هب أن أخاك لم يسمع لك, كما قد يحدث أحيانا, وهب أنه ثار في وجهك مبررا ذاته, مدافعا عن تصرفاته, فماذا تفعل؟
إن رب المجد يطالبك بخطوة جديدة عملية يجب عليك أن تخطوها. هذه الخطوة هي:وإن لم يسمع لك, فخذ معك واحدا أو اثنين آخرين, كي تثبت كل كلمة بشهادة اثنين أو ثلاثة.
وهذا معناه أن الرب قد أعطاك حقا جديدا, بالإضافة إلي حق المعاتبة, هو حق الاحتكام إلي الآخرين.
فعندما يتعذر التفاهم بين اثنين, ويعسر علي المسئ أن يعترف بخطئه بسبب كبريائه وأنانيته وذاتيته, لا يشاء الله أن يضيع الحق هدرا. ولا يسمح الله أن تكون فضيلة الصفح والغفران عند الأبرار والصديقين, تبريرا للطغيان والتجبر عند المسيئين إليهم. فالله يحب الحق, ولايرضي بالظلم. فما دامت هناك إساءة قد وقعت فعلا, فلابد أن يكون ثمة مسئ. ولابد أن يعرف هذا المسئ مبلغ إساءته, حتي لايهدر الحق, وحتي لايتجبر الطغاة. فإذا لم يعترف المسئ بخطئه,فلابد أن يكون هناك من يثبت عليه خطأه, رفعا ليد الظلم والمسئ, عن المظلوم والمساء إليه.
ومع أن حكم الغير علي المسئ أصدق من حكمه علي نفسه, أو لنفسه, إلا أنه ضمانا للعدالة, وكفالة للإنصاف, أمر رب المجد أن لايكون الحكم من جانب رجل واحد, وإنما من قبل اثنين آخرين أو ثلاثةكي تثبت كل كلمة بشهادة اثنين أو ثلاثة.
ومما تجدر الإشارة إليه, أن الخطأ الذي يتكلم عنه رب المجد يسوع المسيح, هنا هو خطأ الإساءة الشخصية, أو الإهانة الشخصية, مما يجري بين الإخوة في المجتمع بالنسبة لقواعد المعاملات اليومية والشخصية.
ثم إن مخلصنا يقولإن أخطأ إليك أخوك وهذا معناه إن الخطأ المقصود هو الخطأ بالفعل, وليس ما يتوهمه الإنسان أنه خطأ, وليس ما يدعيه علي صاحبه, افتراء وظلما وافتئاتا.
وهنا حكمة الاحتكام إلي آخرين ليكونوا بمثابة محكمة عرفية غير رسمية, أو لجنة تحكيم ومصالحة, تدرس موضوع الإساءة, وتتدخل لحل النزاع. هذه اللجنة الصغيرة المؤلفة من عضوين أو ثلاثة أعضاء, ينبغي أن يتصف أعضاؤها بالحيد والإنصاف ومحبة الحق, وبروح المحبة والسلام.
حق الاحتكام إلي رجال الكنيسة:
بعد أن أعطاك ربك حقك في معاتبة من أخطأ إليك, بينك وبينه علي انفراد فإذا لم يسمع لك, فمن حقكأن تأخذ معك واحدا أو اثنين آخرين كي تثبت كل كلمة بشهادة اثنين أو ثلاثة يمضي الرب يسوع إلي احتمال أبعد.
هب أن أخاك الذي أخطأ إليك تقسي وتجبر ولم يقبل عتابك عليه, ولم يقبل تدخل الآخرين كبرياء, وترفعا,وإيغالا منه في الحقد والكراهية فماذا تصنع؟
لقد أعطاك ربك حقا آخر, هو حق الاحتكام إلي الكنيسة, إلي قيادتها الروحية وإلي مجلسها.
يقول المسيح له المجد:
فإن رفض أن يسمع لهم فأخبر الكنيسة(متي 18:17).
ولابد أن يكون المقصود بالكنيسة هنا هو قيادة الكنيسة, ومجلسها المحلي. ذلك أن الخطوة السابقة, هي في احتكامك إلي اثنين أو ثلاثة تأخذهم معك إلي أخيك الذي أخطأ إليك. ولابد أن تكون هذه اللجنة الصغيرة من أعضاء الكنيسة ومن بين المؤمنين فيها, وليس من المعقول أن يكونوا من غير المؤمنين أو من الخوارج.
يقول الكتاب المقدس:
أيجرؤ أحدكم إذا كانت له دعوي علي غيره أن يقاضيه لدي الظالمين وليس لدي القديسين؟ أما تعلمون أن القديسين سيدينون العالم؟ فإن كان العالم يدان بكم أفتكونون غير أهل للمحاكم الصغري؟ أما تعلمون أننا سندين ملائكة؟ فما أولانا بأن نحكم في قضايا هذه الحياة. فإن كان لكم محاكم في أمور هذه الحياة, فأجلسوا المحتقرين في الكنيسة للقضاء. أقول هذا لإخجالكم(1كورنثوس6:1-5).
