قبــل أن تغزو أمريكا العراق, قدر مسئولون في إدارة بوش بأن الحــرب قد تكلف عشرات, وفي أقصي تقدير مئات, المليارات من الدولارات. الخبـير الاقتصادي الحائز علي جائزة نوبل جوزيف إي ستيجليتس وليندا جيه بيلمز من كلية كنيدي في جامعة هارفارد يطرحان أرقاما مختلفة تماما في كتابهما الجديد (حرب الثلاثة تريليونات دولار: الكلفة الحقيقية للنزاع في العراق). وهما يجمعان في الكتاب كل المعلومات الخاصة بنفقات الحرب من رواتب الجنود إلي المعدات ومستحقات المتقاعدين إلي التكاليف الاجتماعية والاقتصادية الأوسع, ويتفحصان كيف يؤدي سوء الإدارة, والمحاسبة الغامضة, وأعمال تخصيص الحرب, إلي فواتير هائلة يمكن أن يظل الأمريكيون يدفعون مستحقاتها علي مدي نصف القرن القادم. ستيجليتس تحدث أخيرا مع رنا فروهار من نيوزويك. وهذه مقتطفات من الحوار:
* نيوزويك: ما قيمة الثلاثة تريليونات علي مدي 50 عاما؟ ما الأشياء الأخري التي كان بإمكان الولايات المتحدة أن تقوم بها بتلك الأموال؟
** ستيجليتس: يمكنك أن تنظري إليها وتقولي ”ذلك جزء صغير من اقتصاد غني”, أو يمكنك أن تنظري إلي أمور كبرنامج تأمين صحة الأطفال المقترح الذي نقضه [الرئيس بوش] أخيرا علي أساس أنه مرتفع التكاليف, وهو ما يمكن مقارنته بكلفة أيام فقط من القتال في العراق. إن تمويل بحث رئيسي حول مرض التوحد يعادل ساعات من كلفة القتال في العراق. بوش قال إن هناك ”ثقبا هائلا” في برنامج ضماننا الاجتماعي, لكن كان بإمكاننا إصلاح الضمان الاجتماعي لـ50 عاما أو 75 عاما مقابل سدس تكاليف الحرب في العراق.
* أرقامك أعلي كثيرا, ليس فقط مقارنة مع ما أوردته الإدارة, بل مقارنة مع تقديراتك الأولية التي قدرتها بتريليون أو تريليوني دولار عام 2006, لماذا؟
** لقد سارت الحرب بشكل أسوأ مما توقعه الناس, وقد استمرت لفترة أطول كثيرا. وارتفعت تكاليف أشياء كالتجنيد لأن الحرب سارت بشكل سئ جدا. هناك استخدام متزايد للشركات الخاصة, وهناك حراس أمنيون يتقاضون ألف دولار في اليوم, ونحن ندفع أيضا تكاليف تأمين هؤلاء الأشخاص. كما أن هناك غموضا في المحاسبة. مثلا, إذا ما تم تفجير الدبابة الأولي ضمن قافلة فإن ذلك يحتسب ضمن الخسائر العسكرية. أما إذا اصطدمت دبابة أخري بالدبابة الأولي التي انفجرت, فإن ذلك يسمي شيئا آخر, ولا يحتسب ضمن الميزانية الدفاعية. لكن دافعي الضرائب سيتحملون العبء علي أي حال.
* كم يبلغ ارتفاع تكاليف هذه الحرب ضمن السياق التاريخي؟
** [حرب] العراق الآن, هــي نزاع أمريكا الأكثر كلفة منذ الحــرب العالمية الثانية. فتصــل تكاليف إبقاء الجندي الواحد في العراق لسنة واحدة إلي 400 ألف دولار مقارنة بنحو 50 ألف دولار كتكاليف مماثلة خلال الحرب العالمية الثانية بعد احتساب قيمة التضخم. ويعود ذلك جزئيا إلي أن نسبة الجرحي إلي القتلي قد ارتفعت من 2 إلي 1 لتصبح 15 إلي .1 إنها معجزة من معجزات الطب الحديث. لكن هناك تكاليف لذلك. لقد انتهت آخر دفعة من دفعات محاربي الحرب العالمية الثانية القدامي للتو (ولم تصل هذه الدفعات إلي ذروتها إلا عام 1993) لقد أوجدت هذه الحرب مستحقات هائلة, لا تمويل لها, لقدامي المحاربين, لقد عملوا للحصول عليها, لكنها من دون تمويل. لقد تمت معالجة 260 ألفا من قدامي المحاربين حتي الآن من العراق وأفغانستان في مستشفيات قدامي المحاربين العسكريين. وهو ما يؤدي إلي التزاحم مع قدامي المحاربين الآخرين. وفي الوقت ذاته, لم يتم طلب معدات إنقاذ الحياة مثل عربات (إم آيه آر بيه) المدرعة التي طلبتها مشاة البحرية في وقت مبكر من 2005 إلا بعد مغادرة رامسفيلد. أعتقد أن ذلك يعود إلي أن الحكومة كانت تحاول تخفيض تكاليف الحرب بشكل أكثر وضوحا.
* ما التكاليف الاقتصادية الكبيرة للولايات المتحدة في العراق؟
** لقد نظرنا إلي أشياء مثل زيادة أسعار النفط, والعجز المتزايد, والفائدة علي الدين, وتحويل الموارد من استثمارات أخري. ونظرا لكل هذه الأشياء, فإن المرء سيظن أن الاقتصاد ينبغي أن يكون في وضع أسوأ مما هو عليه الآن. إذن لماذا هو غير ذلك؟ إن تفسيرنا هو أن السياسة المالية الرخوة, والنظم المالية المرنة قد غطت علي المشكلة لقد ساعدت عمليات سحب 900 مليار من رهونات العقارات سنويا في تمويل ذلك كله. لكنها كانت مسألة وقت قبل أن يأتي يوم الحساب, وها هو قد وصل الآن. نحن لم ندفع [للحرب] مقدما وسوف ندفع الآن سعرا أعلي بسبب فوضي الاقتصاد العامة.
* ما العواقب الاقتصادية العالمية الرئيسية؟
** كان سعر [برميل] النفط 25 دولارا قبل الحرب. وقد وصل إلي 100 دولار الآن. وينقل هذا التحول الثروة بعيدا عن الولايات المتحدة نحو أماكن مثل, لنقل, أبو ظبي. لذا من غير المفاجئ حين تواجهنا مشاكل مالية في هذه البلاد أن نلجأ إلي صناديق الثروة السيادية لكي تساعدنا علي النجاة.
* ما توصيتك لصناع القرار بشأن التعامل مع العراق عند هذه النقطة؟
** علينا أن نفكر بأننا ننفق 12 مليار دولار من التكاليف مقدما كل شهر, إضافة إلي جميع التكاليف اللاحقة, مثل منافع الإعاقة. ويمكن لذلك أن يبلغ 500 مليار إلي 600 مليار دولار علي مدي عامين. هل سيكون الوضع أفضل بما قيمته 600 مليار دولار خلال عامين؟ هل من شيء آخر يمكن أن نفعله بتلك الأموال لتحسين حياة العراقيين؟
نيوزويك