حرية الاعتقاد واستمرار الطوارئ وجرائم التعذيب ملفات فرضت نفسها
اتفقت بعض الدول الأجنبية علي إدانة الانتهاكات التي تحدث داخل المجتمع المصري ضد الحرية الدينية واستمرار حالة الطوارئ, وعدم وجود خطوات ملموسة تقوم بها الحكومة لمواجهة التعذيب في أقسام الشرطة ومقار الاحتجاز, ودعت هذه الدول الحكومة المصرية إلي تقديم تعهدات وأجندة فورية لتحسين أوضاع حقوق الإنسان في مصر.
عرضت مصر تقريرها الحكومي في جلسة المراجعة الدورية والذي قدمه الدكتور مفيد شهاب وزير الدولة للشئون النيابية والقانونية, مركزا علي خطة الحكومة بشأن تنفيذ عدد من الإصلاحات في البنية التشريعية لكي تتناسب مع التطور الحقوقي, ثم قام بالرد علي تساؤلات بعض الدول الأعضاء بشأن التقرير الحكومي المصري, وما به من معلومات لا تتفق مع ما قدمته منظمات حقوقية مصرية أدانت تراجع أوضاع حقوق الإنسان في مصر.
واتفق بعض نشطاء حقوق الإنسان علي أن المتابعة الدورية فرصة لإلزام الحكومة بتنفيذ تعهداتها بشأن تحسن أوضاع حقوق الإنسان.
حول الجلسة الأخيرة لجلسة المتابعة الدورية بجنيف, وردود فعل نشطاء حقوق الإنسان… تقدم وطني هذا التحقيق.
قال الدكتور مفيد شهاب وزير الدولة للشئون النيابية والقانونية أن استمرار حالة الطوارئ يرجع إلي الظروف التي تمر بها مصر, منذ اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات, مرورا باغتيال رئيس مجلس الشعب السابق والحوادث الإرهابية المختلفة, وستعمل الحكومة علي إلغاء حالة الطوارئ بمجرد إقرار قانون مكافحة الإرهاب.
وردا علي أسئلة بعض الوفود الأجنبية بشأن إحالة المدنيين للمحاكم العسكرية قال شهاب أن عدد هذه القضايا قليل ويتم الاحتكام فيها للقانون الجنائي, والقضاة مستقلون وغير خاضعين للعزل, والمعتاد هو أن يحاكم المتهم أمام قاضيه الطبيعي, والاستثناء هو المحاكم العسكرية.
التعذيب… المحاكمات
وبشأن التعذيب في السجون المصرية ومقار الاحتجاز وزيارة المقرر الخاص بالأمم المتحدة أوضح د.شهاب أن الحكومة لا تمنع مقرر الأمم المتحدة من زيارة مصر, ولكن القانون المصري يقصر حق الزيارة التفقدية المفاجئة لأقسام الشرطة والسجون للنيابة العامة فقط, ومع ذلك سيتم النظر في طلب مقرر الأمم المتحدة, وسيتم تنفيذ التوصيات المقدمة في إطار المستطاع, واستشهد بالدورات التدريبية التي تقدمها الحكومة لضباط الشرطة ووكلاء النيابة والقضاة والإعلاميين لنشر مفاهيم حقوق الإنسان, ووصل عدد هذه الدورات 16 ألف دورة تدريبية.
الحكومة لا تعرف تفرقة!
وعن التوتر الطائفي قال د.شهاب أن الحكومة المصرية لا تعرف تفرقة بين دين وآخر, والعلاقات بين المسيحيين والمسلمين إيجابية, وبينهم روابط مشتركة, وفي الفترة الأخيرة ظهرت حوادث طائفية بدأت كجرائم فردية ثم توسعت لتأخذ شكلا طائفيا, وهذا يرتبط بشيوع ظواهر التطرف, ولكنها لا تخلو من أي تمييز أو انتهاكات منظمة, مشيرا إلي أن الحكومة تتعامل مع هذه التوترات والحوادث من خلال تفعيل المادة الأولي من الدستور وترسيخ مبدأ المواطنة عمليا.
الأحكام الإدارية
نوه د.شهاب إلي أن الأحكام الإدارية الأخيرة تعزز من الحرية الدينية, وخاصة حصول البهائيين علي حقهم في استخراج أوراق ثبوتية, وأحكام لتحويل الدين, كذلك هناك بعض الأحكام القضائية التي تتيح للمنظمات غير الحكومية مراقبة الانتخابات البرلمانية والمحلية, وهناك ترحيب بتواجد هذه المنظمات في الانتخابات المقبلة.
