكتموا حسرتهم وحنقهم حتي كان صباح 29نوفمبر الماضي وصدور حكم محكمة القضاء الإداري بوقف قرار الإزالة,فأصبح التساؤل:من المسئول عن تدمير المبني دون انتظار حكم المحكمة؟ومن يعوضهم عن الخسائر المادية التي لحقت بهم والخسائر الأدبية والنفسية التي تفوقها؟أما من مساءلة وحساب وعقاب لأولئك الذين استباحوا أن ينتهكوا كل الأعراف؟…أما من قرار سيادي يصدر بإعادة بناء المبني الذي تم هدمه ظلما واندفاعا علي نفقة الدولة؟…أما من تصرف رسمي يرد اعتبار مبني خدمات جريمته الوحيدة أنه تابع لكنيسة!!!آرايتم مقدار الهوان والتسيب الذي وصلنا إليه في عصر تتصدر فيهالمواطنةمواد الدستور؟