وسط ضغوط الحياة الخانقة التي تمسك بخناق معظم السودانيين من كل مكان تبدو ثمة هوايات عدة كأنها درب من دروب الترف البالغ,وفي هذا السياق,تمثل هواية جمع الطوابع نموذجا في رأي الكثير من ##المطحونين## علي ما يعتبرونه رقصا خارج الحلقة,لكن هواة الطوابع يدافعون عنها وعن أنفسهم بحرارة بالغة,قائلين إن الطوابع مفعمة بالذكريات وأن تجميعها يحمل لمسة إنسانية لابد منها كي تستقيم الحياة.ويقول رئيس الجمعية السودانية لهواة الطوابع مهدي محمد الأمين: إن من ضمن الأهداف التي أنشئت من أجلها الجمعية هي تبادل الطوابع ونشر الهواية بين الطلاب والمهتمين إضافة إلي خلق روابط بين الهواة.وقد أنشئت الجمعية عام 1992,وهي تحظي منذ ذلك الحين بعضوية عدد كبير من المهتمين,كما حظيت بمقر داخل المبني الرئيسي للبريد مقابل شارع الجامعة.ويذكر الأمين فيما يشبه التاريخ لهواية جمع الطوابع في السودان أن العميد المتقاعد عزت فرحات وطلعت أبو العلا كانا من أوائل هواة جمع الطوابع السودانيين,موضحا أن الاثنين يملكان مجموعات مكتملة من الطوابع السودانية منذ أول طابع صدر وحتي الآن.
يذكر أن أول طابع صدر وتم تداوله في السودان,كان طابعا مصريا,ويعود تاريخ طباعته إلي عام 1897م,أما أول طابع سوداني خالص صدر عام 1898,وكان ذلك الطابع يحمل صورة رجل ملثم يقود جملا ويحمل بيده كيسا,في إشارة إلي ##جمال البريد## الذي اشتهر في مطلع القرن الماضي بتولي مهمة توزيع البريد بين المدن والأرياف من علي ظهر جمله,قبل أن ينقرض هذا الجمال عام 1935م.وعلي الرغم من بريطانيا التي كانت تستعمر السودان وأصدرت طابعها الشهير الذي يحمل صورة الملكة فيكتوريا,والذي يوصف بأنه أول طابع في العالم,إلا أنها لم تسع لفرض طوابعها علي السودان مفسحة المجال أمام الطوابع المصرية.
ولم يستخدم السودان كمستعمرة بريطانية التاج البريطاني أبدا في طوابعه,غير أنه أصدر مرة طابعا يحمل صورة الجنرال جوردون,كما أصدر طابعا آخر عن كلية جوردون التذكارية (جامعة الخرطوم الآن).
ومن الطريف أن الطلب علي الطوابع السودانية كثير,ويعلل عدد من الهواة ذلك,بأن الطوابع السودانية أكثر ندرة,إذ تصدر في كميات قليلة مقارنة بالطوابع الأخري,الأمر الذي يجعلها نادرة بعد مضي وقت من الزمن,ومن أكثر الطوابع رواجا طابع يحمل صورة النميري.وتقول الهاوية سماح علي وهي مذيعة أيضا بإحدي إذاعات الإف أم إن طابع النميري تاريخي ونادر وأن قيمته كبيرة,بينما يقول الهاوي محمد عباس إن الطابع الذي يحمل صورة جمال البريد تاريخي ولا تقدر قيمته بمال.ويدافع كثير من الهواة عن هوايتهم,لكن معظمهم يقول إنه ورثها من أسرته وفي هذا السياق,تقول سمر خالد الطالبة بجامعة الخرطوم إن هواية جمع الطوابع هواية مفيدة ومفعمة بالحنين,وأضافت: ##الطوابع هي تذكار من الماضي,وإطلالة علي الحاضر##.
أما رحمة.س الطالبة بجامعة الأحفاد,فتقول إن الطوابع هي ذاكرة الناس والزمن الماضي,قبل أن تتساءل: ##كيف نعيش من دون ذاكرة؟##.
لكن عبد المحسن عبد الله إبراهيم وهو بائع طوابع يجلس أمام مبني البريد,فأبدي عدم تفهمه لقيام الناس بالسعي لجمع الطوابع وتفحصها وغير ذلك.وقال إبراهيم الذي يجلس متربعا خلف طاولة تحوي آلاف الطوابع ومظاريف الخطابات أنه لا يفهم السبب في اهتمام الناس بجمع الطوابع,لكنه يؤكد أنه يفهم فقط في أسعار الطوابع التي يقول إنها تختلف من دولة إلي أخري, ملاحظا في هذا الخصوص أن السعودية تحظي بحصيلة شراء أوفر,مفسرا ذلك بأن عدد المغتربين قد ازداد.