صدر مؤخرا تقرير حالة الشعاب المرجانية في العالم لسنة2008 وهو المرجع الشامل الوحيد للتعرف علي وضعها الراهن ونوعية المخاطر المحيقة بها في نحو17 منطقة بحرية إقليمية تضم ما يقرب من100دولة, من بين يها 13دولة تطل علي البحر الأحمر وخليج عدن والخليج العربي وخليج عمان.
من أبرز ما جاء في التقرير الصادر عن الشبكة العالمية لرصد الشعاب المرجانية بمشاركة أكثر من 372 عالما ومتخصصا من 96دولة, إشارته إلي أن 19بالمائة أي ما يقرب من خمس مساحة الشعاب المرجانية علي مستوي العالم فقدت بالكامل,نتيجة الضغوط البشرية والطبيعية المتزايدة, فضلا عن إمكان اختفاء35 في المئة أخري خلال السنوات الأربعين المقبلة إذا استمرت هذه الضغوط بالوتيرة نفسها.
التغير المناخي المدمر
الشعاب المرجانية كائنات رقيقة وحساسة للغاية,تتطلب بيئة معيشية محددة ومواصفات أيكولوجية مستقرة وثابتة نوعا ما, خاصة بالنسبة إلي درجة حرارة الوسط المائي والإضاءة,لذا فإن أي تغير في ظروف تلك البيئة يمكن أن يؤدي إلي تعريض قطاعات كبيرة من هذه الشعاب للتدمير الكامل, من هذا المنطلق,يتوقع أن تكون الشعاب المرجانية من أولي الأنظمة البيئية البحرية تعرضا للتدمير وأكثرها تأثرا بتداعيات الاحتباس الحراري المسبب للتغير المناخي.
الأبيضاض ظاهرة مدمرة للشعاب المرجانية الصلبة,تنتج غالبا من ارتفاع درجة حرارة الوسط المائي فوق المعدلات المحتملة, فهذا يؤدي إلي هجرة الكائنات الطحلبية المتكافلة مع المرجانيات, والتي تضفي عليها ألوانا زاهية وتمدها بالطاقة والغذاء,من الهياكل المرجانية الصلبة,فتتحول المرجانيات إلي مجرد حجارة مصمتة, لا حياة فيها ولا جمال.
شهد العالم تنامي هذه الظاهرة خلال العقد الماضي,حيث ضربت البحار والمحيطات الشعاب بموجات من الابيضاض, أبرزها عام 1998 أدت إلي فناء ما يقرب من 16في المئة من مساحة الشعاب الضحلة علي مستوي العالم, وموجة أخري عام2002,لكن هذه الظاهرة مرشحة لمعاودة الظهور بشكل أكثر توحشا وبمعدلات أكثر تسارعا في المستقبل بسبب الاحتباس الحراري.
وتشكل زيادة حموضة البحار والمحيطات تهديدا حقيقيا آخر للشعاب,فازدياد نسبة ثاني أوكسيد الكربون في الجو يؤدي إلي ذوبان كميات إضافية منه في مياه البحار والمحيطات فترتفع حموضتها نتيجة تكون حمض الكربونيك,كما سيؤدي في المقابل إلي نقصان نسبة أيونات الكربونات في تلك المياه,ما يعني ضعف نمو المرجانيات الصلبة وعدم قدرتها علي بناء هياكلها الجيرية المكونة أساسا من كربونات الكالسيوم,وهو أمر من شأنه تقلص مساحة الشعاب المرجانية الممتدة عبر سواحل العالم وبالتالي تقلص حجم الخدمات والموارد التي يقدمها هذا التكوين الطبيعي الخلاب.
الشعاب العربية
يوضح التقرير أن الشعاب المرجانية في منطقة البحر الأحمر وخليج عدن تتمتع عموما بحالة صحية جيدة وبكثافة مرتفعة, حيث تصل نسبة الغطاء المرجاني,سواء من المرجانيات الرخوة أو الصلبة, إلي أكثر من 50 في المئة, وهذا علي رغم تعرض بعض المناطق لموجات محدودة من الابيضاض, وهجمات نجم البحر ذي التاج الشوكي الذي يتسبب في تقطيع المرجان.
من الجوانب المضيئة التي ذكرها التقرير أيضا تعافي مناطق كثيرة, خصوصا في السعودية والسودان واليمن من آثار موجات الابيضاض التي حصلت عام 1998,كما أشار إلي زيادة الجهود والمبادرات الإقليمية والمحلية الهادفة إلي حماية الشعاب المرجانية وإدارة السواحل والثروات البحرية, بشكل واضح خلال الفترة الأخيرة.
ومن أبرز النقاط السلبية بشأن شعاب البحر الأحمر, وجود بعض الدلائل علي مسئولية التغير المناخي عن تدهورها في بعض المناطق,كما تتعرض مساحات كبيرة من الشعاب بالقرب من المدن والمراكز الصناعية الساحلية, خصوصا في مصر والسعودية واليمن, للتدهور والتدمير بسبب أعمال التجريف والردم والتلوث البحري الناتج عن صرف المخلفات الصناعية ومياه المجارير وغيرها بالقرب من السواحل.
في الخليج العربي وخليج عمان أشار التقرير أيضا إلي نقاط إيجابية وأخري سلبية, وتعافت نسبة وإن محدودة من الشعاب التي تعرضت لإعصار جونو في صيف 2007,وتحسن بعضها بدرجة كبيرة, كما ازدادت المبادرات والجهود الرامية لحماية شعاب المنطقة بشكل كبير خلال السنوات الخمس الماضية, ولاسيما في الإمارات وقطر وإيران وازدادت درجة التنوع الإحيائي والغطاء المرجاني,خصوصا قرب جزر هلول في قطر وياسات ودلما في الإمارات.
وفي مقابل ذلك أشار التقرير بشكل واضح إلي التأثير السلبي لعمليات التنمية الساحلية والمشاريع السياحية والعمرانية الجارية علي امتداد سواحل الإمارات وقطر والبحرين, بما تتضمن من ردم وحفر للسواحل, ومسئولية ذلك عن تدهور مساحات شاسعة من الشعاب المرجانية القريبة منها, كما لفت النظر إلي الدمار الواسع الذي أحدثه إعصار جونو في صيف 2007 وتسببه في اختفاء قطاعات كبيرة من الشعاب المرجانية, خصوصا في خليج عدن.
توصيات
تضمن التقرير عدة توصيات أهمها:
تحسين مستوي الإدارة الساحلية, والعمل علي تضمين شعاب مرجانية جديدة داخل حدود المحميات البحرية القائمة وتشديد الجهود المشتركة والبيئة من أجل تحقيق إدارة ساحلية رشيدة علما أن هناك عددا كبيرا من الدول العربية التي تشرف سواحلها وحدودها البحرية علي مساحات ممتدة من الشعاب المرجانية والموائل الأخري.
العمل علي زيادة الوعي البيئي بين العامة, عن طريق المنشورات والتعاون مع وسائل الإعلام وتنظيم ندوات وورش عمل دورية للتوعية والإعلام العلمي.