أعاد عهد الإصلاح الذي بدأ مشواره قداسة البابا كيرلس الرابع إلي الأذهان ما سطره الكتاب المقدس عن الإكليريكية وشرف رسالتها وعمق جذورها الكتابية بداية من خلق الإنسان وحتي انتشار الكرازة عن طريق الآباء الرسل كما غلف التاريخ رسالة الإكليريكية بغلاف من ذهب يشتهي الناظر إليه أن يفتحه ليتعمق في أنهاره الجارية بماء الحياة وتياره القوي الذي يتحدي الظروف والزمن ليروي ظمأ العالم من العلم والمعرفة الكتابية وأمام الكتاب والتاريخ يقف الإنسان منحنيا تكريما وإجلالا أمام هذه الأم الولود التي نشرت في كل أنحاء العالم ولاسيما بعد تأسيس أول أسقفية لها العديد من فروعها في كل البلاد داخليا وخارجيا عرف العالم الكلية الإكليريكية ذات الجذور الكتابية والأهداف الروحية المتميزة لنشر الكرازة والعلوم اللاهوتية المتخصصة وأستطيع أن أقولها وبصدق إنها حقا نبع وصمام أمان لكل فكر وكرازة الكنيسة القبطية التي أنجبت بنتينوس وإكليمنضس وأوريجانوس وأثناسيوس في عصورها الأولي وبعد إعادتها للخدمة في العصر الحديث وإصدار قرار الخديوي توفيق المعلن في جريدة الوقائع المصرية في العدد رقم592 الصادر في أول محرم سنة 1292هـ أول أمشير سنة 1591ش الموافق 7 فبراير سنة 1875م مصدقا علي تسجيل افتتاح الكلية الإكليريكية للأقباط الأرثوذكس بناء علي الرغبة التي جمعت بين رجال الكنيسة ورجال الحكومة معا مؤيدا فكر ووطنية الكنيسة القبطية وكليتها اللاهوتية التي تولي قيادتها بعد ذلك حبيب جرجس وانجبت لنا كثير من خدام الكنيسة الأمناء الذين حملوا الرسالة وساعدوا علي النهضة الإكليريكية في كل البلاد ولاسيما من خصهم قداسة البابا كيرلس السادس بحمل راية التعليم والبحث العلمي وأسس لهما لأول مرة في التاريخ أول أسقفية للتعليم وأخري للبحث العلمي والثقافة القبطية الأولي تحت رعاية نيافة الأنبا شنودة أسقف التعليم والتربية الكنسية والثانية تحت رعاية نيافة الأنبا غريغوريوس أسقف البحث العلمي ومنذ30 سبتمبر سنة 1962م وبعد اختيار قداسته للبطريركية وحتي الآن قداسة البابا شنودة الثالث أب الإكليريكية وقائد نهضتها في العصر الحالي أطال الله حياته مازال يعطي ويعلم ويجول في كل أقطار العالم مناديا بالتعليم الأرثوذكسي مؤمنا بكل نص كتابي أشار إلي التعليم الإكليريكي وشرف خدمته وكل كلمة سطرها التاريخ معترفا بدور الإكليريكية في النشاط الكنسي والخدمة الكهنوتية.
