مضت سنوات لم يعرف مجتمعنا الحراك السياسي بمعناه الحقيقي, وكثرت علامات الاستفهام حول أسباب عزوف الشارع المصري عن المشاركة في الحياة السياسية دون أن تجد إجابة!!هل من باب عدم الاهتمام بالشأن السياسي أم تعبير عن حالة عدم الرضي تجاه النظام الحاكم…ليأتي يوم الاستفتاء في مشهد غير مسبوق تطلق فيه الشرارة الأولي نحو الحراك السياسي بداخل كل منا لتشهد مصر أول عرس لممارسة الديموقراطية باجتماع كافة فئات الشعب علي اختلاف مراحلهم العمرية وتوجهاتهم السياسية والفكرية والاجتماعية رجالا ونساء شباب وشيوخا ليقفوا في طوابير للإدلاء بأصواتهم ليؤكدوا للشعب المصري بأنه قادر علي اختيار من يحكمه ومن يمثله في البرلمان؟…لم يعد للمرأة حديثا خاصا في هذا الشأن وإنما علت المناقشات السياسية داخل الأسرة وتساءل ما الدوافع الحقيقية وراء ذلك الحراك؟ ويبقي السؤال الأهم: كيف يمكن استثمار الصحوة السياسية في المرحلة المقبلة؟
الثورة المضادة…انتقصت من التجربة
يقول سعيد عبد الحافظ -رئيس مؤسسة ملتقي الحوار للتنمية وحقوق الإنسان لاشك أن قيام الثورة فتح الباب أمام مشاركة المواطنين في الحياة السياسية لشعورهم أن أصواتهم باتت ذت قيمة وأن إرادتهم ستساهم مع إرادات الآخرين في اختيار الطريق الصحيح للديموقراطية بمصر ولكنني متحفظ علي النظرة التفاؤلية لكوننا بلغة القانون في مرحلة الريدة ونحتاج لوقت طويل حتي نطمئن للانتقال السلمي للسلطة بفتح الباب أمام الجميع لممارسة الديموقراطية فلا يمكنني أنأقيس علي ما حدث يوم 19 مارس أثناء التصويت علي التعديلات الدستورية رغم المشاركة الإيجابية من قبل المواطنين في ظل وجود ثورة مضادة بانتهاج الجماعات السلفية وجماعة الإخوان المسلمين ذات الممارسات التي تعكس أدئهم كجماعات دينية تستخدم الخطاب الديني في التأثير علي إرادة الناخبين.
ويتساءل عبد الحافظ لماذا لم تعكس نتيجة الصناديق ما حدث يوم 25يناير, ألم تقم الثورة لإسقاط النظام والدستور؟ فكيف يستمر الدستور مرة أخري في 19 مارس بالتصويت بـنعم هذا وإن دل فهو يدل علي الانتقاض من حجم التجربة الديموقراطية بعدما اثبتت أن من يقولنعم هو مع الله ولا مع الشيطان. في المقابل نجد أن القوي المدنية بمصر ليست مستعدة في هذه القترة الانتقالية لتنظيم صفوفها وحشد المؤيدين لهاولعب دور في مواجهة الممارسة الدينية, ومازلنا نؤكد علي أهمية إعطاء الفرصة للقوي المدنية والأحزاب السياسية لتنظيم صفوفها والاتصال بجماهيرها في الشارع لخوص المرحلة المقبلة ليصبح التصويت علي القضايا السياسية انعكاسا لإرادة المواطنين الحقيقية وليست الغلبة لمن يستطيع حشد أكبر عدد من انصاره.
الحل…إعلان دستوري وانتخابات بعد 9 أشهر
يعول عبد الحافظ علي الفترة القادمة بأن يصدر الإعلان الدستوري علي وجه السرعة لينص صراحة أن دستور 1971 معطلا, وأن يتضمن الإعلان الفترة الانتقالية ليدرج انتخابات رئاسية وبرلمانية ليس قبل 9 أشهر علي الأقل علي أن يصدر المجلس الأعلي للقوات المسلحة قرارات بقوانين تسمح بممارسة الديموقراطية مثل قانون الأحزاب السياسية وقانون مباشرة الحياة السياسية ورفع حالة الطوارئ.
