الأرقام لا تكذب ولا تتجمل بل تضع حقائق لا تقبل الجدل أو تحتاج إلي رتوش لتزيين أو تزييف الواقع,فالمعلومات متاحة لكل من يهمه إصلاح المنظومة الصحية وحتي التنموية والاجتماعية والسلوكية في مصر.
هناك حوالي 9ملايين مصري مصابون بالالتهاب الكبدي-فيروسC,كما أدي سوء التغذية عند الأطفال دون سن الخامسة إلي تقزم وأنيميا حادة.
مشاكل صحية عديدة يعاني منها المجتمع المصري…21% من الأسر في الريف تربي الطيور في نفس مكان معيشتها وهذا خطر ومنع التربية أيضا مأساة…ورغم ارتفاع متوسط عمر المواطن المصري خلال الخمسين عاما القادمة إلا أن هناك ارتفاعا في معدلات الإصابة بالأمراض المزمنة التي تصاحب الإنسان مدي الحياة.
مؤشرات متناقضة للوضع الصحي لسكان مصر منها…
*رعاية طبية أكثر للأمهات أثناء الحمل والولادة وانخفاض في أعداد وفيات المواليد الرضع دون سن الخامسة.
*ارتفاع في حالات الولادة القيصرية إلي28% ,وفي الحضر إلي40% بدون داع.
*انخفاض في اتجاهات التغيير نحو عادة ختان الإناث,ولكن مع استمرار خطورة أن يتم الختان بعيدا عن الإشراف الطبي بعد قرار تجريم الطبيب الذي يقوم بهذا العمل,والضحية هي الفتاة.
*ارتفاع في استخدام وسائل تنظيم الأسرة ولكن في نفس الوقت فإن انخفاض معدل المواليد لايزال بطيئا خاصة في الوجه القبلي.
كل هذه المؤشرات جاءت في المسح السكاني الصحي لمصر لعام2008.
ونحن نلقي مزيدا من الضوء حول هذا المسح في السطور القادمة.
أقامت وزارة الصحة مؤخرا مؤتمرا لإعلان نتيجة المسح السكاني الصحي لمصر والذي أجري العام الماضي.
قام الدكتور حاتم الجبلي وزير الصحة بافتتاح المؤتمر ومعه ممثلون من الجهات المشاركة في تمويل هذا المسح من الناحية المادية والفنية,وهم مانون كورت إرماممثلة منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونسيف), ديسمس هولي مديرة برنامج الصحة والسكان بالوكالة الأمريكية للتنمية الدولية,الدكتورة فاطمة الزناتي المدير الفني لمشروع المسح السكاني الصحي لمصر 2008.
أشار وزير الصحة في كلمته إلي أنه حتي تتوفر الصحة للجميع فلابد من وجود بيانات وأرقام موثوق فيها لمعرفة ما تم إنجازه في المجال الصحي,والتخطيط للتدخلات المستقبلية لمواجهة نواحي القصور وتوجيه الجهود الصحية في الاتجاهات التي تعاني من الاحتياج والمناطق المحرومة من الحدود الدنيا للرعاية الصحية ومعرفة تطور نمط الأمراض وهل هناك ظهور لنوعيات جديدة منها وكيفية مواجهة هذا.
وبمقارنة أرقام وبيانات هذا المسح الأخير بالمسوح السابقة والتي بدأت الوزارة في عملها منذ عام 1988 يتضح حجم الإنجازات والسلبيات وأيضا التغير الحادث في النمط الصحي في المجتمع ومدي التغير في نوعية الأمراض وارتباط الأمراض بأشياء أخري مثل السن والنوع والحالة الاجتماعية,وما إذا كان لسلوكيات البشر علاقة بظهور أمراض معينة واختفاء أخري,وهل التوعية والتثقيف الصحي والمعلومات السليمة يمكن أن تحمي المجتمع من مزيد من الأمراض؟
فعلي سبيل المثال أظهر هذا المسح ولأول مرة في مصر الأعداد الحقيقية للمصابين بالالتهاب الكبدي فيروس(C)وتبلغ نسبتهم حوالي 9.8 % أي ما يقرب من9ملايين شخص في مصر مصابين بهذا الفيروس ولكن في الفئة العمرية ما بين 55عاما و59 عاما ترتفع نسبة الإصابة به إلي30%.
