يمثل الفيس بوك الآن منبرا لا يستهان به لطرح الآراء وإثارة الجدل، ولا يستطيع أحد أن ينكر تأثيره القوى على جماهير الشباب، من هنا تأتى خطورة ما تقوم به بعض صفحات الفيس التى ترفع شعار المقاطعة لعدد من مسلسلات رمضان بحجة أن بعض الفنانين كانوا ضد الثورة، ويحتلون مكانة متميزة فى قوائم العار، وهى صفحات تحتاج لوقفة ومناقشة فكيف نقوم بثورة يشيد بها العالم ولا نقبل من يختلف معنا فى الرأى ونطلب إعدامه معنويا وإلغاءه من الوجود نهائيا، وبجريرة شخص واحد نطلب مقاطعة عمل فنى شارك فى ظهوره للنور ممثلين كثيرين وفيبين وعمال من نجارين وسائقين وفنى إضاءة، لعلل بعضهم شارك فى الثورة بل وقامت الثورة من أجلهم، فكيف نطالب بعدم رؤية ما انتجته أيديهم، ونحن نطالب بالمزيد من الإنتاج فى كل المجالات وهذا يجعلنا نسأل عن جدوى قوائم العار هذه، إذا وضعنا فى الاعتبار المستوى الثقافى المنخفض فى النواحى السياسية لبعض الفنانين والذين تعرضوا لحملة تضليل ضخمة وقوية من الإعلام الرسمى للنظام الذى قام بتشويه المتظاهرين وبث الأكاذيب عليهم، وهى حملة تسببت فى الكثير من المشاعر المتناقضة تجاه الثورة التى لم تكن قد ظهرت ملامحها بعد، فما هو مقدار الوعى الثقافى السياسى لغادة عبد الرازق أو تامر حسنى وهم جزء من المجتمع المصرى الذى يعانى من أغلبية ذات أمية ثقافية عالية، ويظهر ذلك سواء فى مستوى الكلمات التى يغنيها تامر من طيبة قلبه أو اختيار أدوار غادة التى لا تتجاوز دورا واحدا، وهو دور الأنثى ملكة النحل التى يحلق حولها كل الذكور يدفعون كل غالى وثمين للحصول على قلبها والشباب الذى يرفع دعوات مقاطعة مسلسل تامر حسنى مسلسل “آدم ” ومسلسل غادة عبد الرازق مسلسل” سمارة”، كان سوف يعبر عن وعى أكبر إذا قدموا نقدا لهذه الأعمال من منطلق فنى وطرح رؤى فنية بدلا من الارتكان على موقف تامر أو غادة من الثورة كانوا سوف يصلون لأهدافهم ولكن لا بالرفض والمقاطعة بل بالمشاهدة والحوار .
فتاريخ تامر حسنى كممثل لا يشجع على المتابعة، ولكن هناك كثيرون قد يترقبون مشاهدة أول عمل تليفزيونى له فحتى إذا لم يقدم أداء جبارا، أكيد هناك عناصر أخرى بالعمل قد تحتوى على بعض الجاذبية، وسمارة عمل سبق تقديمه أكثر من مرة. حيث بدء كمسلسل إذاعى قدمته النجمة سميحة أيوب ثم فيلم متميز للراقصة تحية كاريوكا نجح بشكل كبير، وتم إنتاج جزء ثانى منه تحت عنوان عفريتة سمارة ولم يلق نفس النجاح، وهى قصة تقليدية مهما تم تحديثها أو الإضافة لها، ولكن هذا لا يعنى أن هناك بالفعل قطاعات شعبية ضخمة تستمتع بعمل مثل سمارة ويحقق لها المتعة، الأمر الذى تكرر فى أعمال غادة السابقة “الباطنية، زهرة وأزواجها الخمسة”، ووضعها فى مكانة متقدمة عند شركات الإنتاج، ورغم التحفظات على تامر وغادة إلا أنى أتذكر تعليق الأديب العظيم نجيب محفوظ عندما تحدث عن بعض الفنانين الذىن يقدمون أعمالا سطحية تجذب البسطاء فكان يلقبهم بصناع البهجة والسعادة بالنسبة لجماهيرهم .
ثم لماذا يتحمل الممثل فقط دون عن باقى فئات المجتمع عقاب المقاطعة، فهناك فئات عديدة كانت تتصل بالتليفزيون والفضائيات وتهاجم الثوار، وهل إذا كان هناك طبيب ماهر عبر عن موقف ضد الثورة نطلب المرضى بمقاطعته، الأمر بالفعل يحتاج إلى تفكير عميق لا مجرد صورة عليها علامة إكس باللون الأحمر وشعار المقاطعة فمثلا الذين يطالبون بمقاطعة النجم عادل إمام بحجة أنه فنان النظام وأن أفلامه كانت تخدم النظام بالتنفيس عن غضب الناس يقيسون كل أعمال عادل إمام من وجهة نظر واحدة ومحدودة، فى حين أن الفن وجهات نظر، وحتى إذا كان الغرض هو التنفيس ألم تنتقد أعمال مثل طيور الظلام، واللعب مع الكبار، الفساد السياسى وفساد الحزب الوطنى تحديدا، ثم هنا يوجد خلل فى فهم العمل الفنى بتحميله كله على الممثلين والذين عملهم هو الأداء فى حين أن الفكر هو للمؤلف وشكل المنتج النهائى للمخرج أم قراءة العمل فهو حق لكل متلقى على حدا، وهنا أذكر أن هناك رأى سائد يقول أن فيلم دكان شحاتة لخالد يوسف تنبأ بالثورة وحذر من الانفجار القادم الذى حدث بعد مقتل شحاتة – عمرو سعد – ومما يدل على تعدد وجهات النظر فى قراءة الفن، أذكر أنى التقيت بشخص مثقف رأى أن الفيلم يخدم فكرة التوريث، فقد رأى أن شحاتة هو جمال مبارك وإذا لم يرث الحكم وقتل طموحه سوف تحدث الاضطرابات والقلاقل، وهى وجهة نظر بعيدة ولكن لايستطيع أحد أن يمنع مشاهد من التفكير فى ذلك وهذه روعة الفن.
يبقى مبرر آخر قد يكون وراء رفض الكثير من الفنانين للثورة، وهو نجاح النظام السابق فى بث الخوف من التيارات الأصولية والتى اعتبرها هى البديل الأول له فى حالة التغيير وهى تيارات تعادى الفن والفنانين ومن الطبيعى أن يخشى الفنانين وصولهم للحكم، لذلك يؤيدون النظام القائم وهو خوف قد يراه البعض فى محله خاصة بعد توحش التيار السلفى فى الشارع بعد الثورة، ولكل هذا فلابد أن تختفى صفحات المقاطعة من على الفيس بوك لأن مصادرة حق المشاهدة ضد واحد من أهم شعارات الثورة ضد هتاف الجماهير حرية حرية حرية .