اهتمت الكنيسة المقدسة بتخصيص يومين في العام لنذكر فيهما رئيس الملائكة ميخائيل(12بابة و12هاتور) ففي كل مناسبة من هاتين المناسبتين صنع رئيس الملائكة ميخائيل معجزة, الأولي:أغني عائلة من فقرها لأنها كانت مصرة علي أن تحتفل بعيد الملاك ميخائيل كعادتها. والمعجزة الثانية أيضا والتي تذكر في الثاني عشر من هاتور صنعها مع امراة قديسة اسمها أوفيمية كانت أيضا تعمل هذا العيد في كل عام, فلما مات زوجها وصارت فقيرة سارت علي عادتها علي الرغم من فقرها, وجاء الشيطان نفسه وظهر لها في صورة رئيس الملائكة ميخائيل, ولا عجب فالشيطان أصلا من نور وكما قال الرسول بولس إنه يمكن أن يظهر في شكل نور, وأوصاها بالزواج وأوصاها بأت تكف عن هذا العمل وعدم إقامة هذا العيد, نظرا إلي إنها فقيرة وأنها في حاجة إلي هذا المال, ولكن المرأة استطاعت بحساسيتها الروحية أن تدرك أنه لا يمكن أن يكون هذا هو الملاك ميخائيل, فقالت له:أين علامتك التي تثبت أنك رسول من السماء؟ وتقول القصة إن الشيطان صر علي أسنانه جدا حانقا عليها,فصلبت علي نفسها بعلامة الصليب فتبدد الشيطان من أمامها كدخان واختفي. وبعد ذلك ظهر لها رئيس الملائكة الحقيقي ميخائيل وطيب قلبها وشجعها علي عمل الصالحات, ووعدها بقرب انطلاقها من هذا العالم طاهرة نقية أرملة قديسة. فخرجت روحها ثم أخذ روحها إلي السماء بين القديسين.
وليست هاتان القصتان هما الوحيدتان وإنما لرئيس الملائكة ميخائيل معجزات كثيرة علي طول التاريخ في العهد القديم وفي العهد الجديد. وفي تاريخ الكنيسة الطويل أعمال مجيدة لأنه رئيس جند الرب, وكما نقول في ألحان الكنيسة إنه رئيس السمائيين القائم أمام عرش النعمة رئيسا لجميع رؤساء الملائكة.
وهنا نلاحظ أن الكنيسة قد تخيرت في يوم عيد الملاك ميخائيل قراءة فصول مناسبة ففي البولس يرد كلام الرسول عن الملائكة فيقول عن اللهإنه الصانع ملائكته أرواحا وخدامه لهيب نار مبينا بهذا أن الله هو الذي خلق الملائكة وأنه خلقهم من النور الذي خلقه أول ما خلق. قال اللهليكن نور فكان نور ومن النور خلق الله الملائكة ومن هنا فهي كائنات نورانية طاهرة نقية صافية,كائنات روحانية ليس لها أجساد كأجسادنا إنما أجساد لطيفة وليست كثيفة أو غليظة كأجسادنا.
