## إننا نعلم أن تراثنا المكون من ثقافات متعددة هو مصدر قوة لنا, وليس مصدر ضعف## الرئيس باراك أوباما يوم تنصيبه 20 يناير 2008 .
##إن المهاجرين في كل مكان من الولايات المتحدة كانوا سببا في ثراء وقوة النسيج الذي تتكون منه الحياة الأمريكية.## الرئيس جون كنيدي في كتابه: (أمة من المهاجرين) الصادر في العام .1958
ما هو تعريف الأمريكي؟ سؤال يثير الجدل علي نطاق واسع وبصفة دائمة بين الباحثين والكتاب والسياسيين الأمريكيين وآخرين في المجتمع الأمريكي. لكنهم جميعا يتفقون في معظم الأحيان علي أن تعريف الأمريكي, إذا كان الحديث يدور عن أصله العرقي أو سلالته, فإنه يكون في غالب الأحيان من سلالة تنتمي إلي مكان آخر في العالم. هذا بالطبع باستثناء من ينتمون إلي سكان أمريكا الأصليين أو ما جري العرف علي تسميتهم بالهنود الحمر.
ومن الأمور اللافتة للنظر أن تراث الأمريكيين كأفراد ينتمي إلي أكثر من سلالة أو أكثر من أصل عرقي واحد من الأصول المتعددة التي يتكون منها نسيج المجتمع الأمريكي. وهذه ظاهرة آخذة في التزايد نظرا لتزايد الامتزاج الذي يحدث بين أفراد المجتمع.
والإجابة السهلة علي أسئلة معينة في دول أخري من دول العالم, قد تصبح صعبة ومعقدة في الولايات المتحدة. فعلي سبيل المثال لو سألت شخصا من أي مكان أنت؟ أو إلي أي خلفية اجتماعية تنتمي؟ فإنه قد يحتار في الإجابة عليك لأن والدته قد تكون من جنسية معينة, بينما ينتمي والده إلي جنسية أخري, وإذا تعمق بدرجة أكبر في أصول أجداده من الجانبين فقد يجد جذوره ممتدة إلي مواقع متعددة في العالم وإلي أعراق مختلفة. فينتهي به المطاف إلي تلخيص الإجابة علي سؤالك بالقول إنه ##متعدد الأعراق## أو أنه ##متعدد الأجناس##, أو أنه ##هجين##.
ونتيجة للامتزاج المستمر بين الأمريكيين المنتمين إلي أصول عرقية متعددة فإن الولايات المتحدة تتطور علي الأرجح من كونها دولة تضم ثقافات متعددة إلي دولة ينتمي شعبها إلي أصول عرقية وثقافية متعددة. وقد تأكد ذلك بالأرقام حسبما جاء في تقارير مكتب الإحصاء العام بالولايات المتحدة, إذ أنه يتوقع بحلول العام 2050 أن يصبح إجمالي عدد من يمكن أن يطلق عليهم تجاوزا اسم ##الأقليات## في الولايات المتحدة _ وهذا يشمل جميع السكان باستثناء البيض المنتمين إلي أصل عرقي واحد وغير المتحدرين من دول أمريكا اللاتينية- 235.7 مليون نسمة من مجموع سكان الولايات المتحدة الذي سيبلغ آنذاك 439 مليون نسمة أي ما يساوي 54%.
وبناء علي ذلك فإن الأمريكيين الذين يعرفون أنفسهم بأنهم ينتمون إلي أكثر من أصل عرقي قد يتضاعف ثلاث مرات من 5.2 مليون شخص في العام 2008 إلي 16.2 مليون شخص في العام .2050 وكان مكتب الإحصاء الفيدرالي قد بدأ جمع معلومات عمن ينتمون إلي أصول عرقية متعددة ابتداء من العام 2000 حينما سمح للمشاركين في التعداد بتعريف أنفسهم بالانتماء إلي أكثر من فئة في السؤال الخاص بالأصل العرقي.
وكان مكتب الإدارة والميزانية بالولايات المتحدة قد قرر في العام 1997 السماح للمشاركين في التعداد باختيار أكثر من فئة عندما يسألون عن الأصل العرقي, بناء علي ما ذكره مكتب الإحصاء الفيدرالي عن ##وجود دلائل تشير إلي ظهور عدد متزايد من الأطفال في المجتمع الأمريكي ممن كانوا نتاج التزاوج أو الامتزاج بين أعراق مختلفة فيه, وبالتالي ظهرت ضرورة لقياس مدي التنوع المتزايد في الولايات المتحدة.##
ورغم أن هذا القرار أثار جدلا في أمريكا حول التبعات السياسية والاجتماعية التي يمكن أن تترتب علي خلق فئات عديدة من الأعراق المختلفة, إلا أن القرار أبرز أيضا فكرة الهوية المتعددة الأعراق وأضافها إلي الوعي العام في الولايات المتحدة.
