انتهت انتخابات مجلس الشعب وأصبح لمصر مجلس شعب جديد لخمس سنوات مقبلة-2015/2010- إذا أكمل هذا المجلس مدته التشريعية…الواضح أننا أمام مجلس يسيطر الحزب الوطني علي تشكيله بأغلبية كاسحة حتي يكاد يصلح أن نطلق عليهمجلس الشعب الوطني…أما عن كيف حدث ذلك وهل هذه الأغلبية الكاسحة مستحقة لتفوق الحزب الوطني ومرشحيه علي سائر الأحزاب والمستقلين المرشحين, فهذه مسألة ينبغي التروي في بحثها انتظارا لسيل من تقارير المنظمات والمجموعات التي قامت بمتابعة ومراقبة الانتخابات وهي الآن عاكفة علي تجميع وتحليل ما رصدته من وقائع تمهيدا لإصدار تقاريرها عن العملية الانتخابية برمتها…لذلك أؤجل الخوض فيما حدث لأسابيع مقبلة يستقيم عندها هذا الحديث.
أتصور أن أروقة الحزب الوطني الديموقراطي الآن تفيض زهوا بالنتيجة التي حققها الحزب وبسيطرته الكاملة علي البرلمان, لكن وسط أفراح الانتصار ومشاعر الاطمئنان بالسيادة الكاملة علي الحياة التشريعية, هل توجد أصوات حكيمة عاقلة تتولي تقييم ما حدث وتبحث عن التوازن المفقود في مجلس الشعب بين الأغلبية والمعارضة؟!!…هنا ينبغي مناقشة الفكر السياسي الذي يحكم حزب الأغلبية ومحاولة ترويض هذا الفكر وتطويع أو تطوير الآليات التي تحكم العملية الانتخابية للخروج من مأزق البرلمان ذي الحزب الواحد والذي يذكرنا بالمسرح التجريدي-أو مسرح اللامعقول-الذي يقدم الأعمال المسرحية ذات الممثل الواحد!!
لست أتعرض للتشكيك في تميز الحزب الوطني, كما أنني لا أستسلم لما يشاع عن ضعف الأحزاب وعدم قدرتها علي منافسة الوطني, لكني أفتقد في هذا المشهد الخيال السياسي الناضج الذي يؤمن بضرورة توفير حد أدني من التمثيل المتنوع في المجالس المنتخبة ضمانا للتمثيل الواقعي العادل لشتي فئات الشعب ومختلف التيارات السياسية وسعيا نحو عملية ديموقراطية تعكس الرأي والرأي الآخر ويتسع صدرها لسجالات راقية شفافة بينهما حتي يمكن تأمين رقابة حقيقية فعالة علي السلطة التنفيذية من قبل السلطة التشريعية, وحتي يتسني إفراز مناقشات جادة مستفيضة داخل المطبخ البرلماني إزاء عملية إعداد وطهي التشريعات والقوانين.
لذلك لايمكن اختزال ما يقال عن التفوق الساحق للحزب الوطني وما يتردد علي لسان مسئوليه عن التقاعس الغريب لباقي الأحزاب والمستقلين في أنه نجاح باهر بكل المقاييس- لأنه ليس كذلك- فالحكم علي التجربة الانتخابية وعلي حصول الحزب الوطني علي ما يتجاوز كثيرا جدا, أي أغلبية برلمانية مطمئنة لايمكن أن يؤخذ بمنطق تلميذ امتحان الثانوية العامة الذي لايهمه سوي الحصول علي مجموع100% بشتي السبل, ليؤمن لنفسه مكانا في الكلية الجامعية التي يرغب في الالتحاق بها!!! فالإيمان بحياة برلمانية صحية عفية يستلزم فكرا سياسيا يسعي للفوز بأغلبية مطمئنة تضمن استقرار المسار التشريعي وتوفر المناخ الهادئ لتنفيذ الخطط والبرامج التي تحقق أهداف الحزب في العمل الوطني والتنموي, وفي الوقت نفسه تترك هامشا معقولا يتسع لمشاركة الآخرين ويسمح بالمنافسة الحزبية المعبرة عن التعددية ويغامر مغامرة محسوبة بإتاحة معارضة ناضجة, لأن كل ذلك يصب في النهاية في صالح حزب الأغلبية وفي صالح العمل الوطني إذ يؤكد أن الحصيلة التشريعية الناتجة عن ذلك المناخ قد مرت خلال قنوات التفنيد والدراسة والتمحيص ونجحت في الصمود أمام المعارضة والتشكيك فخرجت في النهاية قوية بلا نقاط ضعف أو بواطن خلل.
كذلك رقابة البرلمان علي الحكومة وتقييم أدائها أولا بأول, كيف يمكن أن يطمئن الشعب إلي تفعيل ذلك بشكل جاد لا تشوبه مجاملات أو تساهلات من جانب السيطرة الكاملة للحزب الحاكم-حزب الحكومة- علي تشكيل البرلمان؟!…إن أفضل المتفائلين بالنتيجة التي انطوت عليها الانتخابات باتوا يتحدثون عن المسئولية الخطيرة الملقاة علي عاتق نواب الحزب الوطني حيث بات عليهم أن يقوموا بدور المعارضة -بعد أن تم إقصاؤها- في رقابة عمل الحكومة….وهل ينجحون في ذلك أم يتغلب عليهم التزامهم الحزبي وما سبق أن عايشناه من تلافي إحراج الحكومة والتزام الرقة في مساءلتها؟!!
وأخيرا…وهو أشد ما يقلقني…هل ما حدث وما وصلنا إليه زاد من قناعة المصريين بضرورة المشاركة في العملية السياسية وبأن صوتهم مهم جدا في حكم بلدهم؟, أيضا أتمهل في الإجابة علي هذا السؤال انتظارا للتقارير والدراسات التي ستفرزها المراكز الحقوقية ومراصد العملية الانتخابية…لكن بالقطع نحن نواجه تحديات تشريعية خطيرة تنتظر مجلس الشعب الجديد, بدءا من إعادة النظر في نظامنا الانتخابي لعلاج القصور والعوار اللذين يكتنفانه بالإصرار علي النظام الفردي وعدم إقرار نظام القائمة النسبية ومرورا علي أجندة تشريعية تعالج الخلل في حقوق المواطنة بين المصريين…وهذا حديث يتواصل لحتميته وإلحاحه مع بدء الدورة البرلمانية.
———-
عتاب لرئاسة تحريرالأهرام
المقال المنشور في الصفحة الثانية منأهرام 6ديسمبر الجاري مذيلا بتوقيع الأستاذ عبد الناصر سلامة ويحمل عنوانأقباط 2010 يزخر بلغة هجومية تحريضية علي الأقباط والكنيسة وقداسة البابا شنودة علاوة علي حشده لمعلومات ظاهرها أنها تاريخية بينما حقيقتها أنها عارية عن الصحة وبلا أدلة وتنتمي إلي خيال الكاتب…عتاب موجه إلي رئاسة تحرير وديسك الأهرام اللذين سمحا بنشر هذا المقال الهدام, فنحن فيوطني نتعرض لمثل هذه المواقف ونتدخل لضبطها وإلا أصبحت وطني مرتعا غير مسئول للأهواء والمغامرات.