وقياسا علي هذا أمرت الدسقولية(تعاليم الرسل) بتشكيل محكمة كنسية في كل إيبارشية,تتألف برئاسة الأسقف ومن قسوس الإيبارشية وشمامستها للنظر في شكاوي المؤمنين والفصل فيها.
جاء في الدسقولية:
ليحضر معكم يا أساقفة, في مجلس الحكم, القسوس والشمامسة واحكموا بلا أخذ بالوجوه, بل بعدل, كأناس الله…وليكن اجتماعكم للأحكام من يوم الاثنين فإن مل ثمة خصومة فصلتم فيها, وتتفرغون لذلك طوال الأسبوع إلي يوم السبت, إلي أن تنقضي الخصومة, حتي إذا كان يوم الأحد المقدس تكونون قد أصلحتم بين المتخاصمين, وإذا حضر عندكم الخصوم, فليقف الفريقان أمامكم في وسط مجلس الحكم كما قالت الشريعة. وإذا سمعتم خصومتهم فاحكموا بينهم بالحق والعدل. ولاتحكموا بقول خصم واحد قبل حضور خصمه, بل إذا اجتمع الخصمان فاحكموا بينهم بالعدل…وفي جلوسكم في موضع الحكم, ومعكم الفريقان يختصمان وجها لوجه, فلا تسموهما إخوة إلي أن يصطلحا وأفحصوا عما بينهم بالحقيقة. وقد قلنا إنه يجب أن لايحكم علي خصم واحد بغير حضور الفريقين معا, لأنكم إذا سمعتم كلام فريق واحد وحجته في دعواه التي يدعيها, وأوجبتم قضيته, وقطعتم الحكم بسرعة, والفريق الآخر ليس حاضرا معكم ليجيب عن نفسه, ويحتج عما نسب له, فإنكم تكونون مستحقين للقتل الذي حكمتم به, وتوجدون أمام الله ضابط الكل, شركاء لنصيب الكذاب(الدسقولية, الباب الثامن31:34).
وقد لا يقتضي الأمر أن يحتكم الإنسان إلي أسقف الإيبارشية وإلي المحكمة الكنسية أو المجلس الإكليريكي في الإيبارشية, فقد يكفي الاحتكام إلي كاهن الكنيسة ومجلسها المحلي. فإذا لم ينجح مجلس الكنيسة برئاسة الكاهن في فض النزاع, فيمكن رفعه إلي أسقف الإيبارشية ومجلسها الإكليريكي.
الخطوة الأخيرة:
ويمضي الرب يسوع في حديثه بالنسبة إلي المسئ والمساء إليه إلي أبعد مدي, فيفترض أن أخاك الذي أخطأ إليك رفض أن يسمع لحكم الكنيسة, ومجلسها المحلي أو الإكليريكي, فما موقفك منه بعد ذلك؟
يقول المسيح له المجد:فإن رفض أن يسمع للكنيسة, فليكن بالنسبة إليك كوثني وعشار(متي 18:17).
إذا رفض أخوك أن يسمع لحكم الكنيسة لم يعد مسيحيا, بل أمسي محروما, مقطوعا من شركة الكنيسة ولم يعد بهذا الوضع أخا لك في دين المسيح, مثله مثل الوثني والعشار بالنسبة إليك سواء بسواء, ومعني هذا أنك قد أرضيت ضميرك, إذ صنعت كل ما في جعبتك من نحوه, فعلي الرغم من أنه هو المخطئ فإنك سعيت إليه لتصلح الأمور بينكما, وبذلت كل ما في مقدورك من أجل أن تسترد علاقتك به, وتربح صداقته. إن باحتكامك آخر الأمر إلي الكنيسة قد خطوت الخطوة الأخيرة ولن يكلفك أحد بخطوة أخري بعدها. فعليك بعد ذلك أن تستريح من أمر هذا الخلاف, وتطرحه من قلبك ومن فكرك. فقد خرج عن دائرتك وعن دائرة اختصاصك, وصار أمره مرفوعا إلي الله في يوم الحساب. أما أنت فقد رفعت عبء المشكلة عن كأهلك, وقد صارت بين يدي القاضي العادل, ولك أن تردد بعد ذلك قول الوحي الإلهي إنه يوجد إله قاض في الأرض(مزمور57:11) وقولهالله قاض عادل(مزمور7:11),(9:4) وهو يقضي للمسكونة بالعدل(مزمور9:8) وسلم الأمر للرب, كما فعل سيدك المسيح من قبل, الذيإذ تألم لم يكن يهدد, بل كان يسلم لمن يقضي بعدل(1.بطرس2:23).
علي ذلك النحو نفهم تعليم المسيح له المجد, في غفران الإساءة للمسيئين…إن المسيح علمنا بأن نصفح وأن نغفر لمن أساء إلينا بغير حدود…ولكنه في نفس الوقت علمنا كيف نخطو في سبيل تحقيق السلام بيننا وبين الأغيار, خطوات متدرجة تفضي بنا أخيرا إلي تحقيق مبادئ الإنجيل, في مسيرتنا نحو السماء.