بعد فترة من الغزل المؤقت مع ##ميشال باكمان## و##ريك بيري## و##هيرمان كاين##, استقر الحزب ##الجمهوري## أخيرا علي اختيار مرشحيه الدائمين وتركيز جهوده علي تضييق الخيار حتي يصل في النهاية إلي مرشح يمثله في الانتخابات الرئاسية المقبلة, وهكذا بات لدينا مرشحان رئيسيان يخوضان السباق الانتخابي: ##ميت رومني## و##نيوت جنجريتش## اللذان ينحدران تقريبا من البيئة السياسية نفسها, ويتمتعان بالحد الأدني من المصداقية الرئاسية, كما أن الرجلين معا هما من## المحافظين## في المجال الاقتصادي دون أن يميلا إلي التشدد في أجندتهما.
وتجدر الإشارة هنا إلي أن ##رومني## من مواليد 12 مارس 1947, وشغل منصب حاكم ولاية ماساشويتس خلال الفترة من 2003 إلي 2007, أي أنه كان الحاكم رقم 70 في تاريخ الولاية. أما جنجريتش البالغ من العمو 67 عاما, فهو من مواليد 17 يونية 1943 فقداشتهر باتجاهاته ##المحافظة##, حيث دخل في موجة معارضة ضد الرئيس ##الديموقراطي## الاسبق بيل كلينتون بعد ان تزعم ما تم وصفه بـ ##الثورة الجمهورية## في انتخابات عام 1994 التي هيمن خلالها حزبه الجمهوري علي الكونجرس,, وشغل منصب رئيس مجلس النواب, خلال الفترة من 1995-.1999
وفي مجال السياسة الخارجية, يميل المرشحان إلي سياسة ##ريجان## وطريقته في التعامل مع المسرح الدولي, وحتي الخروج عن الإجماع الأيديولوجي للحزب, يتمتع الرجلان بسجل معروف في مخالفة القواعد الحزبية, سواء تعلق الأمر بإصلاح القطاع الصحي الذي دافع عنه ##رومني## خلافا لموقف حزبه التقليدي المعارض, أو فيما يتصل بالقضايا البيئية التي انحاز إليها ##جنجريتش## في مرحلة من مراحله السياسية, رغم تحفظ ##الجمهوريين##, ويشترك المرشحان أيضا في امتلاك معرفة جيدة بالتاريخ والقضايا المعاصرة والقدرة علي التحاور مع الرأي العام واستخدام الحجج المقنعة, وهو الأمر الذي يفتقده باقي المرشحين ##الجمهوريين##.
لكن رغم أوجه التشابه تلك هناك أيضا فروقات مهمة بين ##رومني## و##جنجريتش## تجعلهما أحيانا علي طرفي نقيض, فمن ناحية يتميز ##رومني## بكونه سياسيا معتدلا في فضائله كما في عيوبه, فهو منظم ومنضبط وقادر علي إظهار مواصفات قيادية مهمة, وإن كانت ليست عالية الطراز مثل تلك التي كانت لدي تشيرشيل علي سبيل المثال.
غير أن حرص ##رومني## علي إرضاء الجميع ترك وراءه مجموعة من السياسات غير المكتملة التي اضطر للتخلي عنها بعد الانتقادات, وهو ما أثار عليه سخط المتحزبين الأيديولوجيين من مختلف الجهات.
وبينما يتعالي ##رومني## عن الفضائح التي تلوث سجل باقي السياسيين لانضباطه التام, إلا أنه في الوقت نفسه يفقتد لحس التواصل الإنساني, فقد اعترف ##رومني## خلال الأسبوع الجاري أمام الجمهور قائلا ##جربت الخمر والتدخين مرة واحدة أيام المراهقة ولم أقترب منهما قط منذ ذلك الوقت##.
ولو أن ##رومني## غامر بتذوق الجرعة الثانية لكان أقرب إلي الأمريكيين.