ماذا قالوا عنها؟
عرضت لك عزيزي القاريء في الحلقة الأولي عن الإكليريكية بعض آيات الكتاب المقدس بعهدية التي أشارت إلي الإكليريكية وضرورتها والاهتمام السماوي بها والآن أود في سطور قليلة أن أعرض بعض الأقوال التي سجلها التاريخ لبعض من آباء الكنيسة العظماء الذين كان لهم شرف الخدمة الروحية في الكنيسة القبطية عندما كانت الإكليريكية تحتفل بعيدها الخامس والأربعين لإعادة تأسيسها فهم كتبوا عنها ما يليق بها معترفين بفضلها وخدماتها ودورها الإيجابي في وسط المجتمع المصري صارخين في وجه كل من تسول له نفسه بحديث غير لائق عن الإكليريكية أن الإكليريكية هرم عظيم وشمس ساطعة في عالم التعليم الكنسي فلا يمكن لنملة أن تهز كيانها أو نفخة أن تطفيء نور شمسها وفي هذا الصدد كان أول حديث واعد للبابا المعظم الأنبا يؤانس لجريدة الأهرام يوم انتخاب قداسته بطريركأننا سنوجه اهتمامنا بنوع خاص إلي المدرسة الإكليريكية التي تخرج القساوسة فنرفع من شأنها ونرقي بمستوي التعليم بها وسنجتهد في ألا يعين في المستقبل قسيس إلا من خريجيهاجريدة لأهرام في 19 ديسمبر سنة 1928. أصدر بعد ذلك قداسته منشورا بطريركيا بتاريخ 10 مايو 1930 أفاد فيه أنه يجب علي الآباء الأساقفة في كل الإيبارشيات أن يلتزموا برسامة الآباء الكهنة خريجي الكلية الإكليريكية فقط. وهكذا كان قرار المجمع المقدس للكنيسة القبطية المنعقد في17 و18 مايو سنة 1937 والذي يقضي بعدم اختيار قساوسة إلا من طلبة المدرسة الإكليريكية ومن هذا المنطلق كان واضحا دور الإكليريكية الذي عبر عنه قداسته في بعض سطور طرس البركة الذي أصدره غبطته في12 نوفمبر 1938م وقال فيهمن يوم أن أسست المدرسة الإكليريكية بعناية سلفنا المغبوط الذكر الأنبا كيرلس الخامس نيح الله ونحن لم نفتر عن الاهتمام بشأنها ومتابعتها في مراحل نموها معلقين عليها أعز الآمال في نهضة الكنيسة وقد حقق الله لنا آمالنا فيها والشكر للسيد المسيح فأثمرت من الثمرات الشهية ما أبهج قلبنا وأنجبت طلبة غيورين رسم منهم قساوسة للكنائس واختير الباقون وعاظا ومعلمين فاظهروا جميعا من الكفاية والنشاط ما كان سببا في ازدياد إنعاش الكنيسة وتقدمها الروحيهذا مما جعل كثير من آباء المطارنة والأساقفة الذين لمسوا دور الإكليريكية في الخدمة طرفهم يرسلون رسائل التشجيع والتقدير لناظر الإكليريكية معبرين فيها عن التزامهم بقرار المجمع الإكليريكي ومنشور البابا نحو الإكليريكية بل أضافوا مقدرين أنها سبب في نهضة الكنيسة وإليك عزيزي بعض هذه الأقوال لباقة من آباء الكنيسة الغيورين منهم نيافة الأنبا إيساك أسقف كرسي الفيوم الذي بعث برسالة في 19 أكتوبر عام 1938 قال فيهايسرنا أن نحيطكم علما بأننا قمنا برسامة سبعة من خريجي الإكليريكية قساوسة علي كنائس الإيبارشية في عهدنا وثلاثة آخرين كانوا وعاظا بالكنائس…وهذا ما تفخر به إيبارشية الفيوم ولي تعليق عن الفيوم الآن لقد أصبح أسقف الفيوم الحالي نيافة الأنبا إبرآم خريج الإكليريكية وأستاذا بها ورئيس لمجلس إدارة رابطة خريجيها حاصلا علي أعلي الشهادات المتخصصة في تاريخ الكنيسة وهي درجة الدكتوراه وأيضا في نفس العام وفي30 أكتوبر سنة 1938م أرسل نيافة الأنبا لوكاس مطران منفلوط وأبنوب قائلا عن الإكليريكية…إنها بيت لحم الكنيسة لهذا نري أنها جديرة بأن ننظر إليها بعين الإكبار والإجلال فليست هي الصغري بين شتي المدارس العالية والكليات الراقية لأن منها يخرج مديرو الشعب ورعاة النفوس المخلوقة علي صورة الله ومثاله المفتداه بالدم الثمين وفي رحابها اللاهوتية الفسيحة وبساتنيها التقوية المزدهرة يترعرع