منذ أن تولي حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم في تركيا السلطة عام 2002, تغيرت السياسة الخارجية في تلك البلاد بـ 180 درجة. فقد ضعفت علاقات تركيا مع الولايات المتحدة وإسرائيل التي كانت ذات مرة قوية, كما توقفت محادثات الانضمام إلي الاتحاد الأوربي, في حين شرعت أنقرة إلي الدفاع عن البرنامج النووي الإيراني وحركة حماس. إن السبب في حدوث هذا التحول هو بسيط: يعتقد رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان وحكومته أن الباحث الأمريكي صموئيل هنتنجتون كان علي حق في نظريته أن هناك صداما بين الحضارات, وأن الحكومة التركية تقف مع جبهة الإسلاميين, وليس مع الغرب.
وبالنسبة لـ حزب العدالة والتنمية ##تمثل علاقات تركيا القوية تقليديا مع الغرب, عملية اغتراب معاكس##. إن هذا هو اقتباس من ##العمق الاستراتيجي##, الكتاب الذي ألفه وزير خارجية تركيا أحمد داوود أوغلو. وللأسف, لم يترجم ##العمق الاستراتيجي## إلي اللغة الإنجليزية, علي الرغم من أن الغربيين كانوا سيستفيدون من قراءته للحصول علي فهم أفضل لتفكير أنقرة. ويجيب الملخص التنفيذي للكتاب عن كل التساؤلات حول سياسة حزب العدالة والتنمية الخارجية: ##منذ نهاية الإمبراطورية العثمانية, حصل المسلمون علي النهاية القصيرة من العصا, وحزب العدالة والتنمية هو هنا لتصحيح كل ذلك##.
ومع ذلك, لن يقوم حزب العدالة والتنمية بتصحيح جميع الأخطاء ضد المسلمين. ويعود السبب لذلك إلي أن الإسلاموية — عقيدة سياسية تري المسلمين في صراع دائم مع الغرب ومع ##غير المؤمنين## — وليس الإسلام, هي التي توجه السياسة الخارجية لـ حزب العدالة والتنمية. ولذلك تفضل أنقرة الإنحياز إلي إسلامويين آخرين عوضا عن تأييد مسلمين لا يشاركونها نظرتها المانوية العالمية المانوية — ديانة ظهرت حوالي 300 سنة قبل الإسلام. وهكذا, سيغفر الحزب عن علل الأنظمة الإسلاموية ضد إخوانها المسلمين وحتي سيدافع عنها; ومن بين هذه العلل الإبادة الجماعية التي تقوم بها السودان ضد سكان دارفور وأعمال القمع التي تقوم بها طهران ضد سكانها. وبالمثل, ستقوم حكومة أنقرة بدعم حماس الإسلاموية وأهدافها العنيفة, إلا أنها لن تدعم السلطة الفلسطينية العلمانية أو قيام حل سلمي لقضية فلسطين.
وينطبق هذا التضامن الانتقائي أيضا علي العلل التي ترتكب ضد المسلمين من قبل غير المسلمين, طالما يكون أولئك من غير المسلمين هم من المعادين للولايات المتحدة أو أوروبا. ويعود سبب ذلك إلي أن الإسلام السياسي كان قد اتخذ قرارا استراتيجيا مفاده أن عدو عدوه صديقه. لذلك, لن تصاب روسيا بأي انتقادات لسياستها بسبب الأعمال العسكرية التي تقوم بها ضد الشيشان بغض النظر عن عدد الشيشانيين الذين يقتلون من قبلها.
ورغم ذلك, ستقوم أنقرة وبصورة دائمة باستهداف إسرائيل علي نحو منفرد, بسبب التزام حزب العدالة والتنمية بالنظرة الإسلاموية المتمثلة بأن الدولة اليهودية علي هذا النحو — بغض النظر عن حدودها أو سياساتها المحددة — ستكون دائما شوكة في حلق ##العالم الإسلامي##.
هناك القليل الذي يمكن للغرب القيام به لتغيير نظرة السياسة الخارجية لـ حزب العدالة والتنمية. وفي واقع الأمر, ساعد بعض صناع القرار والخبراء في واشنطن وبعض العواصم الأوربية, ربما عن غير قصد, في تمكين حدوث هذا التطور في الأصل. وإيمانا منهم بأن سياسة حزب العدالة والتنمية الإسلاموي الإصلاحي المفترض, قد تتمثل ببناء جسور بين الغرب والدول الإسلامية, فقد قاموا بالترويج للحكومة التركية الجديدة كوسيطا من نوع خاص في المنطقة, في الوقت الذي قاموا بحمايتها من أولئك النقاد الذين كانوا يقلقون في وقت مبكر من النظرة العالمية لـ حزب العدالة والتنمية.
إن السماح لمحفز إسلاموي من هذا القبيل بالمشاركة في صراعات الشرق الأوسط قد أسفرعن نتائج مدمرة. وبما أن حزب العدالة والتنمية يري صداما بين الحضارات في كل مكان ينظر إليه, فليس بإمكانه أن يكون وسيطا محايدا. ولذلك, فعندما تم السماح لهذا الحزب بإقحام نفسه بين حماس والسلطة الفلسطينية, أو بين الولايات المتحدة وإيران, سرعان ما تحول منبرا للإسلامويين, ونهض للدفاع عنهم. وبعد مرور ثماني سنوات علي حكم حزب العدالة والتنمية الاستبدادي والمهيمن بصورة متزايدة علي تلك البلاد, ينظر الآن أيضا الكثير من الأتراك إلي العالم من خلال عيون الصراع الحضاري للإسلامويين.
وعلي الرغم من أن حزب العدالة والتنمية هو القوة السياسية الرئيسية في تركيا, إلا أن شعبية الحزب بدأت في الانزلاق بعد أن قام حزب الشعب الجمهوري المعارض بانتخاب زعيما جديدا الذي هو أيضا شخصية مؤثرة وفعالة. وحتي أن أحد إستطلاعات الرأي -الذي جري قبل وقوع حادث أسطول الحرية- كان قد أظهر أن حزب المعارضة قد تقدم علي حزب العدالة والتنمية للمرة الأولي منذ عام .2002 ومع ذلك, تظهر استطلاعات الرأي الأخيرة, بأن كارثة غزة التي أدت إلي وفاة مواطنين أتراك بصورة مأساوية قد عززت من شعبية حزب العدالة والتنمية.
ومما لا شك فيه أن الحكومة ستواصل استخدام سياسة خارجية شعبوية معادية للغرب لتعزيز شعبيتها خلال الفترة التي ستسبق الانتخابات في العام القادم.
يتعين علي الغرب مواجهة الواقع بأنه علي الرغم من عضوية تركيا في منظمة حلف شمال الأطلنطي, لا يمكن بعد الآن اعتبار تلك البلاد حليفا للغرب في ظل حكم حزب العدالة والتنمية. ومن أجل احتواء النفوذ الإسلاموي لـ حزب العدالة والتنمية ليس فقط في تركيا, بل أيضا في المنطقة, يجب علي الغرب أن لا يسمح لحكومة أردوغان بالتمتع بالنفوذ والمكانة التي تأتي مع ترقيتها إلي دور وسيط في المنطقة. حان الوقت للزعماء الغربيين أن ينأوا بأنفسهم -إلي حد ما- عن أنقرة.
سونر جاجابتاي هو زميل أقدم ومدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن.
وول ستريت جورنال