كما أوضح المسح أن هناك تحولا في نمط الأمراض حيث ترتفع نسبة الأمراض المزمنة والتي تلازم الإنسان طوال حياته وعلي رأسها ضغط الدم,السكر,أمراض القلب…ومعظمها بسبب أنماط وسلوكيات خاطئة حان الوقت للإقلاع عنها مثل الإفراط في الطعام والسمنة,التدخين,عدم ممارسة الرياضة.
كما أظهر المسح انخفاض معدل وفيات الرضع من73 مولودا إلي25مولودا لكل ألف مولود حي,في الفترة من عام 1990 إلي عام2008 وتصل نسبة الانخفاض في الوفيات إلي66%.
كذلك انخفاض معدل وفيات الأطفال حديثي الولادة من39 إلي16 مولودا لكل ألف مولود خلال الفترة من عام 1990 إلي عام2008,أي انخفاض بنسبة 59%.
وزيادة عدد الولادات التي تمت تحت إشراف طبي من46% عام 95 إلي79% عام2008 بنسبة زيادة 71%وارتفاع نسبة تغطية الحوامل بخدمات رعاية الأمومة والطفولة من 39% عام95إلي 74% عام2008 بنسبة قدرها 89%,كما تلقي92% من الأطفال في عام2008 تطعيمات ضد جميع الأمراض الرئيسية.
وأظهر المسح انخفاض معدل المواليد عام2008 حيث بلغ متوسط الإنجاب 3أطفال لكل سيدة مقارنة بعام1980 حيث كان المتوسط 5.3 طفل لكل سيدة,ولكن مازالت المعدلات مرتفعة في الوجه القبلي.
وزادت نسبة استخدام وسائل تنظيم الأسرة من24% عام 1980 إلي 60% عام2008.
وأيضا ارتفع متوسط عمر الإنسان المصري ومن المتوقع استمرار هذا الارتفاع وزيادة نسبة السكان فوق الـ 65 عاما من6% حاليا إلي 23% عام2050,ويواكب هذا انتشار الأمراض غير المعدية وأهمها السرطان,السكر,القلب,والأوعية الدموية,أمراض الجهاز التنفسي المزمنة.
وبين المسح أن13% من النساء و11% من الرجال في الفئة العمرية من15 إلي 59 عاما يعانون من ارتفاع ضغط الدم.
تشريح النتائج
وعلي مدي ست ساعات تقريبا قدمت د.فاطمة الزناتي مديرة المسح السكاني الصحي تحليلا تفصيليا لأهم نتائج ومؤشرات هذا المسح في حضور نخبة من الأطباء والباحثين في جميع المراكز والمؤسسات الصحية المصرية,وكان الغرض من هذا العرض وضع الأيدي علي أماكن الخلل إما لمزيد من الدراسات أو لتعديل سلوكيات أو لتوجيه الجهود الصحية إلي المكان المناسب وأيضا للتنبيه إلي مواطن الخطر التي تهدد صحة أبناء مصر ونستعرض أهم ما جاء في هذا التحليل لبيانات ونتائج البحث…
السلوك الإنجابي
أوضح المسح الصحي أن معدل الإنجاب في مصر يبلغ 3مواليد لكل سيدة,وهو معدل أقل قليلا من معدل الإنجاب وقت إجراء المسح السكاني الصحي لعام2005(3.1 طفل لكل سيدة),ولكن معدلات الإنجاب في الوجه القبلي (3.4 مولود),وفي محافظات الحدود(3.3مولود),والنسبة أقل في المحافظات الحضرية(2.6مولود)وكان لمستوي التعليم مع مؤشر الدخل ارتباط قوي بانخفاض معدلات الإنجاب,فنجد السيدات المتعلمات والأكثر قدرة مادية مؤشر الإنجاب لديهن لا يتعدي 2.7 مولود لكل سيدة,بينما تصل النسبة إلي(3.4 مولود لكل سيدة) محدودة التعليم أو غير متعلمة.