الملائكة رسل رب الجنود:
هذه الكائنات الروحانية قائمة علي خدمة الله تعالي من أجل أن تصنع إرادته وتحقق في الكون والبشر مشيئته فهم رسل. وكلمة ملاك كلمة عبرانية معناها رسولها أنا أرسل أمام وجهك ملاكي ومن هنا فإن الكهنة يسمون أحيانا في الكتب المقدسة ملائكة, قياسا علي الملائكة النورانية لأنهم رسل رب الجنودلأن شفتي الكاهن تحفظان معرفة ومن فمه يطلبون الشريعة لأنه رسول رب الجنود وفي رسالة يهوذا الرسول وهو ليس يهوذا الأسخريوطي بل يهوذا أخو يعقوب بن حلفي وهو لباوس الملقب تداوس قوله: هوذا قد جاء الرب في ربوات قديسيه ليصنع دينوية علي الجميع ويعاقب جميع فجارهم علي جميع أعمال فجورهم التي فجروا بها, وعلي جميع الكلمات الصعبة التي تكلم بها عليه خطاة فجار ويرد فيه قوله وأما ميخائيل رئيس الملائكة فلما خاصم إبليس محاجا عن جسد موسي لم يجسر أن يورد حكم افتراء بل قال لينتهرك الرب وذلك أن إبليس كان يريد أن يظهر جسد موسي حتي يعيد بني إسرائيل مرة أخري إلي العبادة الوثنية التي كانوا قريبين إليها. ومن هنا يتضح أن ميخائيل رئيس الملائكة الذي قهر الشيطان وأبطل مشورته الفاسدة وضلالته, التي كان يريد أن يضل بها بني إسرائيل, ومن جهة أخري يبين لنا أن الملائكة سيكونون في ركاب ملك الملوك حينما يأتي في مجيئه الثاني ليدين الأحياء والأمواتهوذا قد جاء الرب في ربوات قديسيه ليصنع دينونة علي الجميع فالملائكة سيكونون في ركاب ملك الملوك وهذا ما يقوله الرب نفسه متي جاء ابن الإنسان في مجده وجميع الملائكة القديسين معه فالملائكة سيكونون في حاشية ملك الملوك وفي صحبته وهو نازل من السماء ليدين الأحياء والموتي.
عمل الملائكة:
وفي الأصحاح العاشر من سفر أعمال الرسل, يظهر عمل الملاك في أنه ظهر لرجل تقي من بين الرومان كان قائد مائة, وكان يصلي ويتصدق ويصوم إلي الساعة التاسعة من النهار, وإذا ملاك من السماء ظهر له وقال يا كورنيليوس إن صلواتك وصدقاتك قد صعدت تذكارا أمام الله. والآن أرسل إلي يافا رجالا واستدع سمعان الملقب بطرسهو يقول لك ماذا ينبغي أن تفعل وهذا معناه أن الملائكة قوات ترسل من وقت إلي آخر لتبلغ رسالة من السماء إلي الإنسان, وفي هذا إظهار وبيان لجلال الله وعظمته.
شفاعة الملائكة:
قد يسأل الإنسان ويقول هل الله يحتاج إلي الاستعانة بالملائكة؟ إن كثيرين من المغرورين من بين البشر والمصابين بالكبرياء يقولون, ما الملائكة وما لزومهم؟ ولماذا لا أكون أنا أفضل من ملاك؟ ولماذا لا أتصل بالله مباشرة. ولا حاجة لنا إلي الملائكة؟ وما فائدة الملائكة؟ ولماذا نتشفع بالملائكة؟
ولكن الرب خلق الملائكة, علي الرغم من أقوال المتكبرين, إن الله خلق الملائكة وهو في غير حاجة إليهم. ولكنه خلقهم ولابد أنه خلقهم لقصد ولحكمة. إن الله يمكن أن يكون في غني عن الملائكة, ولكنه رتب نظاما وبموجب هذا النظام جعل هؤلاء الملائكة وسطاء لتبليغ رسالته إلي البشر. ولهذا النظام يخشع الإنسان ويخضع, وبه يعرف خلال الله وقداسته. لأنه إذا كان الخدام المرسلون من قبل الله هم بهذا البهاء وبهذا الجمال وبهذه العظمة وبهذا الاقتدار, فبالأحري كم يكون بهاء الله وجماله وعظمته واقتداره, ولهذا يتضع الإنسان ويعلم بالدليل الحسن المقنع لطبيعته, أن الله