قامت الشركة الحكومية الأوكرانية لبيع السلاح بتوقيع عدة اتفاقيات مع العراق تبلغ قيمتها الإجمالية 4.2 مليار دولار, ومن المؤكد والبديهي أن الجانب الأوكراني لم يكن بوسعه الحصول علي الصفقة لولا دعم الولايات المتحدة, التي لم تعر الاهتمام إلي العروض التي طرحها صناع السلاح الروس.
ولا شك أن صفقة مثل هذه سوف تنعش قطاع صناعة السلاح في أوكرانيا بشكل كبير, وخاصة في ظل الأزمات والمشاكل التي يواجهها الاقتصاد الأوكراني الآن.
كما أن صفقة توريد الدبابات والمدرعات الثقيلة للعراق, ستمكن أوكرانيا من تحسين سمعتها كجهة صانعة للأسلحة الحديثة, كما أنها ستشجعها علي تطوير قطاع تصنيع السلاح, وتعطيها الحق في أن تأمل مستقبلا بعقد صفقات أسلحة جديدة.
ومن المعروف أن روسيا اقترحت هي أيضا نماذجها للمدرعات والخدمات الخاصة بتطوير وإصلاح الدبابات السوفييتية الصنع لدي العراق, ورافقت تلك الاقتراحات حملة دعائية قوية.
لكن الجميع يعلمون أن القرار بتوقيع العقد مع أوكرانيا لم يتم اتخاذه دون استشارة واشنطن, التي خصصت مبلغ ما يقارب 3 مليارات دولار لإعادة تزويد الجيش العراقي بالأسلحة, وستحصل الشركات الأوكرانية علي حصة الأسد من هذا المبلغ. ولا يمكن لساذج أن يتصور أن تدفع واشنطن أموالا لشراء سلاح من روسيا, المنافس الأول لها في أسواق السلاح العالمية.
ومما يلفت النظر أن أوكرانيا لا تبيع للعراق ما تبقي لديها من المدرعات السوفييتية القديمة, بل التصاميم والنماذج الحديثة. إذن, فإن الولايات المتحدة تلمح لدول العالم ولو بشكل غير مباشر, إلي أن مجمع الصناعات الحربية الأوكرانية بوسعه أن يصنع منتجات آمنة وواعدة, بما فيها الدبابات والمدرعات الحديثة.
في كييف, لا يعلق الخبراء العسكريون الأوكرانيون علي احتمال تدهور العلاقات الأوكرانية – الروسية في مجال الصناعات الحربية, من جراء الصفقة الأوكرانية مع العراق, بالرغم من أن صناع الأسلحة الروس كادوا قبل 10 سنوات أن يفشلوا الاتفاقية مع باكستان, عندما رفضوا توريد قطع الغيار للدبابات الأوكرانية المباعة إلي باكستان.
وقد تم تفسير ذلك آنذاك بأزمة المصالح, علما بأن روسيا كانت تورد دباباتها إلي الهند. لكن الوضع الصعب حمل أوكرانيا علي إنشاء صناعة متخصصة في إنتاج قطع الغيار, كما أنها استوردت جزءا منها من فرنسا والولايات المتحدة. ولا تتوفر لدي الشركاء الروس حاليا أية وسائل يمكن الاستعانة بها لعرقلة تنفيذ الصفقة مع العراق.
الصفقة الأوكرانية مع العراق لن تغضب روسيا تجاريا واقتصاديا, لأن روسيا ليست بحاجة لسوق السلاح العراقية الصغيرة في الوقت الذي تبيع فيه لدول أخري سنويا بأضعاف هذه الصفقة, والمصانع الحربية الروسية ليس لديها فائض, بل لا تستطيع أن تفي طلبات الجيش الروسي نفسه, بسبب كثرة مبيعاتها من السلاح في الخارج.
ولكن من المؤكد أن الصفقة الأوكرانية للعراق وراءها دوافع سياسية أكثر منها تجارية, وقد رفضت المصادر القريبة من وزارة الدفاع الأوكرانية بشكل قاطع مناقشة الدوافع السياسية للصفقة الجديدة.
وتقول هذه المصادر إن أوكرانيا ستورد إلي العراق الطائرات الحديثة والأسلحة الذكية والخدمات الخاصة بإصلاح وصيانة وتطوير الآليات الحربية, وذلك إلي جانب الدبابات والمدرعات. وبالرغم من عدم إشهار محتويات الصفقة, فإن العسكريين الأوكرانيين يقولون إن الاتفاقية ستسمح لأوكرانيا بأن تشغل المرتبة الخامسة أو السادسة في العالم, من حيث حجم تجارة الأسلحة والآليات الحربية.
أما الأموال الناتجة عن تحقيق الصفقة فسيتم توجيهها إلي تطوير مجمع الصناعات الحربية الأوكرانية, الأمر الذي لا يمكن إلا أن يثير القلق لدي روسيا التي كانت أوكرانيا سابقا تنافسها في الأسواق الخارجية, ثم تراجعت تماما, والآن تعود لتستعيد مواقعها في هذا المجال.
المشكلة الأخري لدي موسكو, أن أوكرانيا اعتادت عقد صفقات أسلحة مشبوهة وسرية, ومنها صفقات مع جورجيا ونظام الرئيس ساكاشفيلي هناك الذي تتهمه روسيا بالاستعداد دائما لحرب جديدة ضد جيرانه.
كاتب ومحلل سياسي أوكراني
البيان الإماراتية