منذ اشتغالي بالعمل العام واقترابي من مشاكل الأقباط وضعت ثوابت رئيسية في كتاباتي ملتزم بها بصرامة وأتحدي أن يواجهني أي شخص بجملة واحدة كتبتها أو نطقتها ضد هذه الثوابت رغم كثرة كتاباتي وأحاديثي, وفي كل هذه الكتابات والأحاديث أدعو الأقباط أيضا للالتزام بهذه الثوابت.
الثابت الأول: عدم تبادل العنف بالعنف, ولهذا أدعو دائما الأقباط أن يستخدموا الوسائل السلمية والقانونية من أجل الحصول علي حقوقهم المهدرة في المواطنة غير المنقوصة, وأعتبر أن اللجوء للعنف يفقد القضية القبطية قيمتها ويفقد النضال القبطي قوته الإيجابية وفاعليته ,علاوة علي أن استخدام العنف هو بمثابة طريق الانتحار للأقلية القبطية.
الثابت الثاني: الالتزام بوحدة التراب المصري والأمة المصرية, ولهذا أعتبر ما قاله السادات عن البابا شنودة بأنه يسعي لإقامة دولة للأقباط في أسيوط من قبيل الاتهامات الكاذبة والرخيصة وغير الأخلاقية.
الثابت الثالث: موضوع إسرائيل
وأنا ألتزم بالحذر الشديد في التعامل مع هذا الملف الشائك, نظرا لحساسيته القومية وتراكم كم كبير من الهوس المرتبط به, حتي أن الكثيرين يبتزون بعضهم البعض داخل مصر بسبب هذا الموضوع وذلك برغم وجود علاقات بين السياسيين في مصر وإسرائيل وبرغم تفاوت المواقف والآراء حول هذا الملف داخل مصر بين الكثير من السياسيين والمثقفين المسلمين والأقباط علي السواء.
ومنذ عام 2001 سافر الكثير من الباحثين العرب في أمريكا من مصر والأردن والعراق ودول الخليج ودول شمال أفريقيا إلي إسرائيل للمشاركة في فاعليات هناك, وجاءتني دعوات عديدة للمشاركة في مؤتمرات في إسرائيل أو كزائر لمراكز أبحاث هناك ولكنني رفضتها جميعها بلا تردد, ورغم إلحاح بعض اصدقائي العرب.. وكنت أقول مهما إن حسنت النوايا ومهما إن كانت الموضوعات بعيدة عن الموضوعات السياسية الساخنة إلا أن مبدأ الزيارة نفسه مرفوض تماما بالنسبة لي.
أما بالنسبة لأمريكا ذاتها فالمعروف أن الكثير جدا من المراكز البحثية والمنظمات الحقوقية والسياسيين والإعلاميين في هذا البلد الضخم هم من اليهود, وطبعا هناك فرق شاسع بين اليهود والإسرائيليين, فنحن نتعامل مع اليهود بصفتهم الأمريكية, فالمجتمع الأمريكي غني جدا بالتنوع الديني والعرقي والسمة الأساسية التي تجمع كل هؤلاء هي المواطنة للدولة الأمريكية والالتزام بالدستور والقانون الأمريكي…. ورغم كل هذه الاعتبارات الواضحة إلا أنني باعدت نفسي عن الأمور ذات الصبغة الدينية الصارخة, ولهذا رفضت دعوة كبير الحاخامات في لوس أنجلوس لإلقاء محاضرة أمام الجالية اليهودية هناك, وجاءتني عدة دعوات لحضور المؤتمر السنوي لمنظمة إيباك ورفضتها وكذلك الرابطة اليهودية لمقاومة التشهير وغيرها من المناسبات التي يبدو الدين أو مساندة إسرائيل بقوة واضحا فيها. أقول رفضت كل هذه الدعوات رغم أن كبار المسئولين والباحثين من مصر يشاركون في هذه الفاعليات ويأتون من مصر خصيصا لذلك, وأنا المقيم علي بعد عدة أميال من هذه المنظمات أرفض المشاركة في فاعليتها حتي أتجنب الاتهامات الرخيصة من المتربصين.
ولكن في نفس الوقت هناك منظمات لها الطابع البحثي العام يديرها يهود وهناك سياسيين من اليهود, ونعلم أن من بينهم داعمون لإسرائيل ولكن لابد أن نتعامل معهم, فأغلب المنظمات والهيئات والمراكز الكبيرة في أمريكا يوجد بها يهود والكثير منها يديرها يهود.