كما أن ارتفاع عمر الفتاة عند الزواج يساعد علي انخفاض مستوي الإنجاب في مصر.
أما فيما يخص استخدام وسائل تنظيم الأسرة,فهناك وعي كبير جاء من خلال وسائل الإعلام باستخدام وسائل تنظيم الأسرة فوجد أن نسبة السيدات المتزوجات في الفئة العمرية من15إلي49سنة يعرفن علي الأقل وسيلة واحدة لتنظيم الأسرة ولكن في المتوسط هناك معرفة بحوالي ست وسائل لتنظيم الأسرة ويأتي ترتيب استخدام الوسائل كالآتي:
اللولب أكثر الوسائل المستخدمة انتشاراحيث تعتمد 36% من السيدات عليه كوسيلة لتنظيم الأسرة,يليه استخدام الحبوب بنسبة 12% والحقن بنسبة 7%.
كما أن أكثر من 60% من اللاتي يستخدمن وسائل تنظيم الأسرة يذهبن إلي وحدات وزارة الصحة أو إلي وحدات حكومية أخري للحصول علي الوسيلة,بالذات بالنسبة للولب والحقن في حين تحصل سبع سيدات من بين عشر سيدات علي الحبوب من الصيدلية ومن الملاحظ تقلص دور الجمعيات الأهلية العاملة في مجال تنظيم الأسرة في تقديم هذه الوسائل.
لوحظ أن مقدمي خدمات تنظيم الأسرة لا يعطون السيدات معلومات كافية عن كل وسائل التنظيم التي تمكنهن من اختيار أنسب وسيلة لكل منهن,وبالرغم من الأعراض الجانبية التي قد تتسبب في توقف العديد من المستخدمات عن استخدام الوسيلة فإن مقدمي الخدمة في مراكز تنظيم الأسرة قدموا استشارة عن الأعراض الجانبية فقط لأكثر قليلا من نصف المستخدمات (56%).
المساعدة الطبية
وجدنا أن 80% من السيدات أتمت الولادة علي يد مقدم خدمة طبية أي ثماني سيدات من كل عشر سيدات وكان القاءم بالتوليد في 99% من الحالات أطباء وواحد في المائة تمريض.
هناك زيادة مضطردة في حالات الولادة القيصرية فكانت في عام 2000 (10%) وفي عام 2003 وصلت إلي (14%),ووصلت إلي (28%) عام 2008 ولكن النسب أعلي في الحضر حيث قد تصل إلي 40% وليست كلها حالات طارئة تتطلب ولادات قيصرية ويجب بحث الأسباب لهذه الزيادة.
سوء تغذية
وحول استخدام معايير النمو الخاصة بمنظمة الصحة العالمية والتي تضع الوزن والطول بالنسبة للعمر مقياسا للحالة التغذوية ووفق هذا المقياس.. أوضحت بيانات المسح أن 29% من الأطفال المصريين من عمر يوم إلي أربع سنوات لديهم سوء تغذية مزمن أو مصابون بالتقزم (قصر القامة الشديد),و7% منهم لديهم سوء تغذية حاد,ومقارنة بنتائج المسح الصحي عام 2005 فإن الأطفال مصابون بحالة تدهور كامل في التغذية وذلك في الفترة بين إجراء المسحين,فنجد مستوي التقزم ارتفع بمعدل 26% بعد المسح الأخير,أما عن حالة التغذية بالنسبة للشباب والمراهقين فأظهرت النتائج أن 5% من الذكور في الفئة العمرية من 10 إلي 19سنة,6% من الإناث في نفس الفئة العمرية ذوي وزن زائد.
وعلي الجانب الآخر يعتبر 5% من الشباب و3% من الإناث في نفس الفئة العمرية ناقصي الوزن.
أما الرجال والسيدات في الفئة العمرية من 15 إلي 59سنة,فأوضح المسح أن (28%) من السيدات لديهن زيادة في الوزن و(40%) من السيدات بدينات, وبالنسية للرجال في نفس الفئة العمرية (34%) لديهم زيادة في الوزن و(18%) يوصفون بالدانة بينما هناك نسبة (3%) من الرجال لديهم نقص في الوزن.
