في إطار تحرك جديد من نوعه, وصل وفد مؤلف من تسع سيدات سعوديات بارزات إلي باريس في شهر ديسمبر الجاري, حملن معهن رسالة جريئة مفادها أن وضع المرأة بدأ يتغير في بلدهن الذي يعتبر محافظا إلي أقصي الحدود.
شكل وجود هؤلاء النساء المثقفات جدا والمتزنات في كلامهن في باريس دليلا دامغا علي تسارع وتيرة الإصلاح في المملكة العربية السعودية. وكانت من بينهن مديرات تنفيذيات وأساتذة في الجامعات وعالمات وناشطات في ميدان حقوق الإنسان. وكن جميعهن يجبن بسهولة علي الأسئلة الصعبة أحيانا التي طرحت عليهن خلال مؤتمر صحفي حاشد.
تحمل لمي السليمان, وهي إحدي السيدات في الوفد, شهادة في الكيمياء الإحيائي من جامعة بريطانية, وهي سيدة في بداية الأربعينيات من العمر. إنها أول امرأة تصبح عضوا في مجلس إدارة غرفة التجارة في جدة كما أنها عضو في مجلس إدارة المصرف السعودي الفرنسي. وتركت هذه المرأة الشاحبة الوجه التي تضع حجابا أسود علي رأسها وتتحدث بثقة باللغتين العربية والفرنسية, انطباعا ممتازا.
وأوضح أعضاء الوفد أن الملك عبدالله بن عبدالعزيز يقود بنفسه هذا الإصلاح. وأضفن أن أولويته تكمن في تأمين أوسع مشاركة ممكنة للمرأة في الحياة العامة السعودية.
تعتبر هذه الأفكار متقدمة إلي أبعد الحدود في بلد مثل المملكة العربية السعودية, حيث فرص عمل المرأة محددة وارتداء الحجاب مفروض في الأماكن العامة كما لا يحق لها قيادة السيارة ولا السفر إلي الخارج من دون أن يرافقها رجل من أفراد عائلتها. والملفت هو الزخم والدفع الذي يتم تقديمه لموضوع مساعدة المرأة في هذا البلد الغني والمعروف بمجتمعه التقليدي.
في هذا الإطار جاءت خطوة الملك عبدالله في شهر سبتمبر الماضي, بافتتاحه أحد مشاريعه المفضلة ألا وهو جامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا, حيث الاختلاط مسموح داخل حرم الجامعة. وعلي رغم النقاشات وردود الفعل علي ذلك فقد قام الملك عبدالله بفرض سلطته بحزم لكن بأسلوبه المعهود في الإقناع وعدم المواجهة. ووصف الملك جامعته الجديدة بأنها بمثابة بيت الحكمة في إشارة إلي تقاليد تقدير العلم في مراحل الحكم الإسلامي.
ساهم حضور الوفد النسائي في باريس في كشف الاستراتيجية التي يعتمدها الملك عبدالله كما شددت هؤلاء السيدات السعوديات الناشطات والمحترفات في ميادين عملهن علي هويتهن الإسلامية. لقد استوحين مثالهن من خديجة أولي زوجات النبي محمد ومن عائشة التي تزوجها بعد وفاة خديجة. إلا أنهن شددن علي عزمهن علي الإفادة بالكامل من الحياة الحديثة. فالقيم الدينية التي يدافعن عنها هي التي تحترم المرأة وتعطيها فرصة المشاركة في الحياة العامة.
كما لفت بعض أعضاء الوفد إلي أن الاختلاط بين الجنسين كان شائعا في عصور الإسلام الأولي وهذا ما يجب أن يكون عليه الحال اليوم لكن يجب تطبيق ذلك بلياقة وحشمة وأدب.
وأشارت إحداهن إلي أن الحجاب يطرح مشكلة في فرنسا أكثر مما هو في العالم الإسلامي, حيث لا يشكل عائقا أمام تقدم المرأة. وأضفن نرغب في التوصل إلي مساواة مع الرجل لكننا نقر بأن ذلك يجب أن يأتي تدريجا.
وتابعن القول إن الإصلاحات التي فرضها الملك عبدالله لقيت مقاومة اجتماعية أكثر منها سياسية. وعلي رغم أن التشجيع علي التغيير أتي من رأس السلطة, إلا أن المجتمع السعودي الحريص علي حماية هويته التقليدية يتصرف بحذر.
وفي باريس, التقي أعضاء الوفد مع عدد من كبار المسئولين في الحكومة وفي المؤسسات التربوية وفي المجموعات النسائية. ولفتن إلي أنهن أصبحن مقتنعات أكثر من أي وقت مضي بضرورة تخصيص كوتا للمرأة من أجل بلوغ تمييز إيجابي في ميدان العمل. ويتم حاليا توظيف النساء السعوديات في مناصب تعني بالتعليم والصحة بشكل أساسي. كما أردن توسيع فرصهن في المهن الأخري. وذكرن أن المادة 160 من قانون العمل التي تمنع اختلاط الجنسين في مكان العمل قد ألغيت.
في تقرير أخير أعدته اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا الأسكوا حول وصول المرأة العربية إلي الموارد الاقتصادية والمالية جاء أن مشاركة النساء السعوديات في اليد العاملة ارتفعت من 17 في المئة عام 2000 إلي 20 في المئة عام .2007 ومن الواضح أن الطريق لا يزال طويلا أمام المرأة السعودية لبلوغ المساواة مع الرجل لكن المنحي بحسب الوفد الذي زار باريس يسير علي الخط الصحيح.
واستطاع بعض السيدات السعوديات شق الطريق إلي القرار السياسي أيضا. ففي 14 فبراير الماضي, تم تعيين الدكتورة نورا الفايز وهي سيدة سعودية تلقت تحصيلها العلمي في أمريكا في منصب نائب وزير التربية والتعليم لشئون البنات في المملكة, ولا شك أن هذه الخطوة تشكل محطة مهمة, ولا شك أننا سنشهد المزيد منها في المستقبل.
* كاتب بريطاني متخصص في شئون الشرق الأوسط