الذي أرسلهم كم هو جليل وعظيم وجميل وبهي وكريم. وبالتالي يعرف الإنسان قدره ويتضع. فالله رسم نظاما وبمقتضاه جعل الملائكة قوات في خدمته تعالي وفي خدمة البشر لتبليغ رسالة الله إلي الناس. وقد رتب الله هؤلاء الملائكة درجات ورتبا وطقوسا, فجعل ملائكة, وجعل قوات, وجعل جنودا, وجعل رياسات, وسلطات, وسادات, وشيروبيم, وسيرافيم, ورؤساء ملائكة, ولكل واحد ممن ذكرناهم رتبة من رتب الملائكة. وأما رؤساء الملائكة فسبعة كما قال عنهم يوحنا الرائي إنهم سبعة الأرواح التي أمام عرشه وقال الملاك روفائيل لطوبيا أنا أحد السبعة الواقفين أمام الرب لكن فوق هؤلاء الرؤساء جميعا بل والمقدم عنهم ورئيسهم كلهم الملاك ميخائيل الذي وصفه الملاك جبرائيل لدانيال, أنه الرئيس العظيم الذي جاء لنصرته ضد رئيس مملكة فارس. فالملائكة إذن رتب ولهم ترتيب وطقس ونظام, وقد جعل الله لكل طغمة منها اختصاصات. فبعضها مختص بخدمة السماء. وبعضها مختص بخدمة الأرض. وفي الأرض بعضها مختص بالهواء. وبعضها مختص بالثمار. وبعضها مختص بالأنهار. وبعضها مختص برفع القرابين والصلوات.فالاختصاصات متنوعة وكلها تبرز وتعلن مجد ملكوت الله علي الأرض. ولو كشف عن عيوننا لرأينا هذه القوات الروحية تتحرك بين السماء والأرض. وفي الأرض في كل مكان, قال المسيح له المجدمن الآن ترون السماء مفتوحة وملائكة الله يصعدون وينزولون. وقال عن الأطفال الصغارلا تحتقروا أحد هؤلاء الصغار فإني أقول لكم إن ملائكتهم ينظرون كل حين وجه أبي الذي في السموات مبينا بهذا أن لكل طفل ملاكا حارسا يحرسه ويحميه وكما جاء في المزمور أنه يوصي ملائكته بك ليحفظوك في سائر طرقك, وعلي أيديهم يحملونك لئلا تصدم بحجر رجلك إذن هم قائمون في السماء ويعاينون وجه الآب السماوي, كل واحد مكلف بخدمة واحد من بني البشر يرعاه ويحرسه ويلقي إلي أذنه بالأفكار الصالحة وينصحه ويتفقده ويحمل روحه عندما يموت: ومعني قوله إن ملائكتهم كل حين ينظرون وجه أبي الذي في السموات. أنه في الوقت الذي يكون فيه الملائكة في السماء- لأن هذا هو مكانهم الطبيعي- فإنهم يراقبون الأطفال علي الأرض.
الملاك مخلوق من نور:
وهنا يسأل سائل ويقول: حسنا كيف يكون الملاك في السماء وكيف يكون مكلفا بالحراسة علي الأرض؟ كيف يكون مكلفا بخدمة الله ومعاينة وجه الآب السماوي, وفي الوقت نفسه يكون مكلفا بحراسة الطفل علي الأرض, ذلك لأن الملاك مخلوق من نور وله سرعة البرق, ففي التو واللحظة يهبط الملاك من السماء ولا يحتاج إلي زمان أو إلي وقت, أنه يمرق كالسهم وكالبرق ينزل من السماء, قبل أن تصدم رجل الإنسان بحجر يكون الملاك قد هبط سريعا لينقذ القدم قبل أن تصطدم بالحجر, وذلك يرجع إلي سرعة الملائكة وإلي قوتهم.
الأسقف والكاهن ملائكة أرضيون:
إن كورنيليوس قائد المائة جاءه ملاك من السماء يبلغه أن الله قبل صلواته وصدقاته التي صعدت تذكارا أمام الله, والله رتب في الكون نظاما, ومن بين البشر أقام الله أيضا ملائكة يبلغون رسالتهم للبشر أي لإخوتهم من بني الإنسان. هؤلاء هم الكهنة الذين أيضا سماهم ملائكة أكتب إلي ملاك كنيسة أفسس…أكتب إلي ملاك كنيسة برغامس…أكتب إلي ملاك كنيسة ثياتيرا… هؤلاء كانوا أساقفة في هذه الكنائس في آسيا الصغري التي تسمي الآن تركيا.