هناك مثلا 13% من أعضاء مجلس الشيوخ من اليهود, وعشرات الأعضاء في مجلس النواب, والكثير من كبار السياسيين من اليهود أيضا, بما يعني أن الذي يمثلني في الكونجرس يهودي والسفير الذي يمثل بلده لدي مصر أحيانا يكون يهودي (ديفيد وولش مثلا) وطبيب ابنتي الصغيرة يهودي, ورئيس لجنة حقوق الإنسان بالكونجرس يهودي … والقائمة تطول, وعلينا أن نتعامل مع كل هؤلاء بما يتوافق مع مصالحنا وقضايانا وإلا حكمنا علي أنفسنا بالانعزال والتهميش, كما أن الزعم أن كل يهودي عدو أو ضد مصر هو عنصرية بغيضة وهوس وكراهية غير مقبولة.
بعد أحداث نجع حمادي اتصل بي نائب مدير ##منتدي الشرق الأوسط## وهو أمريكي من أصل مصري, ريموند إبراهيم, الحاصل علي دكتوراه في العلوم السياسية من جامعة جورج تاون, للحديث في لقاء مغلق بالفيديو كونفرانس أمام باحثي وأعضاء مجلس إدارة المنتدي عن أوضاع الأقباط في مصر, ويوم 26 فبراير أدار ريموند إبراهيم هذا اللقاء الذي استمر 45 دقيقة تحدثت فيها عن كافة الأمور المتعلقة بأوضاع الأقباط بصفتي الشخصية وأمام مركز دراسات أمريكي ونائب الرئيس فيه ومدير الندوة مصري… واختتمت لقائي بمناشدة جميع الأحرار في العالم دعم قضية نضال الأقباط من أجل المواطنة, ولم أطلب ذلك من الإسرائليين أو من اليهود, ولكن في سياق المحاضرة جاءت جملة بأن الدفاع عن الدولة المدنية في مصر هو في مصلحة الجميع: الغرب وأمريكا واليهود وغيرهم, وأن الأقباط هم الكتلة الرئيسية التي تناضل من أجل منع مصر من أن تتحول لدولة جهادية معادية للجميع, وهو كلام مشابه لما قاله باحث مصري معروف هو مأمون فندي في جريدة المصري اليوم ذاتها.. نعم هذه مقولات سياسية يتفق عليها الكثير من الباحثين في العالم كله من أن الدفاع عن الدولة المدنية في مصر هو في مصلحة الجميع :الغرب والأمريكيين والأوربيين واليهود والمسيحيين والمسلمين المعتدلين, كما أن وجود الأقباط وتعزيز دورهم يحافظ علي هذه الدولة المدنية….
نعم أنا أطلب من كل من أقابله في العالم كله ومن أصدقائنا الباحثين والإعلاميين الأمريكيين بالدفاع عن الدولة المدنية في مصر وعدم التجاوب مع هؤلاء الذين يسعون لتحويلها إلي دولة دينية طالبانية. وأفتخر أنني نشرت العديد من الأبحاث في أمريكا ضد الدولة الدينية في مصر في وقت كان بعض المسئوليين الأمريكيين يساندون محاولة بعض الإسلاميين لحكم مصر. وأفتخر أيضا أن الكتلة القبطية في مصر هي عامل أساسي في منع مصر أن تتحول لدولة دينية.
بقت مسألة الخلط بين ##منتدي الشرق الأوسط## الذي تحدثت أمامه و ##منتدي الشرق الأوسط للحريات## الذي أسسته في القاهرة والإيحاء وكأنهم مركز واحد, وهذا بالطبع غير صحيح بالمرة بل ولا توجد علاقة بين المركزين بأي صورة من الصور.
….ما لم يقله مجدي خليل
—————–
مقال الأستاذ مجدي خليل المنشور علي هذه الصفحة هو الفصل الأخير الذي نسدل به الستار علي موقف انفجر الأسبوع الماضي ولم يكن يحتمل السكوت عليه,ولعل قارئ و طني سيعجز عن استيعاب مضمون مقال الأستاذ مجدي دون عرض هذا الموقف بشفافية.
نشرت صحيفةالمصري اليومعلي صفحتها الخامسة بتاريخ 9مارس الجاري خبرا بعنوانقيادي قبطي يطلب دعم يهود أمريكا للمسيحيين المصريين حتي لا تتحول مصر إلي دولة جهادية ضد إسرائيل وتضمن الخبر الإشارة إلي مشاركة مجدي خليل في محاضرة أمام منظمةمنتدي الشرق الأوسط الأمريكية التي وصفها الخبر بأنها مقربة من اللوبي الإسرائيلي تحدث فيها عن وجود اضطهاد ممنهج للأقباط في مصر,كما نسب الخبر له التأكيد علي أن تدخل الأنظمة الغربية لتعزيز حالة الأقباط في مصر يخدم المصالح الغربية والأمريكية واليهودية لأن ذلك التعزيز يمنع تحول مصر لدولة جهادية مناوئة للغرب ومعادية لإسرائيل.
