في ذكري مرور عام علي رحيل المفكر والحقوقي والسياسي الدكتور محمد السيد سعيد, قدم بعض المفكرين والمثقفين رؤية تحليلية لأعماله الفكرية, وألقوا الضوء علي ما دعا إليه السعيد, في محاولة للاستفادة في مشروعه الفكري ورؤيته النقدية, وتحليله الثقافي والسياسي لكل تفاعلات المجتمع, وهو ما حرص علي تقديمه مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان, ونظم ندوة موسعة مؤخرا شارك بها عدد كبير من المثقفين والسياسيين ونشطاء حقوق الإنسان لمناقشة أعمال السعيد الفكرية.
مثقف عضوي
في البداية قال بهي الدين حسن مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان: أفضل تكريم لشخص في ذكري رحيله هي مناقشة أفكاره بجدية, وهو ما حرص عليه مركز القاهرة, خاصة وأن السعيد لم يكن مجرد مفكر أو أكاديمي ارتبط بعلاقة فكرية بقضايا حقوق الإنسان ولكننا إزاء مفكر جمع أيضا المساهمة الميدانية في النشاط التنظيمي والحركي في المجال ذاته.
أشار حسن: السعيد كان تجسيدا لنمط المثقف العضوي الملتحم بمجتمعه, كما ساهم في التركيز علي التحديات الثقافية والفكرية والعملية لبناء وتفعيل منظمات حقوق الإنسان, وأزمة تكوين النخب السياسية في مصر, وتأثيرات العولمة علي تعزيز حقوق الإنسان.
تقصير المثقفين
قال السيد يسين المفكر المعروف: الدكتور محمد سيد سعيد كان متقنا في التحليل الثقافي وله أوراق متعددة حول التحليل الثقافي والمعرفي وكان قارئا للتحولات المستقبلية بشكل ملحوظ, فعلي سبيل المثال له مقالات منشورة في جريدة الحياة اللندنية عام 1994 تحت عنوان نهاية مثقف التحرر الوطني, وهي مقالات بها رؤية تدرك التفاعلات في العالم, حيث أشار إلي أن بعض المثقفين نشأوا في ظل الاستعمار, وبعد ذلك نشأ جيل وأطلق عليه اسم مثقف التحرر الشامل والإشارة إلي تغير مضمون الوطنية من الصدام الخارجي إلي إعادة البناء في الداخل, والدعوة إلي مضمون جديد لحركة التحرر الوطني, خاصة وأن الاستقلال عن الاقتصاد أو عن السياسة والثقافة العالمية, لم يعد أمرا ممكنا أو مفيدا, وقدم بعض الأفكار لكي يجدد المثقفون أفكارهم وليس التوقف عند إعادة إنتاج أفكار الماضي.
وقال يسين: العالم الآن يجري تقسيمه إلي مجتمعات تنتج المعرفة وأخري لا تنتجه, ومن ثم ستصبح المعرفة سلعة, وبدون الفكر والإبداع لن يكون هناك مجتمع ناضج يتفاعل مع العصر, ويتفق ما يحدث حاليا مع الرؤية التي دعا إليها السعيد في تسعينيات القرن الماضي من ضرورة أن يكون المثقف بمثابة مثقف كوني لا يعزل نفسه عن العالم بل يتقاعل معه.
أوضح يسين أن السعيد تحدث أيضا في هذه المقالات عن المثقف الوطني في الخارج والطائفي في الداخل, والتوتر الطائفي الذي شهده المجتمع مؤخرا يثبت هذه الرؤية, خاصة وأن هذه الأزمة ساهم في تأجيجها مجموعة من المثقفين, لدرجة وصلت إلي مرحلة الهستيريا, وبدلا من قيادة المثقفين للمجتمع بشكل تنويري, انساقوا للشعارات الطائفية وتقديم خطابات سيئة, وهو ما يكشف تقصير المثقفين في إنتاج خطاب تنويري حقيقي لتوعية المواطنين, ومواجهة انتشار الأفكار المتطرفة والتي تعمل جماعات معينة علي ضخها في المجتمع لسنوات وهو الأمر الذي سبق أن حذر منه محمد السيد سعيد.
أرخ بإنصاف
من جانبه قال نبيل عبد الفتاح مدير مركز تاريخ الأهرام: المشروع الفكري للدكتور محمد السيد سعيد يتميز بأنه مشروع مفتوح وغير منغلق علي ذاته, ويتميز هذا النوع من المشروعات بإمكانية مناقشته والإضافة عليه, ومن ثم استخدامه وتوظيفه بشكل جديد, ويعد سلسلة ذهبية للمفكرين والمثقفين.
أوضح عبد الفتاح: محمد السيد استخدم لغة بسيطة في التعامل مع القضايا التي دارت بالمجتمع, وتمكن من تقديم رؤية نقدية متميزة تنير الطريق للباحثين والشباب, وتقديم رؤي مختلفة ومعالجة متميزة تسمح بتشكيل قاعدة معلومات يمكن من خلالها النظر لأي موضوع من كافة جوانبه, وبالتالي التفاعل مع هذه القضايا بما يخدم المجتمع.