وعن كيفية استثمار ذلك الحراك لخوض انتخابات برلمانية ورئاسية قادمة دون تأثير نتيجة الاستفتاء علي من جاءت بعكس ما كان يرغبه أشار إلي ضرورة التأكيد من قبل القوي السياسية أن ما حدث بعملية الاستفتاء بمثابة حالة استثنائية مع الوعي بأهمية وجود خطاب مدني مبسط يوجه للفئات ذات المستوي الثقافي البسيط ولاسيما أهالي الريف وقري الصعيد لمواجهة خطاب القوي التي تخلط الديني بالسياسي.
التلاعب بالدين….غيب الوعي السياسي
وأكدت نهاد أبو القمصان رئيسة المركز المصري لحقوق المرأة أن الإقبال غير المسبوق علي عملية الاستفتاء جاء نتيجة الرغبة والإحساس أن مصر أصبحت ملكا للمصريين, وبالتالي إدراكه أن صوته هيفرق وسيساهم في التغيير لكن ماحدث من حشد الأفراد باستخدام الدين والخلط بين المفاهيم لدي الكثيرين أجهض المسألة فبدلا من أن ينزل الفرد بإرادته للإلاء بصوته في حرية تامة وجدنا تلاعبا خطيرا بالدين والتأثير علي البسطاء بالمساس بالمادة الثانية من الدستور, وهو ما غيب قضية الوعي السياسي تلك القضية الجوهرية التي بحاجة إليها في وقتنا الحالي بتكوين رؤي وحقائق واضحة تضع كمسئولية أمام الناخب للتصويت بإرادة حقيقية دون إملائات خارجية.
الشارع عطشان…وجاء دور الأحزاب والنقابات
تضيف نهاد أن الأمر لايدعنا نقلل من شأن التجربة فخروج المصريين لأول مرة للإدلاء بصوتهم في عملية الاستفتاء خطوة إيجابية علينا أن نستثمرها في المرحلة القادمة بالعمل كقوة وطنية مع المواطنين في الشارع بعيدا عنتديين السياسة فالشارع المصري عطشان للسياسة وجاء دور الأحزاب السياسية واتحادات النقابات العمالية والمهنية والمنظمات المختلفة بالمجتمع لتتواصل مع الأهالي لدفعهم نحو الحياة السياسية بوعي, خاصة أن ما يحركهم للمشاركة هو الخوف علي البلد والسعي للوصول بمصر لبر الأمان ومرحلة الاستقرار. وهو مايدفع بالمرأة للمشاركة لما لها من حس وطني تساند الرجل في الخروج بمجتمعنا من أزمته ومن ثم النهوض به لذا وجدنا المرأة بصورة كبيرة تدلي بصوتها حتي كبيرات السن بشعورهن أنهن جزء من المجتمع قادر أن يشارك ويغير بعد سنوات مارست ضدها كافة أشكال التمييز.
الديموقراطية الحقيقية…تتقبل الرأي الآخر
تذكر ابتسام حبيب- عضوة مجلس الشعب سابقا أن المناخ السياسي أصبح مهيئا لإتاحة الفرصة أمام المواطنين للمشاركة في الحياة السياسية بعودة الثقة إلي أن جاءت الخطوة التي لا رجعة فيها أن يدرك كل منا أهمية الإدلاء بصوته وتحديد موقفه بإرادته, فما يعنينا المشاركة الحقيقية ومن ثم تقبل النتيجة أيا كانت كملمح للديموقراطية باحترام الرأي والرأي الآخر خاصة ونحن علي مشارف انتخابات المجالس التشريعية لتفادي مرحلة سابقة وبناء أخري جديدة قادمة نستطيع فيها خوض الحياة السياسية وفرز ما هو صالح وبين ما هو طالح للنهوض بمجتمعنا.