من أكثر الأمور المسكوت عنها قبحا في ملف المرأة المصرية موضوع الميراث, فمهما تطور المجتمع وازداد وعيه بضرورة تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة يظل موضوع الميراث خارج دائرة الحوار وغير مقبول من الرجل الخوض فيه…وفي الوقت الذي اعتقد البعض أن القضية تتعلق بالمساواة بين الرجل والمرأة في نصيب كل منهما من الإرث ووضع حد للشرع السائد الحاكم بأن للذكر نصيب الانثيين, صفعتنا الحقيقة المرة بأن الأنثي في قطاعات لا يستهان بها في مجتمعنا لا نأخذ حتي نصف نصيب الذكر إنما لا تأخذ شيئا علي الإطلاق!!!
معتقدات قديمة ضاربة في جذور الثقافة المصرية آن الأوان لمراجعتها,لكن لأن الرجال هم حجر الزاوية في تقرير الأمور ولأنهم مستفيدون من بقاء الأوضاع كما هي عليه يبقي ذلك الأمر تحت السطح لا يمتلك أحد شجاعة وأمانة إثارته ودفعه علي مائدة الهموم المجتمعية المصرية لعلاجه…ويظل الخلل سائدا ويستمر الغبن واقعا علي كثير من المظلومين والمحتاجين-أقصد المظلومات والمحتاجات-ويعجب المرء كيف أن مصر القديمة قدست الأم وبجلت المرأة وساوت بينها وبين الرجل حتي أن تاريخ مصر يفخر بالمرأة حاكمة تجلس علي قمة السلطة,ثم تلت ذلك عصور أعطت للمرأة هيبتها واحترامها ولم نفرق بينها وبين الرجل, ويذكر الدارسون في التاريخ القبطي أن التشريع القبطي الذي وضعه أولاد العسال حدد أنصبة متساوية للمواريث توزع بين الذكور والإناث…فما بالنا مازلنا تفرز بينهما ونبرر ذلك بمقولات عفا عليها الزمن مثل: الولد بيعول البنت وبيصرف عليها يبقي لازم يأخذ أكثر منها ومثل البنت مصيرها الجواز وفلوسنا ما تروحش لراجل غريب!!!
وتظل هذه التبريرات الواهية تسود ويستمر الرجل في حصد نصيب الأنثيين, أو حتي في استحلال مصادرة إرث الأنثي تماما وأغتصابه لنفسه فيأخذ ما يعتقد أنه حق الرجل بينما يفرط في واجب الرجولة…وكم من حالات مؤلمة نسمع عنها لأرامل فقدن أزواجهن ويقمن بتربية وإعالة بنات, أو لفتيات لم تتزوجن وقد استولي ذووهن من الرجال علي ميراثهن دون أن يتحملوا أية مسئولية تجاههن…فأين واجب الإعالة؟…وأين شهامة الرجولة؟
أمامي رسالة مؤسفة تصرخ من جراء هذا الواقع القبيح جاءتني من السيدةس.غمن بني مزار- المنيا تقول فيها:
أنا أرملة توفي زوجي من سبعة عشر عاما وترك لي طفلتين الكبري عمرها أربعة أعوام والصغري عامان. وبالرغم من الظروف القاسية التي واجهتني أكرمني الله في تحمل مسئولية تربيتهما وتعليمهما حتي أصبحتا اليوم الكبري في الفرقة الثالثة بكلية الطب بجامعة قنا والصغري في الفرقة الأولي بكلية الطب بجامعة بني سويف…مشكلتي التي أعاني منها منذ وفاة زوجي والتي ألقت بظلال كئيبة علي حياتي وحياة ابنتي هي رفض إخوته إعطاءنا نصيبنا في ميراثه لديهم ولم تفلح مطالباتي المتكررة وإلحاحي عليهم في زحزحتهم عن صلفهم وقسوتهم وتنكرهم لحقنا, الأمر الذي دفعني للجوء للقضاء حيث أقمت دعوي قضائية قيدت برقم 120 لسنة 1995 حسبي جزئي بني مزار, ثم رقم 503 لسنة 1999 حسبي كلي بني مزار, وفي