نوه عبد الفتاح: أرخ د.محمد السيد سعيد للجماعات الاحتجاجية مثل حركة كفاية وما قامت به في المجتمع, وقدم قراءة منصفة لهذه الجماعات تسمح بوجود رؤي متنوعة لهذه الحركات وتحليلها بشكل محايد, وهو ما نجح فيه السعيد بشكل متميز.
له نظرة شمولية
وفي هذا الإطار قال جمال عبد الجواد مدير مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام: ما تميز به السعيد يرجع لكونه مثقفا ملما بالتاريخ والتيارات الثقافية وله نظرة شمولية لقضايا المجتمع, وركز بشكل واضح علي الثقافة العربية وحقوق الإنسان, وكان من أبرز المثقفين المهتمين بمجال حقوق الإنسان, واستطاع أن يقدم العديد من الأفكار التي من شأنها تعزيز منظومة وقيم حقوق الإنسان.
هناك حاجة…
أكد الدكتور عمار علي حسن الكاتب والباحث: هناك حاجة لجمع دراسات وأعمال السعيد الفكرية من أجل دراستها, خاصة وأنه اهتم بالكتابة والفكر ولم يهتم بجمع هذه الأعمال, وهناك العديد من الكتابات التي لم يستطع محبوه الوصول إليها, وبالتالي حرمت المكتبة العربية من هذه الأعمال المهمة, ولذلك لابد من تبني هذه الفكرة, حتي تكون هناك فرصة مناسبة للنظر في المشروع الفكري له برؤية شاملة.
النخبة هي القاعدة
من ناحية أخري قالت الدكتورة نيفين مسعد أستاذة العلوم السياسية: محمد السعيد فند الآراء التي كانت ترفض التدخل الأجنبي لإحداث تحول ديموقراطي داخل الأنظمة العربية, واعتبر أن هذا النوع من التدخل مهم طالما بقيت الأنظمة العربية علي أوضاعها ورفضها للتغيير من الداخل.
أشارت مسعد: السعيد ترك بعض القضايا بدون حسمها مثل عدم تحليله للنخبة المثقفة التي تقود المجتمع, حيث يري البعض أن هناك نخبة تحجب الجماهير عن الاشتراك في التغيير, وإنه في بعض الأحيان قد تكون هذه النخبة عقبة أمام الجماهير نحو التغيير, إلا أن السعيد اعتبر أن النخبة هي القاعدة التي تقود الجماهير للتغيير.
…تبدأ من التعليم
من جانبه قال الدكتور مصطفي كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة: السعيد كان ينظر إلي أن تفعيل حقوق الإنسان يبدأ من التعليم, وقدم رؤية متميزة لبعض النظم السياسية المختلفة التي احترمت حقوق الإنسان, وطالب بنقل هذه التجارب إلي مصر والمنطقة العربية بشكل عام من أجل تعزيز وتدعيم مناخ الحريات, كما شدد السعيد علي أهمية دور النقابات المهنية في القيام بهذا الدور, خاصة وأن هذه النقابات تكرس الحقوق المدنية, وتحافظ علي الحق في التظاهر وحرية التنظيم وترسيخ دعائم حقوق الإنسان, وحينها يمكن أن تكون هذه النقابات البوابة نحو إطلاق حريات المجتمع, وبناء نظام يؤمن بحقوق المواطنين واحترام كرامتهم وصونها.
أوضح د.مصطفي: نشر محمد السعيد الوعي بوجود منظمات حقوقية داخل مصر لسنوات عديدة, حيث كان يهتم بضرورة أن يكون الشارع المصري علي تواصل مع هذه المنظمات والإيمان بدورها, كان ينتقد تركيز الخطابات الحقوقية علي انتهاكات حقوق الإنسان دون الإشارة إلي أي تغيير إيجابي, وكثيرا ما طالب هذه المنظمات بطرح خطاب أكثر تفاؤلا, بتقديم الحلول المناسبة لمواجهة هذه الانتهاكات وعدم التوقف عند مرحلة الرصد فقط, وهي الملاحظة التي استقبلتها بعض المنظمات الحقوقية وبدأت في تفعيلها.
الديموقراطية… البوابة
وشدد عبد الغفار شكر القيادي بحزب التجمع علي ضرورة التمسك بوجود رؤية نقدية للمثقفين كما كان يتميز بها السعيد, حيث كان مهموما بالبحث عن طرق جديدة لمواجهة مشكلات المجتمع, وكان يري أن الديموقراطية هي البوابة الوحيدة للتخلص من مشكلات المجتمع, وبدونها ستظل المشكلات موجودة كما هي.
نوه شكر: السعيد كان حريصا علي البحث عن جذور ثقافة حقوق الإنسان في الثقافة العربية والإسلامية, وعدم التعامل مع حقوق الإنسان باعتبارها أفكارا قادمة من الغرب ومفروضة بشكل إجباري, واهتم بتأصيل ثقافة حقوق الإنسان بشكل كبير.