الميس النهاردة اختارتني أقف علي الفصل ده أنا دخلت لوحدي كورتين وكسبت الفريق بتاعي هكذا يردد أطفالنا بفرح مثل هذه التعبيرات أمام والديهم ونحن بطبيعة الحال نسعد بهم كثيرا. فمن منا لم يستمتع بحديث طفله لمعرفة ما حدث معه طيلة فترة عدم تواجده بالمنزل سواء كان بالمدرسة أو مع الأصدقاء من باب فتح لغة حوار معهم تؤهلهم لإقامة علاقة حميمة ليصبحوا (الأهل) هم الأصدقاء الحقيقيون فيما بعد كلما مر بهم الزمن وانتقلوا لمراحل عمرية أخري قد يحتاج فيها المتابعة من قبل الأهل للأبناء عن قرب دون إقحام منهم أو فرض ضغوط عليهم.
ولكن, سرعان ما ينقلب الحال رأسا علي عقب وينزعج الأهل حينما يكتشفون أن ما يزعمه طفلهم من قصص وحكايات ليس له أساس من الصحة وإنما هو من واقع خياله فيصبح الأهل في حيرة وقلق واضطراب..
فلماذا يلجأ أطفالنا للكذب غير المبرر -إن صح التعبير- واختلاق قصص وهمية غير حقيقية؟ وكيف يتعامل الأهل مع هذه الحالة؟
تقول د. إيمان نصري أستاذة علم الاجتماع جامعة الفيوم: كثيرا ما تقع الأسر ضحية هذا المأزق حينما يكون لديها طفل صغير يلجأ للكذب دون أن يكون هناك سبب يدفعه لانتهاج ذلك السلوك كأنه يختلق قصة عن تميزه في المدرسة وأن المدرس يفضله عن بقية زملائه أو أن يشتري شيئا من مصروفه ويزعم أنه كسبه في لعبة ما وغيرها من النماذج المختلفة التي تدعو الأهل ولا سيما الوالدين للشكوي بصفة مستمرة من تصرف طفلهما السلبي ولجوئه للكذب بدون مبرر, الأمر الذي يدفعهما للحيرة في أمر طفليهما بتصرفه هذا, بعد محاضرات طويلة عن قيمة الصدق والأمانة, ومهما كبرت أو صغرت الكذبة قد تشعر الأم والأب بأنهما علي حافة الجنون.
وما نتفق عليه أن الكذب ليس بالأمر الطبيعي الذي يجب أن نقبله أو نسكت عنه, ولكن المهم أن يعلم الوالدان أن وراء الكذب سببا مؤكدا يجب معرفته وتقويمه في حالة تكراره واستمراريته بلا داع فقد يكون اعتياد الآباء الكذب عنصرا أساسيا في نهج أطفالنا هذا السلوك دون أن ندري.
يضيف د. غريب عبدالسميع أستاذ علم الاجتماع بجامعة حلوان أن بعض الأطفال يبتدعون قصصا ببساطة لأنهم في الواقع لا يعرفون معني الكذب في حد ذاته لنكتشف بعد ذلك أنه وهم وهذا لا يستدعي للقلق إذا كان الطفل في سن مبكرة لكونه من وقت لآخر يعيش في الخيال بعيدا عن الواقع ويحتاج لفترة طويلة كي يعي الفرق بين الحقيقة والخيال.
وأدل فترة علي هذا السلوك هو سن الرابعة, حيث يكون من الأمور الطبيعية فيها أن يختلق الطفل القصص ثم يومن بها إيمانا راسخا وعليك أن تعلم أن للطفل خيالا واسعا خصبا يفيده فيما بعد ربما في تأليف قصص وروايات وما أجمل أن تجلس مع طفلك لتجعله يفرغ ما لديه من قصص في مذكرات لاستثمار خياله الإبداعي. لذا علي الأهل إذا سمعوا الطفل يروي هذه القصص الخيالية أو الأكاذيب ألا ينهروه بل ينبغي أن يسمعوا منه ويحاولون بلطف إرشاده لبعض الحقائق بقولهم أظن أنك نسيت كذا وكذا فبإمكانك أن تساعده علي إبراز ما هو متميز لديه بالفعل وتنمية ما يمكن أن يتميز فيه بدلا من إعلان غضبكما عليه ووصفه بالكاذب.
وعن الدوافع النفسية التي تدفع الطفل لاختلاق قصص من واقع خياله يقول د. سمير عبدالفتاح أستاذ علم النفس جامعة عين شمس: إن الطفل يلجأ للكذب غير المبرر لأسباب عديدة كمحاولته أن يتعرف من خلال كذبه علي ما يمكن أن يكون عليه تصرف الأهل تجاهه إذا ما فعل ذلك الأمر, كأن يحكي قصة عن زميله يأخذ نقودا من أسرته دون علمهم أو لكي ينجو من العقاب لخوفه من أن يحدث شيئا علي غير إرادته إذا ما قال الصدق في ظل عدم شعوره بالأمان داخل أسرته ليقع تحت ضغوط نفسية, أو من باب ميله للتضخيم والمبالغة بغرض التباهي كتعبير عن أمنية لديه غير محققة يريد تصديقها بترديدها أمام الآخرين ليحظي برضا واهتمام الآخرين أو عدم القدرة علي التفريق بين الحقيقة والخيال لصغر سنه. وينبغي أن نعلم أن الطفل حتي الثامنة من عمره يكون مشوشا في أمر ما هو صحيح وما هو غير صحيح.
فمخاوف الأطفال وأحلامهم وانفعالاتهم بالقصص تكون في أكثر الأحيان أقوي من أي شئ في حياتهم لكونها رغبات نفسية مكبوتة يريد تحقيقها ولا يجد ذاته سوي في اللجوء للكذب غير المبرر حتي يستأثر بكل شئ, فالطفل الذي يمثل دور الشرطي أو الطبيب يخيل إليه أنه فعلا هكذا, وأن هذه الحقيقة لا تقل عن أية حقيقة أخري, ومع تقدم الأيام ومرور السنوات يبدأ الطفل عن طريق اللعب والتمثيل والاحتكاك بالكبار في إدراك الفوارق الواضحة بين الحقيقة والخيال وعلي الأهل متابعة الطفل منذ الصغر فالعملية في مراحل متأخرة قد تأتي بنتائج عكسية قد تؤثر علي الطفل ذاته فيما بعد وعلي المحيطين به إن لم يجد الرعاية اللازمة.
أما إذا تجاوزت عادة الكذب مرحلة ما بعد الطفولة يطالب د. عبدالفتاح الأهل التعامل بحكمة مع المسألة بالتزامهم الهدوء ثم مواجهة الطفل بطريقة إيجابية بمعني ألا يطلقون لفظ (أنت كاذب) عليه أو ينتقدوه لأن مثل هذا الأسلوب يدفعه للانتقام ويقلل من إحساسه بتقديرهم له وإنما عليهم الإبحار في ذاته وأن يدعوه للنظر للأمر بصورة موضوعية. أيضا عليهم معرفة أسباب الكذب فإذا كان الطفل يدعي التفوق في مادة ما هو في الحقيقة يعاني من صعوبتها تستطيع في هذه الحالة أن تقول: أري أنك تبذل جهدا في المادة وهي صعبة عليك. ثم تأتي مرحلة أسلوب التأديب المناسب بعد معرفة الأبناء شيئين أساسيين هما أننا نفخر بهم إذا أخبرونا الصدق وأن الكذب سيترتب عليه مضاعفة العقوبة.