إنفلونزا الطيور
علي جانب آخر أصبح مرض إنفلونزا الطيور من الأمراض المتوطنة في المجتمع المصري وتشتد وطأته أكثر في فصل الشتاء,من خلال مسح 2008 تبين أن 99% من أفراد عينة المسح سمعوا عن إنفلونزا الطيور,وأن 7أفراد من كل عشرة ذكروا أنهم يعلمون كيف ينتقل المرض من الطيور إلي الإنسان.
وانخفضت نسبة الأسر التي تقوم بتربية الطيور بنسبة 20% عن المسح الذي تم عام 1988,وهو مؤشر في ظاهره جيد لتفادي تفشي المرض ولكن في الحقيقة دلت النتائج علي انخفاض أعداد النساء العاملات في المجال الزراعي والذي يعد أحد أنشطته تربية الطيور,وبسؤال من يقوموا بتربية الطيور عن مكان التربية أجابوا أنهم يربونها أعلي سطح المنزل ولكن أقل من النصف يقومون بتربيتها في مكان مغلق, و34% يربونها خارج المنزل,ورغم أن هناك توصية بعدم تربية الطيور في نفس مكان المعيشة اتضح أن 21% من الأسر تربي الطيور في نفس مكان معيشتها أي تتعامل مع الطيور بصفة مستمرة.
تعليقات
بعد هذا العرض التفصيلي لبيانات البحث جاء العديد من التعليقات من الباحثين والأطباء الحاضرين في مؤتمر إعلان المسح السكاني الصحي 2008 وأهم هذه التعليقات:
* قد يكون هناك علاقة بين انخفاض نسب تربية الطيور وسوء حالة التغذية عند الأطفال,حيث هناك فاقد كبير لمصدر مهم من مصادر البروتين الحيواني.
* ارتفاع نسبة سوء التغذية في الأطفال من 23% في عام 2005 إلي 29% في مسح 2008 يعد مخيفا,وبعيدا عن ربط هذا بالتحصيل الدراسي أو بالقدرة علي الالتحاق بسوق العمل,فهناك رقم آخر يوضح أن هناك ارتفاعا في معدلات إصابة الأطفال بالأنيميا.
وبالطبع مرض إنفلونزا الطيور يمكن أن يكون ذا تأثير علي مصدر البروتين الحيواني المهم بالنسبة للأطفال الذي أصبح غير متاح مثل الماضي.
* هناك مشكلة أخري وهي أن تربية الطيور بالنسبة لكثير من الأسر ليست فقط مجرد تجارة ولكنها حياة كاملة,فالدجاجة الواحدة بمخرجاتها يمكن أن تعود علي الأسرة الريفية بعائد قد يصل إلي 120جنيها في الشهر.
ويجب إيجاد حلول بدلا من منع التربية أو إيجاد طريقة للتربية السليمة بعيدا عن الاختلاط المباشر بالبشر.
* ليست إنفلونزا الطيور فقط هي سبب سوء التغذية ولكن أيضا نمط التغذية نتيجة الفقر,فهناك أسر يعتمد أطفالها في الغذاء علي أكل المكرونة والكشري في العيش,فالطيور يمكن تعويضها باللحوم والأسماك لولا الفقر فهو أساس في سوء التغذية عند الأطفال.
ختان الإناث
أشارت نتائج المسح إلي أن (91%) من السيدات في المرحلة العمرية من 15 إلي 49 سنة مختتنات ولكن هناك مؤشرات توضح أن هذه العادة تقل تدريجيا خلال الفترة من 15 إلي 20عاما القادمة,فحسب قياس اتجاهات تغيير المفاهيم لدي السيدات فقد انخفضت نسبة تأييد السيدات لممارسة الختان من 82% عام 1995 إلي 63% وقت المسح السكاني 2008,ولكن الخطورة تظهر في أنه بعد منع الأطباء من إجراء عمليات الختان بشكل طبي ستتم هذه العملية خاصة في الريف بشكل سري وعلي يد غير المتخصصين وبالتالي سيستمر كثير من الفتيات ضحايا لهذا العمل غير الآدمي وبشكل أخطر مما سبق.