اللاجئون
وعن الانتقادات التي وجهت للحكومة المصرية بشأن قتل المهاجرين علي الحدود المصرية أوضح د.شهاب أن مصر بها 4 ملايين لاجئ عربي وأفريقي, ومعظم الحوادث كانت علي الحدود المصرية الإسرائيلية, وهي منطقة ذات حساسية, بالإضافة إلي تعامل اللاجئين مع أفراد الشرطة المصرية بشكل يغلب عليه طابع العنف.
أبناء المصرية من أجنبي
وأكد أن مصر سحبت تحفظها بشأن المادة الثانية من اتفاقية التمييز ضد المرأة والتي تتعلق بمنح الجنسية لأبناء الأم المصرية المتزوجة من أجنبي, بينما لا تزال الحكومة المصرية تتحفظ علي المادة 16 والتي ترتبط بالمواريث والشريعة الإسلامية.
عقوبة الإعدام
أشار د.شهاب إلي أن هناك 27 حالة في القانون المصري يتم فيها اللجوء للسجن المشدد, وهناك لجوء أقل للإعدام, وهناك تشديدات كبيرة في هذا الأمر قدمها المشرع حتي لا يتم توسيع العقوبة.
وعقب انتهاء الدكتور مفيد شهاب من استعراض التقرير الحكومي والرد علي بعض الأسئلة المطروحة من الدول الأعضاء بشأن التقرير الحكومي, قامت بعض الدول الأعضاء بالتعليق علي ما قاله ممثل الحكومة المصرية.
الحرية الدينية
من جانبها أعربت النمسا عن قلقها إزاء القيود المفروضة علي الحرية الدينية, والمشكلات التي تواجه الأقباط والبهائيين في ممارسة شعائرهم الدينية, وطالبت الحكومة المصرية بالتوقيع علي البروتوكولات الاختيارية التي تسمح بآلية تقديم الأفراد للشكاوي أمام المنظمات الدولية, بينما أشادت بالجهود الملموسة التي تقوم بها الحكومة المصرية بشأن مواجهة ختان الإناث ومنع التمييز ضد المرأة.
دور العبادة
ودعت كندا إلي منع التمييز في مصر علي أساس الجنس أو الدين, ورفع القيود الموضوعة علي بناء دور العبادة لغير المسلمين, وطالبت بإيجاد آلية مستقلة للرقابة علي الانتخابات, ووقف حالة الطوارئ في أسرع وقت وعدم مدها, وإفساح المجال لحرية الصحف والمدونين.
انتهاكات
انتقدت البرازيل الانتهاكات التي تقع ضد الأقباط والبهائيين في مصر, وطالبت الحكومة المصرية بوضع قيود علي عقوبة الإعدام تمهيدا لإلغائها, والتوقيع علي البروتوكول الاختياري لاتفاقية التعذيب.
زيارة المقرر الأممي
نوهت المكسيك علي أهمية سماح الحكومة المصرية للمقرر الخاص بالأمم المتحدة للتعذيب بزيارة مصر والسماح له بممارسة عمله, وتلبية طلباته, وتنفيذ التوصيات الواردة بتقاريره.
حالة الطوارئ
واتفقت باكستان مع المخاوف المصرية بشأن إلغاء حالة الطوارئ في ظل الظروف الراهنة, إلا أنها دعت الحكومة بوضع فترة زمنية لإلغاء حالة الطوارئ وإصدار قانون مكافحة الإرهاب.
حرية التعبير
طالبت أيرلندة بحرية تنظيم الجمعيات الأهلية, وحرية التعبير لوسائل الإعلام, والتعامل مع المدونين بشكل يعزز من إمكانياتهم, وإلغاء الحبس في جرائم النشر.
إشادة عربية
يأتي هذا في الوقت الذي أشادت فيه بعض البلدان العربية مثل السعودية, وقطر, والإمارات, وتونس, والأردن, وبعض البلدان الأفريقية مثل أنجولا ومدغشقر بالخطوات التي تقوم بها الحكومة المصرية بشأن تعزيز أوضاع حقوق الإنسان, ومكافحة التمييز ضد المرأة, وتجريم ختان الإناث, والاهتمام بحل مشكلة أطفال الشوارع.
نشر التسامح وتفعيل القانون
وعلق السفير وائل أبو المجد مسئول إدارة حقوق الإنسان بوزارة الخارجية علي ما طرحته الدول الأعضاء بقوله:
الحرية الدينية في مصر مصانة بنص المادة 40 من الدستور والتي تؤكد علي المساواة الكاملة لكل المصريين, إلا أن هناك بعض الحوادث البسيطة التي ترجع إلي غياب التسامح, والحكومة تواجه هذه التوترات بنشر التسامح وقبول الآخر, وتم تنقية المناهج التعليمية من الأمور التي ترفض الآخر, ونشر مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية, وتدريس الحقبة القبطية في المناهج, وإذاعة القداس الإلهي للأعياد المسيحية علي الهواء في القنوات الرسمية بالتليفزيون, واعتبار عيد الميلاد إجازة رسمية بالدولة.