خدام الكلمة نامين في الحكمة والقامة والنعمة لدي الله والناس حقا أننا ننظر إلي الإكليريكية كما ننظر إلي البلسم الشافي فليست هناك وسيلة نقضي بها علي سائر أمراضنا الطائفية التي أنهكت القوي … إلا معونة الله وتثقيف رعاتنا…أما نيافة الأنبا إبرآم مطران البلينا قال في رسالته التي تحمل نفس تاريخ الرسالة ليس من شك في أن كنيستنا القبطية الأرثوذكسية المحبوبة كانت في مسيس الحاجة إلي جامعة دينية كالمدرسة الإكليريكية لتخرج لنا طائفة من الكهنة والوعاظ المثقفين لنشر التعاليم والعقائد المسيحية الأرثوذكسية لاسيما بعد أن دخل بيننا أناس غرباء وأرادوا الحط من كرامة كنيستنا والطعن في عقيدتناويقول نيافة الأنبا كيرلس مطران إثيوبيا في رسالته التي أرسلها بتاريخ 21 أكتوبر 1938هكذا المدرسة الإكليريكية توزع علي الكنيسة خداما غيورين مقتدرين من رعاة ووعاظ فينقوا الكنيسة من التعاليم الغريبة التي يبثها الغرباء عنها مجددين النشاط الروحي في قلوب الشعب حاثينهم علي مستالمة جميع الناس..ولا غرابة في ذلك فقد كانت مدرسة الإسكندرية اللاهوتية قديما مصباح الكنيسة المضيء إذ تخرج منها علماء الكنيسة وفلاسفتها الأبطال الذين صمدوا أمام تجارب الأعداء وجاهدوا في سبيل رفع علم الكنيسة عاليا والمدرسة الإكليريكية بدورها الآن خرجت وتخرج للكنيسة خداما أمناء مقتدرين أدوا ويؤدون للكنيسة خدمات جليلة تستحق الاعتبار والتقدير إذا علي المدرسة الإكليريكية تتوقف حياة الكنيسة فلنحافظ عليها ولتتضافر جميع جهود الشعب رؤساء ومرؤسين لمساعدتها بكافة الطرق التي تمكنها من تأدية رسالتها الحيةوكانت أقصر الكلمات شمولية عن الإكليريكية تلك التي كتبها نيافة الأنبا تميوثاوس مطران الدقهلية بتاريخ 22 أكتوبر سنة1938م فقال نيافتهيمكنني أن أقول لأن فضل هذا المعهد ثاؤفيلس مطران كرسي أورشليم والشرقية عن الإكليريكية في رسالته إلي أستاذنا حبيب جرجس بتاريخ 10 نوفمبر سنة1938مإنها المنارة العالية التي تشع بأنوارها في سماء الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وهي التي خلفت مدرسة الإسكندرية الزاهرة في العصور الأولي للمسيحية وقد قامت هذه الكلية الكبيرة بمأموريتها خير قيام وأدت رسالتها علي أكمل وجه وخصوصا في القرن العشرينوفي رسالة لنيافة الأنبا باسيليوس أسقف الأقصر وإسنا أرسلها في 11 نوفمبر سنة1938 وهو واحد من طلابها قضي فيها ثلاث سنوات طالبا يقوليسرني جدا أن أعلن أن المدرسة الإكليريكية أصبحت مبعث الانتعاش الروحي والنهوض في عصر أصاب كثيرين من أباء الكنيسة المطارنة والأساقفة أشرنا إلي بعضها في هذه الحلقة إنما يبقي لنا الكثير من علماء الكنيسة وأراخنتها عرفوا قيمة التعليم الإكليريكي وشهدوا له بشهادات يقف أمامها التاريخ شاهدوا أن مدرسة الإسكندرية هي نبع من الحب الخادم والصافي أركانها مبنية من دم الشهداء الأبرار الذي يصرخ في السماء دائما كما يقول سفر الرؤياولما فتح الختم الخامس رأيت تحت المذبح نفوس الذين قتلوا من أجل كلمة الله ومن أجل الشهادة التي كانت عندهم وصرخوا بصوت عظيم قائلين حتي متي أيها السيد القدوس والحق لاتقضي وتنتقم لدمائنا من الساكنين علي الأرض.فأعطوا كل واحد ثيابا بيضا وقيل لهم أن يستريحوا زمانا يسيرا أيضا حتي يكمل العبيد رفقاؤهم وإخواتهم أيضا العتيدون أن يقتلوا مثلهمرؤ6:9-11 نعم لقد كانت الشهادة في القديم بسفك دم الأبرياء أما في عهدنا هذا فالشهادة هي بحرق دم العلماء الذين يرون أن الجهل ساد علي المجتمع ولا اهتمام .وإلي اللقاء في حلقة قادمة عن الإكليريكية إن شاء الرب وعشنا.
[email protected]