كثيرون يسألونني بين الحين والآخر:هل يوجد رد فعل رسمي لما تكتب عنه من مشاكل وما تثيره من قضايا في ملف الأمور المسكوت عنها؟,ولهؤلاء دائما أجيب:إن المشاكل والقضايا التي يتصدي لها أي صحفي أو كاتب أو مفكر مهموم بأمر وطنه ومجتمعه لا ترتبط بمعيار تدخل الأجهزة الرسمية لعلاجها بالضرورة,فلئن كان ذلك مطلبا مهما يبتغيه كل منا-ويسعد إذا حدث-إلا أن معيار النجاح سوف يظل إيقاظ الوعي العام والضمير الوطني تجاه القضية المطروحة بهدف خلق إدراك واسع بين المواطنين بوجودها واقتناع شعبي نحو ضرورة علاجها.
لذلك أشعر بواجبي أن أنشر للقراء ما قد يحدث من علاج أو تطور إيجابي إزاء أية مشكلة سبق أن عرضتها,حتي يعرفوا به وأيضا لئلا يستبد بهم الإحباط من كثرة ما أعرض من مشاكل وسلبيات…صحيح أن الإعلام رافد مهم من روافد الرقابة وكشف الخلل في المجتمع,لكنه أيضا عليه مسئولية تسليط الضوء علي الإنجازات وزرع الأمل في غد أفضل كلما كان الواقع يشهد بذلك…واليوم أعرض لقضية سبق أن شغلت بها وتناولتها بالتفنيد فإذا برجع الصدي يحمل لي ما يدعو للارتياح.
**القضية التي أرقتني طويلا وكتبت عنها مع غيري من المهمومين بحرية المعتقد وحقوق المواطنة والمساواة هي قضية البهائيين,وتلك القضية تمس شريحة من المواطنين المصريين الذين يدينون بالعقيدة البهائية ويعيشون في هذا البلد في سلام يؤدون كافة واجباتهم ويحترمون القانون,لكنهم يعانون من انتقاص-وأحيانا اغتيال -حقوقهم بسبب معتقدهم…وذلك يتراوح بين حرمانهم من أوراقهم الرسمية خاصة بطاقة الرقم القومي,وبين مضايقتهم ووضع العراقيل أمامهم من جانب الأجهزة الرسمية سواء كانت أجهزة تسجيل المواليد أو الأجهزة التعليمية أو غيرها..فجميع تلك الأجهزة سبق أن نصبت من نفسها سلطة تتولي فحص ضمائرهم واعتماد معتقدهم قبل أداء الخدمة المناط بها تقديمها لهم,وبالتبعية كانت تلك الأجهزة تمتنع عن التعامل معهم حتي يرضخوا ويقبلوا رغما عنهم إثبات إحدي الديانات السماوية الثلاث-اليهودية أو المسيحية أو الإسلام-محل البهائية في أوراقهم الرسمية.
ولهذه القضية سجل طويل في ساحات القضاء,حيث لجأ البهائيون عام2004 للقضاء متظلمين مما يتعرضون له ومطالبين بالمساواة في حقوقهم مع سائر المصريين…وسبق أن شهدت ساحات المحاكم تجاوزات مؤسفة من الخصوم الذين ينكرون علي البهائيين حريتهم فيما يعتقدون,كما ترتب علي نظر تلك القضايا تناولها إعلاميا بأساليب غوغائية تتنكر لحرية الرأي وحرية العقيدة وتنتفض مرتدية رداء الذود عن الأديان السماوية.بينما تستبيح في سبيل ذلك اغتيال مبادئ الأديان السماوية والتنكيل بالآخر المختلف…لكن بالرغم من كل هذا الصخب واللغط صدرت أحكام قضائنا العادل عام2006 تحفظ حق البهائيين في حرية المعتقد وفي إثبات اعتناقهم للبهائية في الأوراق الثبوتية وفي تمتعهم بكافة حقوق المواطنة مثلهم مثل سائر المواطنين المصريين.
قامت وزارة الداخلية الصادرة ضدها أحكام محكمة القضاء الإداري بالطعن علي الأحكام ونجحت في إلغائها,إلا أن البهائيين عاودوا اللجوء إلي القضاء عام2007,حيث نجحوا في الحصول علي حكم محكمة القضاء الإداري عام2008- الذي اعتبرته أنا في حينه مجرد خطوة إلي الأمام في اتجاه ترسيخ المواطنة-الذي يقضي بإلزام مصلحة الأحوال المدنية باستخراج بطاقات الهوية للبهائيين مع ترك خانة الديانة شاغرة…وبالرغم من ذلك تقاعست وزارة الداخلية -التابعة لها مصلحة الأحوال المدنية-عن تنفيذ الحكم متعللة بانتظار فصل القضاء الإداري في الطعون التي أقامها بعض المحامين ضده أمام المحكمة الإدارية العليا.
الفصل الأخير الذي أتمني أن يغلق ملف معاناة البهائيين إلي الأبد كان الأسبوع الماضي,حيث صدر الحكم النهائي للمحكمة الإدارية العليا بتأييد حق البهائيين المصريين في الحصول علي بطاقات الرقم القومي وشهادات الميلاد,دون ذكر أية ديانة…وفي ترحيبها بهذا الحكم تقولالمبادرة المصرية للحقوق الشخصيةإحدي منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال حرية الدين والمعتقد:…إن الحكم يضع نهاية لصراع قضائي دام خمسة أعوام ويقضي بإلغاء السياسة الحكومية القائمة علي إجبار البهائيين علي تغيير معتقداتهم أو الكذب بشأنها,في مقابل الحصول علي الأوراق الثبوتية اللازمة لحصولهم علي كافة الخدمات والحقوق المكفولة لهم بوصفهم مواطنين مصريين.
أشعر بارتياح شديد إزاء حكم المحكمة الإدارية العليا,وأتمني أن يسدل الستار علي فصل مؤسف من فصول انتهاك الحريات وتغييب حقوق المواطنة عاني منه كثيرا البهائيون,وأجد من واجبي أن أنقل لكل من لم يسبق له أن التقي مع أي من إخوتنا أو أخواتنا البهائيين وبالتالي قد تساوره أي شكوك أو تحفظات إزاء اختلاف المعتقد أن من عرفتهم من البهائيين جميعهم نماذج طيبة جدا لمواطنين مصريين أصلاء يتمتعون برصيد عظيم من المحبة والسلام,ولهم كل الحق في الحياة الطبيعية وفي خدمة وطنهم دون فرز أو تهميش أو مصادرة بسبب معتقدهم.