يعتز المتحف البريطاني ضمن مقتنياته الثمينة بالعديد من قطع الآثار القبطية التي تنتمي لعصور مختلفة ومن مناطق مختلفة من أنحاء مصر ومنها ما عثر عليه في النوبة المسيحية. فهناك أعمال نحت في الحجر ورسوم جدارية ملونة وأعمال الفخار والمخطوطات فضلا عن النسيج القبطي الذي تقتني متاحف أوربا المئات منه.
أعمال الفريسكو: ورث الأقباط عن أجدادهم الفراعنة الرسم علي الحوائط بطريقة الفريسكو أي الرسم بالألوان علي الحوائط غير الجافة, فيثبت اللون والرسم بعد جفافها أو بطريقة الرسم علي الجدران الجافة. ومن هذه الأعمال: لوحة جدارية ملونة عثر عليها في منزل علي بعد 3كم شمال موقع دير وادي سرجة بمحافظة أسيوط في جنوب مصر, واللوحة من الجبس الملون وهو أسلوب توارثه الأقباط عن قدماء المصريين في التلوين الجداري ويعود للقرن السادس.. ويبدو أن اللوحة رسمت علي مرحلتين تفصل بينهما سنوات عديدة وغالبا ما رسمت بواسطة فنانين مختلفين وهو ما ترجحه الاختلافات الظاهرة في الرسم ونوعية التلوين.
وأغلب الظن أن الرسم الواقع في المنتصف هو الرسم الأصلي وأن الأشكال من حوله أضيفت فيما بعد ورسمها الفنان بدقة أكبر من تلك التي في المنتصف. ويحيط بالرسم الأوسط برواز ونص قبطي, والرسم يصور الثلاثة فتية في أتون النار يرفعون أياديهم نحو السماء وهم أنانياس وعزارياس وميصائيل (دانيال, الأصحاح 1, 3 وأسماؤهم شدرخ وميشخ وعبدنغو ويصحبهم ملاك.
وتحت هذا الرسم نجد نصا في ثلاثة أسطر يذكر شهداء سمالوط الستين وتذكار نياحتهم في 12 من الشهر, وكذلك الشهداء ميخير, هوركيني الأصغر, وأخي مينا الأصغر علي اسم السيد المسيح وهؤلاء الشهداء غير معروفين والتاريخ يشير إلي تاريخ استشهادهم في الغالب. وربما كان الرجلان المذكور اسماهما الراهبان اللذان قاما بالعمل, وحول هذه اللوحة في المنتصف نجد رسوما تصور القديسين داميان إلي اليسار وقزمان إلي اليمين وتحتهما أشكال أصغر تصور إخوتهم ليونيتوس ويوبريديوس وأنثينوس وهؤلاء الأشخاص الخمسة مع أمهم ثيودوت استشهدوا في أيجية بسيلسيا خلال حكم دقلدنيانوس في نهاية القرن الثالث الميلادي قطعة رقم 73139 EA.
النحت في الحجر: يعرض المتحف ضمن الأعمال المنحوتة في الحجر شواهد قبور قبطية ذات أحجام مختلفة منها شاهد قبر قبطي ربما من طيبة – مصر العليا – القرن 8م من النوع الكبير وهو مزخرف من أعلاه بصليب وعديد من الأشكال المستديرة والزخارف النباتية ويظهر في المنتصف شكل حمامة وهي ترمز للفردوس, وفوقها نص مكتوب: ماري تنحيت في اليوم العاشر من شهر طوبة (الأبعاد 134سم ارتفاع, 48سم عرض, قاعة مصر والسودان) (قطعة رقم 618 EA) وهناك لوحة جنائزية من الحجر الجيري تسمي لوحة تسيا تعود للقرون 6-7م, وهي نحت علي الحجر يصور عمودين يعلوهما حنية علي شكل قوقعة, وهناك كتابة باللغة اليونانية من خمسة أسطر تقول الله الواحد الذي يعيننا ثم تسيا وهو اسم المتوفي وتاريخ ربما كان تاريخ الوفاة (قطعة رقم 1328 EA).
