أيها المصريون:
أنا “جاستون ماسبيرو” اسم غدا ملء الأسماع والأبصار والعقول مع إنطلاقة 25 يناير هذا العام، وقد التصقت بى أحداث جسام وأسماء لشخصيات دخلت التاريخ عن استحقاق…
أيها المصريون:
أنا “جاستون ماسبيرو” عالم الآثار الفرنسى- لم يدر بخلدى- عندما جئت إلى مصر فى القرن التاسع عشر لأعمل فى مجال عشقى “المصريات” أن يطلقوا اسمى “ماسبيرو” على مبنى الإذاعة والتليفزيون- أقدم التليفزيونات الحكومية فى الشرق الأوسط وأفريقيا، واسم الشارع الذى يطل عليه هذا المبنى؟… لم يدر بخلدى أن يلتصق اسمى فى مخيلتكم بالدم الحرام وعفونة الخيانة ومرارة الألم…
أيها المصريون:
أنا “جاستون ماسبيرو” الأديب الصغير الذى فزت فى المسابقة العامة للأدب وأنا فى الثالثة عشر من عمرى- لم يدر بخلدى أن الإنسانيات التى يتضمنها الأدب فى كل زمان ومكان قد تنهار أحياناً- بفعل اللا إنسانيين- ونحن اليوم فى ملء الزمان… ملء التحجر… ملء الجحود… كل هذا مقابل ماذا؟ سبيكة من الذهب؟ اتكائه على كرسى العرش؟ صولجان…
صدقونى أن هذه وتلك لا تصلح بعد لشئ… قد تسطر صفحة سوداء فى تاريخ الشعوب بفعل الهدم الكاره لأى بناء إنسانى وحضارى…
أيها المصريون:
أنا “جاستون ماسبيرو”- أعلم علم اليقين أنكم لازلتم شعباً خيراً طيب القلب، فقد عشت بينكم أكثر من ثلاثين عاماً (1881- 1914) أدركت فيها من هو المصرى بحق…
مصر الحبيبة:
أنا جاستون ماسبيرو… أراك اليوم بعين الرحمة. أما ثكلى تئن متوجعة على فلذة كبدها…أو أرملة تنعى زوجها… أراك اليوم أتية تصرخ، أين أبى؟ لماذا لم يعد بعد؟ أراك اليوم قلقة مضطربة وسط هذا البحر المتلاطم… وبعين الإيمان والرجاء والمحبة أراك غداً: أماً لملمت أشلاءها… وطناً ناهضاً على مر الزمن …
جاستون ماسبيرو .. الابداع والاثار
الزيارة التاريخية
كان ماسبيرو يجيد اللغة العربية ولم يكن بعد قد زار مصر حتى جاءته الفرصة عندما مرض مارييت مدير مصلحة الآثار المصرية التي قام بتأسيسها
جاء ماسبيرو إلى مصر في 5 يناير من عام 1881م وكان ذلك قبل وفاة مارييت بثلاثة عشر يوما، وتولى منصب مدير مصلحة الآثار المصرية وأمين المتحف المصري للآثار ببولاق وكان عمره حينها الرابعة والثلاثين.
أكمل ماسبيرو الحفريات التي كان يقوم بها مارييت في سقارة ووسع من نطاق البحث، وكان مهتما بشكل خاص بالمقابر التي تحتوى على نصوص فرعونية مهمة تثرى اللغة الهيروغليفية وقد عثر على 4000 شطر قام بتصويرها وطباعتها.
قام ماسبيرو بإنشاء المعهد الفرنسي للآثار في القاهرة وكان أول مدير لهذا المعهد الذي لم يقتصر على الآثار الفرعونية بل أمتد لدراسة جميع الآثار المصرية سواء الإسلامية أو القبطية.
