تمتعت المرأة المصرية في الحضارة الفرعونية القديمة بالكثير من مظاهر التقديس والاحترام, فكانت تتمتع بحقوق اجتماعية وسياسية وقانونية واقتصادية مساوية تماما للرجل. كما مضت قدما في مسيرة التحرر والتنمية فأقيمت لها الكثير من الاحتفالات من أجل تكريمها.
المرأة الإلهة:
نسجت الحضارة المصرية القديمة خيوط هذا التكريم منذ آلاف السنين,فمن أشهر النساء اللاتي عرفهن التاريخ المصري القديم. الإلهة حتحور البقرة السماوية وهي الأم الأولي للآلهة التي ولدتهم وأرضعتهم جميعا,وشبهها الإغريق بإلهتهم أفروديت (ربة الحب),أما إيزيس فهي أكثر النساء شهرة في التاريخ الفرعوني,بل إنها أحيانا ترمز إلي مصر نفسها,وهي قرينة أوزوريس التي صاحبته وساندته وقامت بعده بنشر عقيدته.
المرأة الملكة:
لعبت المرأة الملكية دورا كبيرا في انتقال العرش فكانت ضامنا لوراثة كبار الفراعنة للعرش,حيث لا يمكن لولي العهد أن يرث الملك إلا إذا كان من أم ملكية وإذا لم يتوافر هذا الشرط فكان عليه أن يتزوج من إحدي أميرات البيت الملكي لكي يضمن الصعود لتولي العرش,ويذكر التاريخ للفراعنة أنهم توجوا المرأة المصرية كملكة. ومن أشهر الملكات اللاتي حظين بمكانة متميزة الملكة حتب حرس زوجة الملك سنفرو وأم الملك خوفو,والملكة حتشبسوت ابنة تحتمس الأول وزوجته التي حكمت مصر 21عاما وتسعة أشهر,فكانت شخصية فريدة من نوعها تميز عصرها بالرخاء والاستقرار,ومن أبرز إنجازاتها معبد الدير البحري بالأقصر وهو تحفة فنية معمارية,وكذلك الملكة نفرتيتي زوجة إخناتون والتي تعتبر من الأمثلة الصارخة علي المساواة بين الملك والزوجة الملكية فصورت واقفة علي يمين الملك وليس علي يساره وفي حجم مساو له.
نفس هذا التبجيل والاحترام قدمه أحمس محرر مصر من الهكسوس لأمه الملكة رع حتب التي تولت الوصاية علي ابنها وحلت مكانه بالعاصمة عند ذهابه للقتال,وأقام أحمس لها لوحة كبيرة بمعبد الكرنك تبين قدرة هذه الأم في استمرارية الأسرة بفضل نشاطها وإنجازاتها في مختلف المجالات,وكانت أول امرأة تنال وساما,ولقبت بأم الأبطال.
المرأة الزوجة:
تعد المكانة التي حققتها المرأة المصرية دلالة واضحة علي رقي هذه الحضارة وسموها فكانت تتمتع بحرية اختيار شريك حياتها أي أنها لا تتزوج إلا من تحب,وكانت الضلع الأساسي في الأسرة,فكانت المنازل تحتوي علي أجنحة للرجال وأخري للسيدات,ودفعت الكثير من الإشارات الأدبية إلي احترام المرأة الزوجة والأم والابنة,ولا توجد إشارات أدبية لتعليم المرأة الطاعة أو تأمر الزوج بضربها ومعاقبتها,وكانت المرأة المتزوجة لكي تنال مكانة وسلطة لابد أن تنجب أطفالا لتصبح أما,وكانت داخل الأسرة تقوم بإدارة الممتلكات,كما أن رب الأسرة كان يولي آراءها كل التقدير والاحترام,وكان يقوم بتوفير متطلبات زوجته حتي في حال انفصالها عنه. وبعد فقد الزوج كان لها مطلق الحرية في إدارة أملاكها الخاصة وأن تكمل حياتها في بيتها,وكان الأبناء يعتنون بأمهم,فالحكيم الفرعوني بتاح حتب يوصي بضرورة الوفاء للأم فيقول: رد إلي أمك ضعف الخبز الذي أعطته لك واحملها كما حملتك ومكث ثدياها في فمك سنوات. ولم يكن المصري القديم يرحب بوجود زوجة الأب,وهناك الكثير من القصص الشعبية التي تشير إلي ذلك,فأحد الأبناء يقول: إنني ابن أحد ضباط جيش مصر,وتوفيت والدتي واتخذ أبي زوجة أخري تضمر لي الكراهية وذهبت هاربا منها.
المرأة العاملة:
تدل النقوش المصرية علي الأعمال التي عملت بها المرأة الفرعونية مثل التجارة والحصاد ودرس القمح,وكلها أعمال شاقة قامت بها المرأة مثل الرجل,ومارست فنون الرسم والموسيقي والغناء والكتابة,كما سلكت مجال الطب والجراحة ومهنة المولدة بعد أن تلقت مبادئ العلوم الطبية,وكذلك مهنة المرضعة,وكانت سيدات المجتمع الراقي يشغلن وظيفة إدارة مصانع النسيج الكبري,وتولت أيضا العديد من المناصب الدينية والسياسية,ففي المعابد كانت تقوم بمهام دينية رفيعة دون النظر للأصل الاجتماعي,كما اشتركت المرأة أيضا في مجالس الحكم حيث كانت تتقلد منصب قاضية آنذاك وتقوم بفحص المستندات وإصدار الأحكام,وكانت تتمتع بحقها في التصرف بأملاكها كالبيع أو الشراء أو التوريث,ووجد في كثير من الوثائق أسماء سيدات تسبقها ألقاب سيدة الدار أو المواطنة,ولعل أهم مركز وصلت إلية حتي الدولة الحديثة كان كاهنة الموسيقي ولقب الكاتبة,وإن كان هذا الأخير لم يعثر له سوي علي ثلاثة أمثلة من الدولة الوسطي.
المراجع:
* بيير مونتيه,الحياة اليومية في مصر,ترجمة عزيز مرقص,1997.
* ثروت عكاشة,الفن المصري,الجزء الثاني,1972.
* حسن محمد جوهر,الحياة الاجتماعية في مصر,1975.
* وليم نظير,المرأة في تاريخ مصر القديمة.