أعمال فنية من الفخار: ورث الأقباط صناعة الفخار عن قدماء المصريين وعثر علي آلاف القطع منه في مواقع الأديرة الأثرية والمدن والقري القبطية القديمة, ويعرض المتحف البريطاني عدة قطع فخار من القرن الخامس حتي القرن السابع الميلادي عثر عليها في الحفائر التي أجريت عام 1919 في دير ومستوطنة وادي سرجة بأسيوط والأواني الثلاثة المعروضة تتنوع من أمفورات للاستخدام اليومي إلي أوان مزخرفة بعناية وهناك آنية كبيرة لها وجه رجل نحت بشكل بارز علي كلا جانبيها. وتم تلوين العينين والشعر بلون أسود بواسطة خطوط متقاطعة وصلبان, وحواف الوجه والذقن والفم والأنف تم إبرازها باللون الأحمر, وهذه الألوان غالبا ما استخدمت في الفخار, ويلتف حول الإناء من الخارج شرائط مستديرة تلتف حوله بلون برتقالي (الارتفاع 29سم – غرفة 66 إثيوبيا ومصر) (قطعة رقم 73196 EA).
أوستراكا قبطية: عثر علي الكثير من قطع الأوستراكا المكتوب عليها نصوص قبطية غالبا ما تكون نصوصا دينية من الكتاب المقدس وقداسات الكنيسة وسير القديسين, وكثيرا ما كانت تسجل يوميات الحياة في الأديرة مثل أحوال جلب التموين والطعام والقطع المعروضة من أوان كانت لحفظ زيت الزيتون والنبيذ. معروضة بقاعة مصر والسودان (قطعة رقم 14030 EA).
قطع أثرية مزخفة من استعمالات الحياة اليومية: نادرا ما حفظت لنا السنون قطع الخشب الرقيق والأشياء من الجلد والعظم سواء في القري أو المدن التي تقع في دلتا نهر النيل, ولذلك فإن المقابر في المناطق الصحراوية الجافة هي التي عثر فيها علي معظم ما تحفظه المناطق مثل تلك العلبة من الخشب المزخرف التي تعكس تقاليد مصر الفرعونية عثر عليها في الفيوم وهي علبة مزخرفة معدة لحفظ أدوات التجميل من الخشب والعاج من القرنين السادس والسابع. وهناك مجموعة رائعة من الأمشاط الخشبية وهي مزخرفة بزخارف حيوانية وبشرية في الجزء الأوسط منها وعثر علي عدد من هذه الأمشاط موضوعة علي صدور الجثث في بعض الدفنات.
أعمال الزجاج: اشتهرت مصر في العصور الرومانية والقبطية بإنتاج الزجاج وكانت تنتجه الأديرة القبطية ويصدر لأنحاء العالم وأكثر كميات الزجاج التي عثر عليها كانت موجودة في المدن ومواقع الأديرة وتجمعات الرهبان, ويعرض المتحف طبقا زجاجيا مستديرا محطما يعود للقرن السابع عثر عليه في الأشمونين بمصر الوسطي ويظهر أنه كان من أدوات التجميل. ويعد هذا الطبق من النوع الذي تم صنعه بأسلوب نفخ الزجاج وهو أسلوب عرف في مصر إبان العصر البطلمي وشاع في الفترة الرومانية (حوالي 30ق.م – 384م) ثم في الفترة القبطية بعد ذلك, وميزة هذه الطريقة أنه يمكن إنتاج أوان زجاجية ذات جدار رقيق كما أنه يكون أكثر شفافية, لكن شكل الإناء المعروض ليس شفافا بسبب مرور زمن طويل علي صنعه وأصبح سطحه يعكس الضوء كأنه منشور زجاجي ويغلب عليه اللونين الأخضر والأزرق الشاحب (قطر: 20سم, من حفائر المتحف البريطاني قطعة رقم 69789 EA قاعة مصر والسودان).