وبطبيعة الحال شعرتوطني أن هذا الخبر يضعها في موقف علي درجة عالية من الدقة نظرا للموقع الذي يشغله مجدي خليل في الإشراف التحريري علي ملحق المهجروطني الدولي فما كان مني كرئيس للتحرير إلا أن سارعت بكتابة رسالة إليه هذا نصها:
الأستاذ /مجدي خليل:
المدير التنفيذي لملحق وطني الدولي
مرسل لكم صورة الخبر المنشور علي الصفحة الخامسة من عدد صحيفةالمصري اليوم الصادر بتاريخ2010/3/9,وكما يتضح لكم من مضمون الخبر هناك من التصريحات المنسوبة لكم ما يتعارض بشكل صارخ مع رسالة جريدةوطني وكذلك مع الثوابت التحريرية لملحق المهجر.ونحن إذ نتحفظ علي درجة مصداقية المادة المذكورة نطلب منكم إذا لم يكن المنشور دقيقا أن توافونا بتكذيب واضح له يبرئ ساحتكم أمام جريدةوطني وقرائها,وإلا سنضطر آسفين إلي تعليق كتاباتكم في ملحق المهجر توطئة لمراجعة علاقتكم بالجريدة برمتها…مع رجاء اعتبار الأمر علي درجة عالية من الخطورة والأهمية والاستعجال.
رئيس التحرير
يوسف سيدهم
كما قمنا بسرعة وضع هذا الرد علي موقعوطني الإلكتروني تحت عنوانوطني تستنكر الخطاب المدمر المنسوب لمجدي خليلوذلك باعتبار أن خبرالمصري اليوم تم وضعه علي موقعها الإلكتروني وما تبع ذلك من استفزازه لردود أفعال حادة نحن نتفهمها ونقدرها حق التقدير.
هذا وقد سارع مجدي خليل بالرد علي الخطاب نافيا تماما ما نسبه إليه الخبر مؤكدا أنه لم يطلب أبدا لا من الإسرائيليين ولا من اليهود تبني قضايا الأقباط وأنه ملتزم بثوابت صارمة لا تتعارض مع ثوابت جريدةوطنيسيتولي توضيحها تفصيلا في مقاله المنشور علي هذه الصفحة.
وأترك للقارئ مقال مجدي خليل الذي يضع كثيرا من النقاط فوق الحروف إزاء ما نسبه له خبرالمصري اليوم..لكن أظل مستشعرا مسئوليتي في ترسيخ الثوابت الوطنية لرسالةوطني ولرسالتي علي المستوي الشخصي أيضا.
**جهادنا من أجل تسليط الضوء علي المتاعب التي يواجهها الأقباط وسبل علاجها ليس مقصورا علي الأقباط وحدهم ولكن يشاركنا فيه إخوتنا المسلمون وشتي المنابر الإعلامية وسائر المنظمات الحقوقية وعلي رأسها المجلس القومي لحقوق الإنسان.
**لا نستشعر حرجا أو حساسية تجاه مخاطبة أي منابر إعلامية أو حقوقية في أي بقعة في العالم لأننا ندرك أن الحقيقة في عالم اليوم ليست خافية علي أحد وأن تلك المنابر أو المراكز لا تقترب منا لتعرف الحقائق أو لتقرب من الواقع,إنما لتستكشف منا رؤيتنا عما يتحتم فعله لتدارك ذلك الواقع.
**ثوابتنا الوطنية التي لا مساومة عليها ولا تنازل عنها هي أن الملف القبطي برمته مكانة ملف المشاكل المجتمعية المصرية علي مائدة الحوار الوطني المصري داخل مصر ومع إخوتنا المسلمين…ومهما تعترث جهود هذه المائدة ومهما تأخرت ثمار هذا الحوار الوطني لن يكون البديل تصدير هذا الملف إلي الخارج أو الدعوة لتدويله أو الاتجار به بأي صورة من الصور لاستثمار توازنات دولية سياسية بالإيهام بأن تدخلها لصالح الأقباط يخدم مصالحها,فنحن نعتبر ذلك عارا وطنيا كما أن ثقافتنا السياسية تتيقن من أنه يعكس قصورا في ادراك الواقع الاستراتيجي الذي يحكم المصالح السياسية في المنطقة.
يوسف سيدهم