يبدأ هذا الأسبوع فتح باب الترشيح لانتخابات مجلس الشعب, وفي غضون أسابيع معدودة تستقر قوائم المرشحين-سواء الحزبية فيها أم المستقلين-ويتنافس الجميع في جذب الناخبين بشتي أساليب الحملات الانتخابية سعيا وراء الحصول علي أصواتهم عندما يحين موعد الانتخاب.
وإذا استبعدنا سيطرة العزوة العائلية والمال علي شرائح مجتمعية بعينها…تعرف سلفا من سوف تصوت لصالحه, تبقي شرائح مجتمعية أخري لا يستهان بها تترقب الإعلان عن برامج الأحزاب وسياساتها, كذلك أجندات المرشحين المستقلين, في شتي مجالات العمل الوطني:سياسية واقتصادية واجتماعية وتعليمية وثقافية…وغيرها, مما يعطي الناخب المتصدي للفحص صورة واضحة عن رؤية الحزب أو المرشح المستقل حول كيفية مواجهة التحديات التي تواجه هذا البلد وسبل علاج مشاكلها, وبناء علي ما يتلقاه الناخب في هذا الإطار يستطيع أن يحسم أمره فيمن يعطيه صوته في صندوق الانتخاب.
علينا جميعا ألا نستهين بأداء واجبنا الوطني في الفترة المقبلة, فالذهاب إلي صندوق الانتخاب في اليوم المحدد للتصويت مسئولية كبيرة يلزم الاستعداد لها جيدا قبلها بفترة كافية, فالتصويت بلا فحص وبلا مقارنة بين المرشحين هو ممارسة شكلية لحق الانتخاب قد ترقي إلي مستوي الخطيئة إذا أسفرت عن إرسال غير المستحقين وغير الجديرين بالعمل الوطني إلي تحت القبة…ولعل الأمثلة علي ذلك ليست بعيدة عن الأذهان إذا تأملنا نماذج غير قليلة من نواب الشعب في المجلس الماضي المنتهية ولايته والذين انصرفوا عن واجبهم الوطني وانزلقوا في ممارسات مؤسفة انتهت بهم إلي الخضوع للمساءلة القانونية…وغيرهم من النواب الذين تفرغوا للصياح والعراك واستثمار السلطة للمصالح الشخصية بدرجة مؤسفة شوهت شرف التمثيل البرلماني وقدمت أسوأ المثل لنواب الشعب.
الأمل أن نري تغييرا حقيقيا جادا في المناخ الحاكم لانتخابات مجلس الشعب التي نحن بصددها, بدءا من قوائم المرشحين أنفسهم-سواء الحزبيين أو المستقلين- وهنا لا يفوتني أن أسجل أن الحزب الوطني الديموقراطي-أكبر الأحزاب والمسيطر علي السلطة-سبق أن أحبطنا في أكثر من انتخابات سابقة بسبب قوائم مرشحيه التي افتقرت إلي العناصر الصالحة المؤهلة للعمل السياسي والبرلماني, وكذلك افتقرت إلي التوازن المطلوب في التمثيل الشعبي الذي يعبر عن سائر شرائح المجتمع حيث كان نصيب المرأة فيها ضئيلا ونصيب الأقباط والشباب معدوما…فهل ستتغير الصورة في قوائم الحزب هذه المرة؟…نعم المرأة تحررت وحصلت علي الكوتة-ولو إلي حين -لكن ما مصير باقي الفئات؟
بدأت بتسليط الضوء علي الحزب الوطني لأنه يتمتع بأغلبية مطلقة ويهيمن علي الخريطة السياسية, لكن الأمر ذاته ينطبق علي سائر الأحزاب الأخري التي طالما انتقدت مسلك الحزب الوطني, فهل تعكس قوائمها الانتخابية توجها مغايرا وتنوعا إيجابيا في نوعيات مرشحيها؟ هذا ما سوف يكشفه الكشف عن أسماء المرشحين.
تأتي بعد ذلك حملات الدعاية الانتخابية وما تحمله من برامج وخطط وسياسات يتنافس حولها الأحزاب والمرشحون في الفوز بأصوات الناخبين, وهنا يلعب الإعلام دورا في غاية الأهمية في تغطية ونقل وقائع الحملات الانتخابية وعقد المناظرات بين الأحزاب ومرشحيها, لأن ذلك الدوري الإعلامي يمثل العمود الفقري لتأهيل الناخب للمعايشة والمعرفة والمقارنة والمشاركة…ولعل في هذا الإطار سوف تسلط الأنظار علي الفرص المتكافئة التي سيمنحها الإعلام لسائر الأحزاب المشاركة في الانتخابات لعرض برامجها وسياساتها, حيث سادت فيما سبق صورة مشوشة لتسلط الأضواء علي الحزب الوطني الديموقراطي وحده- خاصة من جانب الإعلام الرسمي المقروء والمسموع والمرئي- وحجبها عن باقي الأحزاب…وذلك لم يكن أبدا في صالح الحزب الوطني لأنه عكس مسلكا غير ديموقراطي أثار حفيظة كثير من الناخبين وسط شرائح المتعلمين والمثقفين حتي إنه دفع بهم وبأصواتهم بعيدا عن الحزب الوطني.
من البديهي أن تبدأ البرامج الحزبية وأجندات المستقلين بالتصدي أولا للتحديات القومية, ثم تأتي بعد ذلك المشاكل المحلية التي تخص محافظة أو مدينة أو قرية أو دائرة انتخابية بعينها, لذلك يجب أن يبحث الناخب عن السياسات والبرامج التي تخص الإصلاحات السياسية والاقتصادية والتعليمية قبل أن يبحث عن علاج همومه المحصورة في دائرة أصغر.فالتحديات التي تواجه بلدنا في مجالات الممارسة السياسية وحق تأسيس الأحزاب وفرص تداول السلطة لاتزال ماثلة, ومواصلة طريق الإصلاحات الاقتصادية أمر حتمي لأنه مهما كانت النتائج المحققة حتي الآن في مجال إعادة هيكلة الاقتصاد وجذب الاستثمارات الأجنبية ملموسة وملفتة يظل المواطن المطحون غير مؤمن بها طالما أنها لم تستطع تقديم فرصة عمل مستقرة له ولأبنائه, ولم تساعده في التغلب علي وحش غلاء المعيشة, أيضا لم يعد خافيا علي أحد أن جميع الخطط القومية المستقبلية تقف مرهونة بإصلاح التعليم وتحديثه من أجل خلق مواطن مصري عصري متطور يستطيع أن يساهم في العمل والتحديث والتقدم.
بعد ذلك لا أتصور أن تخلو برامج حزبية أو أجندات لمرشحين مستقلين من مواجهة صريحة شجاعة للهم الوطني المتمثل في اختلال حقوق المواطنة…وذلك ملف مهم جدا شغل المجلس القومي لحقوق الإنسان وكذلك مؤتمر الوحدة الوطنية الذي عقدته نقابة الصحفيين الشهر الماضي ولا يمكن الخوض في انتخابات مجلس الشعب المقبلة دون فتحه…لقاؤنا حول هذا الملف الأسبوع المقبل بإذن الله.