عام1998 حصلت علي حكم المحكمة بميراث شرعي لي ولبناتي قدره أربعة أفدنة وستة قراريط من الأرض الزراعية…وبطبيعة الحال قام إخوة زوجي باستئناف الحكم واضطررت للانتظار أربع سنوات أخري حتي تم تأييد الحكم عام2002…ووسط فرحتي بصدور حكم الاستئناف اكتشفت أن ذلك ليس نهاية طريق التقاضي فالحكمة الحسبية ليست لديها السلطة التنفذية واحتاج الأمر إقامة دعوي مدنية رقم179 لسنة 2002 مدني كلي بني مزار ثم رقم33لسنة 2008 مدني جزئي بني مزار حيث جاء الحكم نهائيا مشمولا بالنفاذ ولكن بغرابة شديدة تقلصت المساحة المحكوم لي بها من أربعة أفدنة وستة قراريط إلي فدان واحد ونصف الفدان من الأرض الزراعية وهو ما يمثل ثلث حقي الفعلي…وارتضيت الحكم-أو رضخت له- ولم أشأ الاعتراض لأنه كفاني نزيف السنين التي ضاعت في ساحات المحاكم من1995 إلي 2008 علاوة علي أن ابنتي أصبحتا في أشد الاحتياج لذلك الإرث ليعينهما علي دراستهما ومعيشتهما…لذلك شرعت في المطالبة بتنفيذ الحكم الذي تحدد له الأسبوع الماضي وتحديدا الأحد الماضي 20يونية, لكن ما صدمني وأفزعني وجعلني أشعر بالعجز والقهر لأول مرة منذ وفاة زوجي أن إخوته الذين سأسترد الأرض منهم قاموا بتهديدي بأنهم سوف يقومون بالاستيلاء علي الأرض مرة أخري فور قيام السلطات المعنية بتسليمها لي, فهم ما يزالون معتقدين أنني باستردادي الأرض تنفيذا لحكم القضاء قد استوليت علي جزء من أملاكهم وخرجت عن طوعهم وتحديت إرادتهم!!!…إنني أشعر بالضياع والحيرة,فهل من سبيل لحماية أرضي من إعادة الاستيلاء عليها؟…وهل تقف إلي جواري أجهزة المحافظة والأجهزة الأمنية لحمايتي وحماية ابنتي من هذا الإرهاب؟
***هذه الرسالة أرفعها إلي السلطة المحلية والأمنية بمحافظة المنيا لعله يمكن عمل شئ لحماية هذه السيدة من المصير الذي يحيق بها…ولكنها تبقي رسالة تفضح الخلل البشع في مجتمعنا والمتصل بحق أصيل من حقوق المرأة, وسكوت المجتمع عن الظلم الفادح الناتج عن هذا الخلل…أين الرجولة المصرية؟…وإذا كانت غائبة أين الضمير المصري؟
==================
أ/صبري رمسيس مكسيموس(1934-2010)
ورقة عزيزة تسقط من شجرة وطني
ودعت وطني الأسبوع الماضي أحد الرواد الذين عاصروا نشأتها, وأسهموا في مسيرتها بكل تفان وإخلاص وحب…رحل عن عالمنا الأستاذ صبري رمسيس مكسيموس الذي تدرج ضمن كوادرها الإدارية والمالية حتي شغل مرتبة قيادية في أسرتها. عرفه المحررون كوجه ثابت في المكاتب, كما عرفه سكرتيرو التحرير كنحلة دءوبة تطير بلا كلل, تتابع كل ما يتصل بالطباعة والتوزيع…كما كان الأستاذ صبري رمسيس مكسيموس أحد القلائل الذين لم يغيبوا عن وطني خلال فترة احتجابها(1981-1984), واستمر محل ثقة الأستاذ أنطون سيدهم يؤدي عمله حتي عاودت الجريدة الصدور. الأستاذ صبري رمسيس ينتمي إلي جيل الزمن الجميل, فعندما حان وقت تقاعده وتكريمه أبي أن يستريح, واستمر يأتي إلي مكتبه مبكرا كل صباح حتي حان وقت الرحيل…وكما شغل مكانا ثابتا علي مكاتب وطني رحل وهو يشغل مكانا عزيزا في ذاكرتها وفي قلوبنا جميعا.