ضمن تداعيات حريق مجلس الشوري وتأكيدا علي استيقاظ الإدارة المصرية من سباتها العميق,أصدر الدكتور أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء الأسبوع الماضي قرارا بتشكيل لجنة دائمة تابعة للمجلس تتولي التحقق من توفر اشتراطات الأمن والطوارئ والتأمين ضد الحريق في جميع المباني والمنشآت الحكومية والعامة بصفة عامة والأبنية ذات الطابع الأثري والتاريخي بصفة خاصة.
من يقرأ فحوي قرار الدكتور نظيف من غير المتخصصين في الشئون الهندسية سوف يستريح إلي باقة التفاصيل التي أوردها القرار من حيث تجهيز المباني بشبكات الأمان والإنذار ومقاومة الحريق,علاوة علي تطبيق آليات التدريب للكوادر المسئولة عن الأمن وإدارة حالات الطوارئ وإخلاء المباني في الأزمات…ولم ينس القرار النص علي إيجاد غرفة عمليات دائمة للطوارئ في كل مبني يتم التفتيش عليها,للتأكد من استعدادها الدائم للتدخل في اللحظات الحرجة والسيطرة علي الموقف.
أقول إن غير المتخصصين سوف يستريحون إلي مضمون القرار الذي يتصورون أنه أتي بجديد لتعويض نقص في المباني الحكومية والعامة-وإن كان الكثيرون سيرتابون من جدية تطبيق متابعة تنفيذ القرار لأنهم يعرفون الشدة والصحوة الإدارية التي تنتابنا عقب كل مصيبة-أما المتخصصون في الشئون الهندسية فأثق أنهم سيقرأون القرار بمزيج من الاستنكار والخجل علي الحال الذي وصلنا إليه من ترهل الإدارة وسكوتها علي تردي الأوضاع حتي يستدعي الأمر-بعد الكارثة طبعا-أن يصدر رئيس الوزراء قرارا سياديا يتناول جميع البديهيات المعروفة سلفا والمحتم وجودها في المباني مع التفتيش الدوري عليها للتأكد من أدائها لدورها عند الحاجة إليها!!!
إذن تمر كارثة مجلس الشوري مثل كل الكوارث التي سبقتها بلا مخطئ أو مقصر تجري محاسبته وبلا إدارة تتم مساءلتها…الكل أدي واجبه علي أكمل وجه والحمد لله أن المسئولين الأبرار لديهم من الدراية بالتقنيات الحديثة التي لم نكن نعرفها ما يمطروننا به وما هم مزمعين إدخاله علي مبانينا العتيقة لحمايتها مستقبلا!!!…وتؤول الكارثة إلي القضاء والقدر كالمعتاد تاركة أسئلة صعبة لم يتم الإجابة عليها مثل:لماذا تحفظ رسومات وتصميمات مبني مجلس الشوري في دهاليز المبني ذاته فتهلك مع الحريق ولا يجد الخبراء المادة الهندسية التاريخية التي تضمن إعادة المبني كما كان أصلا قبل الحريق؟…لماذا تترك الأسقف الخشبية بلا معالجة خاصة لإطالة مدة مقاومتها للحريق فتنهار قبل إطفائه,مسببة عوائق خطيرة أمام فرق الإطفاء والإنقاذ ومضاعفة للخسائر عدة مرات؟…أين الخزان الأرضي للمياه المخصصة لإطفاء الحريق والذي يتحتم وجوده في موقع كل مبني عام لتغذية شبكة مواسير إطفاء الحريق دون غيرها من الشبكات فتنتفي معه ذريعة انتشار الحريق لعدم وجود مياه أو عدم كفاية سيارات الإطفاء أو تأخير وصولها بسبب تكدس المرور؟وكلها من الذرائع المخجلة الصبيانية التي يستمر مسئولونا في ترديدها لتبرير جريمة تقصيرهم.
إن عناصر أنظمة الأمان وشبكات الإنذار وشتي آليات المقاومة الذاتية وجميع كوادر العاملين في إدارات الأمن والطوارئ والتفتيش والمراقبة كلها معروفة ولا تحتاج لقرار من رئيس الوزراء…المطلوب هو تفعيلها,ودورية تجربتها وضمان صلاحيتها عند الحاجة إليها,وتلك هي الكارثة بعينها في مبانينا بدءا من الاستهانة بتنفيذها علي الوجه الأكمل,ثم التهاون في تشغيلها وتدريب العاملين عليها وانتهاء بنسيانها أصلا وتركها تتهرأ وتتآكل حتي تأتي ساعة الحاجة إليها فنفاجأ بها لا تعمل أو نكتشف أنه لا يوجد أحد يعرف كيفية تشغيلها فنقف عرايا عاجزين عن درء الخطر أو الإنقاذ.
من لا يصدق هذا الكلام عليه أن يزور أي مبني عام ويطلب أن يستخدم أي من سلالم الهروب المعدة للطوارئ به,حيث سيكتشف أن أبوابه المفترض أنها ذات مواصفات خاصة مقاومة للحريق وتفتح أتوماتيكيا بالضغط عليها في اتجاه الهروب مغلقة!!…وإذا تم فتحها سوف يتعذر عليه الحركة عليها صعودا أو هبوطا بسبب تراكم المخلفات والقمامة وتخزين متعلقات المبني بها!!…ثم عليه أن يزور غرفة أجهزة الإنذار ويتفقد اللوحات المركزية لأجهزة الإنذار في حالة حدوث حريق ويطلب أن يشرح له العامل المختص كيفية تقسيم أجزاء المبني باللوحة ويسأل عن تاريخ آخر تجربة لتشغيل إنذار كاذب في المبني لاختبار عمل الأجهزة والشبكات ودرجة أداء الأطقم الفنية المدربة علي إخلاء المبني من شاغليه بسرعة وأمان وبلا ارتباك أو ذعر…وعليه أيضا أن يتفقد الأماكن المغلقة والمخازن في المبني ليتعرف علي عمل شبكات الإطفاء الآلي التي تعمل تلقائيا فوراستشعار شبكات الإنذار وجود ارتفاع فوق الحد المسموح به للحرارة أو وجود دخان…إن ما سوف تسفر عنه مثل تلك الزيارة من نتائج عن حال أنظمة الأمان بالمبني ستكون مرعبة بجميع المقاييس.
من منا سمع في بلادنا في غير المنشآت المملوكة أو التي يديرها أجانب عن تجارب دورية-سواء معلنة أو مفاجئة-لإطلاق أجهزة الإنذار لاختبار كفاءة نظم ومسارات إخلاء المبني؟…هل يتم ذلك في مدارسنا أو معاهدنا التعليمية أو فنادقنا أو مستشفياتنا أو مصانعنا أو منشآتنا الرياضية؟…مع انتشار مباني المجمعات التجارية في العقد الأخير وهي مجمعات تؤم آلاف الناس من جمهور المتسوقين الذين لا يعرفون أرجاء المكان,هل يتم اختبار أنظمة الأمان وتقييم درجة تأهيل المعنيين بإخلاء المجمع بصفة دورية؟
قرار رئيس الوزراء إذا اقتصر علي تزويد المباني بشبكات الإنذار والمقاومة دون تدريب الناس وتأهيلهم والتفتيش الدوري عليهم ومساءلة وعقاب المقصرين منهم,سيكون بلا جدوي.