إذا كان التفكير يعني إعمال العقل وتوظيفه فيما يمكن أن يسموا ويعلوا بالفكر الإنساني ويعمل على إضافة شيئاً لحضارة الإنسان فيما يمكن أن يخاطب وجدان الإنسان ومشاعره وفيما يمكن أن يلبي احتياجاته المادية المتنامية لمجتمع أفضل.
وإذا كان التفكير يعني ( وبصورة أخري) تفعيل العقل البشري الذي منحه الخالق لنا في تحقيق كل ما يسعد البشرية وكل ما من شأنه أن يجعل مشاق الحياة أكثر احتمالاً… وهو بالضرورة يستلزم بسط سيطرة العقل على الطبيعة لتحقيق أقصي نفع للبشرية.
والتفكير في عمقه يتناقض مع التلقائية والعشوائية والغيبيات. وقد مرت رحلة التفكير البشري بمراحل طويلة حتى تصل للحقيقة ومن خلال إعمال العقل سقطت كثير من الأفكار والثوابت التي أتضح خطؤها فيما بعد.
وحتى في التفكير العلمي – على سبيل المثال – يستمر العقل في الاجتهاد دون توقف ولا يقف عند المطلق وهو ما يسميه علماء الاجتماع بالتراكمية.
وعلى سبيل المثال ظلت فيزياء نيوتن ما يقرب من قرنين من الزمان هي الحقيقة المطلقة إلى أن جاءت فيزياء أينشتين لتثبت لنا إن كل ما يعد حقيقة مطلقة ليست في الواقع سوى حقيقة نسبية … ذلك إن التفكير هو الميل الفطري لدي الإنسان والذي يدفعه إلى البحث المتواصل عن إيجاد تعليل لكل شيء.
والإجابة عن تساؤلات تقوده حتماً إلي مراحل متقدمة من المعرفة.
هذه لمحة سريعة عن التفكير
وعن التفجير والذي رفع البعض شعاراً له: أنا أُفجر … إذاً أنا موجود!!
(برجاء وضع ضمه على حرف الألف وشدة على الجيم) نتحدث ونقول:
إنك لو استطعت تشكيل عقول البسطاء من الناس وصبها في قالب واحد لخدمة فكر معين وأوصلتهم إلى حالة ذهنية ونفسية تكون على استعداد تام لتلقي كل ما تأتمر به وسيطرت على إرادتهم… مثل تلك العقول تستطيع بذلك – ودون أي مجهود يُبذل – أن تجعلها ترتكب من الآثام والخطايا كل ما يدور في ذهن من سيطر على إرادتهم.
وهنا نصل إلي تلك المعادلة اللا معقولة والمجنونة والتي توطنت الآن في منطقتنا وأقصد بذلك ثقافة القتل والتفجير وإراقة الدماء … والتي أضحت تشكل الآن سلوكاً أصيلاً … ولم يعد دم الأبرياء يحرك مشاعرنا … وتبلد الذهن معها ولم نعد نتوقف عندها كثيراً … وأصبحت أخبارها ركناً ثابتاً تبدأ به الفضائيات نشراتها الإخبارية.
إن إراقة الدماء أيها السادة – تفجيراً أو قتلاً – بات عند البعض من الإنجازات التي تحسب لصاحبها.
إن ثقافة التفجير والقتل لا تستهدف طائفة أو عقيدة دون الأخرى .. ولكن الكل المختلف مستباح ومُهدر دمه .. ومما يؤكد ذلك إن عدد القتلى من إخواننا المسلمين الأبرياء يتجاوز وبمراحل ممن ينتمون إلى عقيدة أخري وهم يعانون أيضاً بقدر ما يعاني الجميع.
وفي هذا السياق أسمحوا لي أيها السادة بأن أتوقف عند ثلاث مشاهد:
المشهد الأول: جاء بجريدة الأهرام بتاريخ 21/4/2007 وكان من أفغانستان ونصه
(عرضت محطة العربية الإخبارية شريطاً مصوراً يؤكد استعانة حركة طالبان بفتى في الثانية عشر من عمره في تنفيذ عملية إعدام أحد الرهائن . وتضمن الشريط لقطات للصبي الصغير وقد أمسك بسكين ضخم واقترب من رجل مقيد معصوب العينين قبل أن يهم بذبحة . وحذفت المحطة مشهد الذبح نفسه)
المشهد الثاني: بالأهرام أيضاً بتاريخ 16/9/2007 ومن العراق بأن(زعيم القاعدة بالعراق طالب بقتل رسام سويدي وأعلن مكافأة قدرها مائة ألف دولار لمن يقوم بهذه المهمة. وذكر أنه يزيد حجم المكافأة إلى 150ألف دولار لمن يذبح الرسام كالنعجة)!!
المشهد الثالث: الأهرام الصادر في 20/11/2007 ومن العراق أيضاً ونصه(صبي عمرة عشر سنوات يتسلل إلى اجتماع لرؤساء العشائر في محافظة ديالي بالعراق يلف على وسطه حزاماً ناسفاً ويحتضن صاحب المنزل ويفجر نفسه مع مضيفه ويتحول جسداهما إلى أشلاء ويقتل الانفجار خمسة زعماء عشائر آخرين هم ضحايا غدر الصبي الذي رضع من صغره القتل)!!!
ولنا في هذا أن نتساءل خاصة مع المشهد الأخير كيف استطاع إنسان أن يسيطر على عقل إنسان آخر ويقنعه – ليس بقتل الآخرين فقط – بل بانتحاره أيضاً ووضع حداً لحياته … صبي في العاشرة (كما جاء في الأهرام تعليقاً) يتم انتزاعه من حضن أمه ويتم تسليمه حزاماً ناسفاً لينتحر ويضع حداً لطفولته البريئة !!!
ومع عودة للعنوان مرة أخري: العالم كله الآن يختلف في كل شيء ولكن يتفق فقط في كيف يجعل الحياة أكثر إشراقا … كيف يضع حداً لكل التحديات – وما أكثرها- التي تواجه كوكبنا هذا في العقود القادمة وبينما يكون هؤلاء مشغولون بذلك .. هناك في المقابل من جعل كل همه في أين ومتي يكون التفجير القادم؟؟.
إلي هؤلاء الذين اعتنقوا ثقافة التفجير ومُعرضين تماماً عن ثقافة التفكير أذكركم بعبارة جاءت على لسان شاعرنا المبدع نزار قباني في واحدة من قصائده الرائعة حينما قال :
جربوا أن تفتحوا كتاب
… جربوا أن تقرأو كتاب.
طبيب ونائب ورئيس مجلس
إدارة جمعية الثقافة والتنوير
Email: kamil [email protected]