وأضاف: نظرا لحدوث توتر طائفي بسبب اندلاع حوادث فردية بدأت الحكومة في تفعيل القانون ومعاقبة المجرمين بدون تفرقة, بعد أن كان يتم اللجوء لجلسات الصلح العرفية بناءعلي رغبة بعض الأطراف.
بناء الكنائس بلا مشاكل!!
استطرد: من الناحية العملية لا توجد مشكلة تتعلق ببناء الكنائس, فقرار بناء كنيسة يتم بناء علي قرار جمهوري من رئيس الجمهورية من أجل التنظيم فقط, وفي الفترة من 2005 وحتي يوليو 2009 تم إصدار قرارات جمهورية لبناء الكنائس بلغت 130 كنيسة, كما تم تفويض المحافظين في إصدار تعليماتهم بشأن ترميم الكنائس, وقام المجلس القومي لحقوق الإنسان بإعداد مشروع قانون لبناء وترميم دور العبادة, ووعدت الحكومة بمناقشته في أقرب وقت.
بدون خطوط حمراء
وعن حرية التعبير قال أبو المجد: المجتمع المصري يشهد طفرة في الوسائل الإعلامية, لوجود عشرات القنوات الفضائية الخاصة وطرح قضايا عديدة بدون خطوط حمراء, ويتم إصدار الصحف بشكل مستمر وخاصة الصحف الخاصة, ولم يتم غلق أي صحيفة, بل يتم طرح كل القضايا بحرية وشفافية, وتحفز الحكومة المواطنين علي الاشتراك في خدمة الإنترنت السريع لكي يتماشي المجتمع مع التطور التكنولوجي الموجود في العالم الآن.
تعبير عن حالة الحراك
من جانبه اعتبر سعيد عبد الحافظ رئيس ملتقي الحوار للتنمية وحقوق الإنسان أن تقرير المتابعة الدورية لحقوق الإنسان يعبر عن حالة الحراك الموجودة في المجتمع الدولي بشأن أوضاع حقوق الإنسان, وباعتبار مصر عضوا بالمجلس الدولي لحقوق الإنسان لذا تتم مناقشة ملف أوضاع حقوق الإنسان بها.
أشار عبد الحافظ إلي أن مصر لم تقدم الضمانات والتعهدات المطلوبة بشأن تحسين أوضاع حقوق الإنسان, وتعتمد علي الشعارات دون تحقيق تغيير ملموس لأوضاع حقوق الإنسان.
بينما أوضح معتز الفجيري المدير التنفيذي لمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان أن ملف الحرية الدينية والطوارئ ومكافحة التعذيب من أبرز القضايا التي طرحتها الدول الأعضاء بمجلس حقوق الإنسان الدولي, وأن الانتهاكات التي تقع ضد الأقباط والبهائيين, وجريمة نجع حمادي كان لها الأثر الكبير في تجديد الحديث عن الحرية الدينية في مصر, وعلي الحكومة تقديم تعهدات ملموسة لمواجهة الاحتقان الطائفي بخطوات عملية.
نوه الفجيري أن بعض الدول العربية والأفريقية أشادت بأوضاع حقوق الإنسان في مصر كنوع من المجاملة للحكومة المصرية, في حين أن الدول الغربية تتشدد في مطالبتها للحكومة المصرية بشأن تحسين أوضاع حقوق الإنسان بها.
واعتبر ماجد سرور مدير مؤسسة عالم واحد للتنمية ورعاية المجتمع المدني أن الوضع الحقوقي في مصر محبط, والانتقادات التي تم توجيهها للحكومة المصرية في جلسة المتابعة الدورية غير جديدة, وكل المنظمات الحقوقية المصرية دعت أكثر من مرة إلي تحسين أوضاع حقوق الإنسان عبر مطالب محددة قدمتها للحكومة ولم يتم العمل بها.
أوضح سرور أن الحكومة عقدت اجتماعا مع بعض المنظمات الحقوقية المصرية قبل جلسة المراجعة الدورية وكان من المنتظر عقد اجتماعات أخري لم تتم, ولم تظهر الحكومة جديتها في التعاون, ولذلك لابد من الحوار بين الحكومة ونشطاء حقوق الإنسان, وتبني أجندة حقوقية لتنفيذها خلال الفترة المقبلة, وتذكير الحكومة بشكل مستمر بما تعهدت به أمام المجتمع الدولي.
بينما شدد شادي طلعت رئيس اتحاد المحامين الليبراليين علي أن جلسة المراجعة الدورية لملف مصر الحقوقي فرصة لتقييم أوضاع حقوق الإنسان في مصر, وضرورة إلزام الحكومة بتنفيذ التعهدات التي قدمتها ومتابعة ما تقوم به علي أرض الواقع لتحسين أوضاع حقوق الإنسان.