وإذا أردنا أن نبحث عن ملامح الشخصية النوبية فى السينما المصرية أو المسلسلات التليفزيونية سوف نكتشف حقيقة مؤلمة وهى أنه لا يوجد عمل درامى قدم عن النوبة وأهله أو أخذ عن إحدى الروايات النوبية التى تدور فى أغلبها حول الحنن المستمر بين النهر والجبل وعن عادات وثقافات أهل النوبة فى مراسيم الزواج والسبوع والجنازات وهى روايات بها الكثير من الثراء الدرامى ولا يخلو تجاهله من عنصرية خفية تسيطر على السينما التى تضع البطل الابيض والنجمة البيضاء فى المقدمة باستثناء الراحل العبقرى أحمد ذكى والذى للأسف لم يهتم بتقديم شخصية نوبى
اما الملامح المتوفرة بكثرة فى معظم الاعمال السينمائية فهى شخصيات للبواب او السفرجى .ويكفى مشاهدة افلام مثل (بين السماء والأرض ) لتجد مجموعة من البوابين الذين يجمعهم الاستهتار والتهاون ولايبرح من الذاكرة اصغرهم الذى ذهب ليستدعى مهندس الاسانسير من الاستاد .فجلس ليشاهد الماتش واندمج فى الفرجة .و ( البيه البواب ) وقدم ايضا عدد من البوبين الذين يتشاجرون باستمرار .اما دور السفرجى فيصعب صره لانه ككومبارس صامت نموذج مكرر فى معظم الافلام العربى الابيض واسود والتى توجد بها سرايات وقصور .وقد تكرر الامر حتى فى الاسم فاصبح من العادى ان يكون كل بواب هو عثمان وكل سفرجى هو إدريس.
وعثمان مستمد من شخصية عثمان عبد الباسط البربرى التى ابتكرها على الكسار حيث كان يدهن وجهه باللون الاسود الامر الذى عبر عن غضبه منه الاديب محمد خليل قاسم فى روايته البديعة (الشمندورة )حيث كتب يصف ذلك قائلا (فى القاهرة يضحكون علينا فى الطرقات هناك رجل اسمه على الكسار يسمى نفسه بربرى مصر الوحيد والعيال يجرون خلف اكبر كبير منا وهم يصرخون البربرى اهو البربرى اهو )وهنا لابد ان نشير انه ليس كل من ظهر على الشاشة اسمر فهو بالضرورى نوبى فالكسار فى افلامه لم يقدم اى جوانب تدل على شخصيته او اصوله وهل هى بالفعل نوبية أم الأمر لا يخرج عن كونه شكل كوميدى .وعرف جرى استهلاكه فى الأفلام ..لإثارة الضحك ولعل المشهد الذى جاء فى فيلم الفانوس السحرى لاسماعيل ياسين وعبد الحافظ النجدى عندما أراد استعادة الفانوس وارتديا ملابس السفرجية وعندما التقيا بسفرجى اخر خشيا أن يعرفهم فاخذا فى ارتجال كلام هزلى من نوعية (هونج كونجا الخ على أنها لغة نوبية ) وتكرر الامر أيضا فى فيلم الانسة ماما لصباح ومحمد فوزى عندما اراد البوابون والسفرجية فى العمارة الزوج منها اخذو يتكلمون بلغة أيضا غير مفهومة .
ولعل النظر إلى الممثل النوبى الجميل محمد الادندانى الذى بدء حياته ككومبارس وحبسه فى معظم أدوار البواب والسفرجى يكشف عن تلك النظرة القاصرة إلى التعامل مع الشخصية النوبية التى لم تقدم كفرع ثقافى يثرى التعدد المصرى او كنموذج درامى مستقل بذاته .ويمكن القول ان اخر فيلم تعرض لشخص – قد يكون نوبيا – هو الخادم (إدريس )فى فيلم عمارة يعقوبيان وهو الذى مارس الشذوذ مع حاتم رشيد –خالد الصاوى – فبعد كل هذه السنوات مازال اسم ادريس هو أيضا المتداول لثبوته فى الذاكرة الوجدانية.
وإذا نظرنا إلى الدراما التليفزيونية لن نجد فرقا يذكر .أما السينما التسجيلية فقد قدمت عددا من الأفلام حول تراث وثقافة وآثار النوبة .ولا يمكن أن ننسى شخصية بكار الكارتونية والتى أصبحت معلما دراميا باعتباره نموذجا للمصرى الصميم أبو كف رقيق وصغير .
وننتظر بعد ثورة 25 يناير أن يتم تحويل عدد من الروايات المعبرة عن الأدب النوبى إلى أفلام ومسلسلات لينتهى دور النوبى البواب إلى الأبد.
—
س.س
9 أكتوبر 2011