واصل ماسبيرو حفائر مارييت في معبدى إدفو وأبيدوس، كما أستكمال أعمال مارييت في أزالة الرمال عن أبو الهول بالجيزة حيث أزال عنه أكثر من 20 مترا من الرمال محاولا إيجاد مقابر تحتها ولكن لم يجد ولكن حديثا عثر على عدد من المقابر في أماكن الحفر التي كان ينقب فيها ماسبيرو، وقام بإعادة ترتيب المتحف المصري ببولاق ونقل محتوياته إلى متحف القاهرة الحالى، كما اكتشفت في عهده خبيئة بالكرنك تحتوى على مئات التماثيل المنتمية لعصور مختلفة ونشر دراسات أثرية عديدة المواجهة
المومياء
قام ماسبيرو بنشاط كبير لمواجهة السرقات التي كانت تحدث للآثار المصرية القديمة، وقام بمساعدة العالم المصري أحمد كمال بك بنقل المئات من الموميات والآثار المنهوبة إلى المتحف المصري بالقاهرة، وأستطاع أن يسن قانون جديدا صدر عام 1912م ينص على أن لا يسمح للأشخاص بالتنقيب ويقتصر التنقيب فقط على البعثات العلمية بعد الموافقة على مشروعها، ولم يصبح من حق الحفارين الحصول على نصف ما يعثرون عليه لكنهم يحصلون فقط على القطع التي لها مثيل مكرر بمتحف القاهرة، ولا يمنح القائم على الحفائر تأشيرة خروج من مصر إلا في حالة تركه الموقع الأثرى في صورة مُرضية، مما أثار عليه غيظ وحقد المهربون الأجانب وتجار الآثار، كما فرض مقابل لمشاهدة المناطق الآثرية لمواجهة النفقات التي يحتاجها للتنقيب وأعمال الصيانة.
في العام 1881م قبض ماسبيرو على عائلة عبد الرسول وهم من أشهر تجار الآثار وأستطاع أجبارهم بعد التعذيب على الأعتراف بالسرقات وحصل منهم على معلومات عن أحد أهم أكتشافات ماسبيرو وهى خبيئة في الدير البحري عثر فيها على مومياوات الملوك سقنن رع وأحمس الأول وتحتمس الثالث وسيتي الأول ورمسيس الثاني وغيرهم.
كانت هناك أحتكاكات ومنافسات بين الأنجليز الذين كانوا يحتلون مصر وبين الفرنسيين الذين كانوا يهيمنوا على إدارة الآثار المصرية فكانت نتيجة هذه الأحتكاكات الأنجليزية أن قدم ماسبيرو استقالته عام 1892م ولكن ممثل فرنسا في مصر طالب بعودته وعاد فعلا إلى مصر في عام 1899م، وفي نفس عام عودته قام ماسبيرو بتعيين هوارد كارتر كبير مفتشي الآثار في مصر العليا، وكان هو أيضا الذي عرفه إلى اللورد كارنافون عام 1905م
عاد ماسبيرو إلى باريس عام 1914م وعين في منصب المستشار الدائم لأكاديمية الفنون والآداب
توفى جاستون ماسبيرو في 30 يونيو عام 1916م ودفن في فرنسا، وقد أطلق اسم ماسبيرو في مصر على مبنى الأذاعة والتلفيزيون بالقاهرة تكريما لأعماله الجليلة ومساهماته في البحث والمحافظة على الآثار المصرية القديمة. وسجل وجوده في السينما المصرية في الفيلم الروائى الطويل الرائع المومياء للمخرج العبقرى شادي عبد السلام ، فماسبيرو هو اسم المبني الضخم علي ضفة نيل القاهرة وهو مقر للتلفزيون المصري أقدم التلفزيونات الحكومية في الشرق الأوسط وأفريقيا, وماسبيرو أيضا هو أسم الشارع الذي يطل عليه هذا المبني
وأطلق عليه هذا الاسم تيمنا بعالم الآثار الفرنسي جاستون ماسبيرو Gaston Maspero الذي كان رئيس هيئة الآثار المصرية
==
س.س
22 أكتوبر 2011