مخطوطات: تعد المخطوطات القبطية من أهم مصادر المعلومات التي وصلتنا عن العصر القبطي ويعرض المتحف عدة مخطوطات أكثرها أهمية صفحة من كتاب عن حياة الأنبا شنودة رئيس الدير الأبيض بسوهاج المتنيح سنة 466م في القرن الخامس كتبت باللغة القبطية الصعيدية بعد 200 سنة من نياحته وتحكي عنه وعن موقفه ضد من لم يتحولوا إلي المسيحية. وفي إحدي المراحل اضطهاد كهنة الأوثان له واتهامه بأنه أخذ من معبدهم صورة الإله بان وكتاب في السحر وتذكر سيرته أنه هاجم اليهود وإريانوس الوالي (الطول 20سم, العرض 13سم – قاعة مصر القديمة والسودان. قطعة رقم 71005/3 EA).
وجوه الفيوم: تعتبر اللوحات المسماة بوجوه الفيوم من أروع لوحات التصوير في العالم ويحتفظ المتحف البريطاني بعدد منها, وكانت تستعمل كأغطية للتوابيت والأمثلة هنا عثر عليها في هوارة بالفيوم وتعود للفترة من سنة 55-70م ومن 80-120م, وهناك لوحة رائعة لسيدة شابة من الطبقة الراقية من الروبيات بالفيوم, كما تدل عليه ملابسها ومجوهراتها فهي ترتدي قرطا من الزمرد الأخضر والذهب في أذنيها وتزين عنقها بقلادة ذهبية ذات أحجار كريمة ملونة كما ترتدي ملابس عبارة عن ثوب مزين بشرائط مذهبة وعلي كتفها شال أبيض, وتدل تسريحة شعرها علي موضة سادت في القرن الثاني, ويلفت النظر شكل العينين الواسع والكحل وشكل الحاجبين ومن لوحات الوجوه لوحة من الفترة الرومانية (100-120م) من هوارة تصور رجلا في الخمسينيات أو الستينيات من عمره يرتدي تونية أو قميصا عليه شريط بنفسجي أو كلافوس وعباءة ثقيلة ذات طبقات أو ثنيات وشعره مسرح إلي الأمام بشكل يشبه حقبة تراجان استعمل اللون الوردي لتلوين الأنف والشفاه واللون البني الغامق ليظهر ملامح تضاريس الوجه. قطعة رقم 74715 EA.
أعمال النسيج: اشتهر النسيج القبطي في كل أنحاء العالم وأشهر أنواعه يعرف بالقباطي, ليس هذا فقط, بل اشتهر الأقباط بالبراعة في صناعة الأصباغ وتكوين الموضوعات الزخرفية علي النسيج, ونجد في المتحف عرضا لقطع ملابس وسجاد ونسيج زخرفي للتعليق علي الجدران, ومن القطع المعروضة قطعة نسيج ملون تصور طائرا وفوقه إلي اليمين علامة الصليب وحوله برواز ملون بلون أحمر في إطار مربع. قطعة رقم 22869 EA.
كما يعرض جزء من قطعة نسيج من الحرير غالبا من أخميم بمصر العليا من العصر القبطي تعود لبداية القرن الثامن, وكان عبارة عن وشاح أو كم مزخرف علي رداء أو جلباب وهي تصور شكلين متماثلين متواجهين كأنهما في مرآة يفصل بينهما شريط طولي مزخرف مرسوم بداخله ورود مستديرة الشكل, وهناك أيضا قطعة لسجادة أثرية من النوع المصنوع للتعليق علي الجدران صنعت في أخميم من القرن الرابع تصور مناظر صيد وأشكالا من الأساطير الإغريقية.
المراجع:
1- Nigel Strudwick, The British Museum Master Pieces of ancient Egypt, The British Museum Press, UK, 2006
2- http://www.britishmuseum.org
3- زيارات خاصة للمتحف البريطاني ديسمبر 2008, سبتبمر 2009