هذا بالإضافة إلي أنه بانتخاب باراك أوباما رئيسا للولايات المتحدة, وهو نفسه ينتمي إلي أكثر من أصل عرقي, أصبح السؤال عن الأصل العرقي أو الانتماء إلي سلالة معينة, ومدي ما يعنيه ذلك, وآراء الأمريكيين فيه موضوعا للمناقشة يحظي بشعبية كبيرة.
إذن, من هو الأمريكي؟
قررت صحيفة يو إس جورنال الانضمام إلي المناقشات الدائرة حول الموضوع للتعرف علي تبعات تزايد التنوع بين سكان الولايات المتحدة وأثرها علي الطريقة أو الأسلوب الذي يعرف به الأمريكيون أنفسهم. كما سنطرح تساؤلات عديدة ونحاول تقديم إجابات عليها. من بين تلك التساؤلات: هل يستطيع الأمريكيون اختيار الكيفية أوالتوقيت الذي يمكنهم أن يستخدموا فيه أصولهم العرقية في وصف أنفسهم؟ وإذا كان ذلك ممكنا, كيف يستطيعون تحديد العرق أو السلالة التي يستخدمونها في تعريف أنفسهم؟ وهل يستطيع الأميركيون أن يقرروا عدم تعريف أنفسهم بالانتماء إلي سلالة أو أصل عرقي بعينه؟ أو هل يستطيعون استخدام صفة اجتماعية أخري؟ والأهم من ذلك, هل يعتبر كل ذلك جزءا لا يتجزأ من كون الإنسان أمريكيا؟
ونذكر هنا بعض استطلاعات الرأي التي أجريت في الآونة الأخيرة, والتي تشير إلي وجود اتجاهات لحدوث تحول في سلوك الأمريكيين تجاه الأصل العرقي أو السلالة, وهو ما قد يكون محدثا آثاره فيما يعتقده أو يؤمن به الأمريكيون عن هويتهم.
أجرت شبكة إيه بي سي الإخبارية استطلاعا للرأي خلال الفترة من 19 ديسمبر 2008 إلي 4 يناير 2009, كانت نتيجته أن نصف المشاركين فيه _ وكانوا جميعا من السود- قالوا إنهم يعتبرون أنفسهم أمريكيين قبل أي شئ آخر.
وفي استطلاع آخر أجرته الجمعية الأميركية لمكافحة التشهير في شهر أكتوبر 2008, قال 66% من المشاركين فيه إنهم يعتبرون زيادة عدد ##الأقليات## بين سكان الولايات المتحدة ميزة يمكن الاستفادة منها في بناء اقتصاد قوي. ويلاحظ أنه في العام 1992 كان 39 في المئة فقط ممن استطلعت آراؤهم يعتقدون ذلك.
وفي شهر سبتمبر 2008 أشار تقرير عن الدراسة التي أجراها رينولدز فارلي أستاذ علم الاجتماع بمركز دراسات السكان في جامعة ميشيجان, إلي وجود تغيير شامل في معتقدات البيض ومواقفهم تجاه الأصول العرقية, وبرهن علي ما يقول بالزيادة الكبيرة في عدد الزيجات بين المنتمين إلي أصول عرقية مختلفة.
وكانت الدراسة التي أجراها البروفيسور فارلي في العام 2008 متابعة لدراسة سبقتها قبل أربعة عقود, أجرتها لجنة عرفت باسم لجنة كيرنر, كان قد شكلها الرئيس جونسون في العام 1968 لدراسة أسباب الشغب الذي تثيره جماعات عرقية.
وجاء في نتائج الدراسة آنذاك أن واحدا بالمائة فحسب من الرجال السود متزوج من زوجة بيضاء. هذه النسبة ارتفعت إلي 14% في العام 2006, حسبما قال عالم الاجتماع فارلي.
وأشار فارلي إلي نتيجة مهمة أخري تمخضت عنها دراسة أجرتها جامعة شيكاغو في العام 1996, تفيد بأن 92% من البيض الذين شاركوا في الدراسة قالوا إنهم علي استعداد لمنح أصواتهم لمرشح أسود في انتخابات الرئاسة إذا تمكن الحزب من اختيار مرشح أسود كفؤ للمنصب.
يو إس جورنال