وعلي عكس ##رومني##, يمتلك ##جنجريتش## مزايا كبيرة ونقاط ضعف كثيرة, ففي النقاشات العامة غالبا ما يتألق ##جنجريتش## ويستحوذ علي اهتمام الجمهور, كما أن شعوره بالضرورة التاريخية حاد وظاهر, فبالنسبة له كل لحظة هي الأكثر دقة منذ معركة العلمين, أو منذ صعود كمال أتاتورك, وليس كافيا في رأيه أن يعدد إخفاقات مكتب الموازنة التابع للكونجرس, بل إن جماعة الخبراء الاقتصاديين الذين يعملون فيه هم جزء من ##مؤسسة اشتراكية رجعية##.
ويبدو أن ##جنجريتش## اختار أسلوبا خطابيا مميزا يقوم علي الاستفزاز من خلال المبالغة, وفي هذا السياق أيضا لا تعتمد رسالة ##جنجريتش## علي استراتيجية موحدة ومنضبطة, بل تقوم علي ذخيرة متجددة من الحماس الفكري.
وهكذا أمضي ##جنجريتش## وقته خلال منتدي للمحافظين حضره بولاية أيوا في انتقاد ##بول بريمر## عندما كان رئيسا للسلطة الانتقالية في العراق قبل أن ينتقل إلي الحديث عن المحاكم الفيدرالية في أمريكا.
وبعد اللقاء أخبرني أحد المساعدين أن ##جنجريتش## سجل قبل لحظات قليلة من اعتلاء المنصة بعض الملاحظات السريعة, وهو ما يحيل إلي قدرته علي الارتجال, لكن في نفس الوقت فشله في الانضباط والحفاظ علي وحدة الموضوع وتماسكه.
فمن الذين يريدوه الجمهوريون؟ هل يراهنون علي الانضباط الممل أحيانا, أو يختارون البريق غير المستقر؟ فخلال إحدي المناظرات ##الجمهورية## علي هامش السباق الانتخابي التي تمحورت حول موضوع الهجرة, أكد ##جنجريتش## علي ضرورة تعزيز أمن الحدود واحترام المشغلين للقانون, لكنه أضاف بأن بعض المهاجرين غير الشرعيين لديهم جذور أمريكية عميقة, فهناك بعض الأشخاص كما قال ##أمضوا 25 سنة في أمريكا ولديهم جيلان من أفراد العائلة فوق التراب الأمريكي, وخلال تلك المدة كانوا يدفعون الضرائب وينتسبون إلي كنيسة محلية…ولا أعرف كيف لحزب يدعي حماية العائلة والدفاع عن قيمها أن يتبني سياسة في الهجرة تدمر العائلات التي ظلت فوق هذه الأرض لربع قرن##, مؤكدا استعداده تحمل المسئولية والمزج بين عدم منحهم الجنسية والسماح لهم بالبقاء في إطار القانون.
والحقيقة أن استعداد ##جنجريتش## لمخالفة الاستراتيجية الحزبية والرأي السائد لدي المحافظين غير المتعاطف مع المهاجرين واختياره الدفاع عما يراه صائبا هي نقطة تحسب له, وبالطبع سارع ##رومني## إلي انتقاد موقف خصمه متهما إياه بتأييد سياسة العفو عن المهاجرين, رغم أن ##رومني## نفسه ساند مشروع إصلاح قانون الهجرة عام 2005 الذي كان يضم بندا حول إعطاء المهاجرين غير الشرعيين الحق في الحصول علي الجنسية.
ومع أن الحملات الرئاسية الناجحة, تعتمد بالأساس علي قدرة التحمل وقوة الانضباط ما يجعل ##جنجريتش## غير قادر علي منافسة ##رومني## في هذا المضمار, فإنه يظل- حتي من دون انضباط سياسي- علي درجة كبيرة من الجرأة والقدرة علي الإبهار.
——-
* ينشر بترتيب خاص مع خدمة ##واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس##